الفساد الإداري يعمق حفرة خسائر صناعة السجائر التونسية | سناء عدوني | صحيفة العرب

  • 6/9/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عمق الفساد الإداري هوة الخسائر التي تتكبدها صناعة السجائر التونسية، بعد أن كشف تقرير رقابي حديث عن مدى تغلغل المحسوبية في القطاع وسلط الضوء على كيفية إهدار المال العام وسوء التصرف، ما أعاد مطالب خصخصة الشركات العامة إلى الواجهة والذي لطالما رفضه الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية في البلاد. تونس - رصد تقرير رقابي حكومي تم نشره مؤخرا مدى التجاوزات في إدارة وكالة التبغ والوقيد الحكومية ما تسبب في خسائر كبيرة لصناعة السجائر المحلية. وتؤكد البيانات الصادمة في التقرير أن السياسات المعلنة من الحكومات المتعاقبة منذ 2011 لم تعالج أسباب الفساد الإداري المستشري في مؤسسات الدولة، والذي لطالما طالبه المانحون قبل النقابات التونسية. سامي الطاهري: الامتيازات قدمت كرشاوى وهبات لأطراف خارج القطاع سامي الطاهري: الامتيازات قدمت كرشاوى وهبات لأطراف خارج القطاع وأكد تقرير رقابي أصدرته هيئة الرقابة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية أنّ الخزينة العامة للبلاد التونسية تحملت خسائر مالية سنوية بنحو 136 مليون دينار (48.1 مليون دولار) مما انعكس سلبا على المؤشرات المتعلقة بالهيكلة المالية للوكالة. وكشف تقرير التفقد النهائي لهيئة الرقابة وجود إخلالات ونقائص وتجاوزات تنخرط ضمن أخطاء التصرف، كما أن البعض الآخر منها يمكن تصنيفه ضمن ملفات الفساد طبقا للقوانين والتراتيب الجاري بها العمل. وتمتلك وكالة التبغ والوقيد الحقوق الحصرية لاحتكار إنتاج وتوزيع السجائر في تونس وسبق أن أثارت جدلا واسعا طيلة عقود نظرا لشبهات الفساد التي حاصرتها في ظل فشل كل محاولات الإصلاح ومواجهة الحكومات المتعاقبة للاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد، الرافض قطعيا للخصخصة أو التفويت في أي شركة عامة. وأشار التقرير إلى وجود إخلالات تتعلق بعدم الشفافية في ما يتعلق بالتعيينات والتوظيف وتأخر كبير في إنجاز البرامج الاستثمارية المتعلقة باقتناء تجهيزات الصنع وتعصير ورشات الإنتاج والرفع من الطاقة الإنتاجية، ما ترتب عنه تكبد الوكالة لكلفة إضافية تقدر بحوالي 2.2 مليون دينار (780 ألف دولار) من سنة 2012 إلى سنة 2014. وفتحت الامتيازات المقدمة للموظفين باب الفساد بعد أن تحولت إلى منطلق للرشوة وتقديم الهبات وإسناد امتيازات غير مشروعة ما يعني عبئا ماليا على إضافي خزانة وكالة التبغ والوقيد، وهو ما كشفه التقرير حيث يتم تمكين موظفين في الوكالة ومحالين على التقاعد وأعضاء مجلس الإدارة من حصة شهرية من علب السجائر متأتية من منتوجات الوكالة دون أي سند قانوني أو ترتيبي. ويعيب خبراء اقتصاد احتكار الدولة التونسية لإنتاج وتوزيع السجائر حيث تطرح طبيعة المؤسسة تساؤلات حول أسباب احتكارها حيث أنها لا تمثل قطاعا حيويا أو استراتيجيا. وقال الناشط السياسي زياد الجزيري في تصريح خاص لـ”العرب” بعد ثورة يناير 2011 “لم نر تطبيقا عمليا لمكافحة الفساد و القطاع العام استمر في تسجيل خسائر متتالية بنحو 50 في المئة من المؤسسات العمومية نتيجة تعطل الإنتاج وكثرة الإضرابات إضافة إلى انعكاسات ارتفاع كتلة مخصصات الأجور التي ارتفعت بحوالي 40 في المئة مقارنة بعام 2011”. واستغرب الجزيري عدم مواكبة السياسة التسعيرية لكلفة لإنتاج، لافتا إلى أن أغلب المنشآت لم تواكب كلفة الإنتاج وهو إشكال تصرف من الشركات العامة. وأشار إلى أن استئثار السوق الموازية بحوالي 50 في المئة من حجم المعاملات وبالتالي نصف الحصة في السوق السوداء أمر خطير للغاية، مؤكدا أن بلوغ حجم خسائر شركات القطاع العام نحو 9 مليار دينار (3 مليار دولار) أمر غير طبيعي “ولا يمكن السكوت عنه”. الشركة باتت عبئا على الدولة الشركة باتت عبئا على الدولة ويرى الجزيري أن المؤسسة الوحيدة التي يكمن الحل في خصخصتها هي الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد فيما بقية الشركات يمكن التصرف في حلحلتها دون الاضطرار للخصخصة. وشدد أن على السلطة التنفيذية أن تتخذ قرارات جريئة وإستراتيجية واضحة، لافتا إلى أن الخصخصة لا تعني إطلاقا تقليص العمالة وإنما من الممكن الحفاظ عليها وتطوير المؤسسات. وكثيرا ما تصطدم كل محاولات الحكومات لخصخصة الشركات العامة بمواجهة نقابية حادة مع اتحاد الشغل الذي يرفض كل خطوات الخصخصة أو التفويت في المؤسسات العامة، وكانت خصخصة الشركات أحد شروط الإصلاح التي وضعها صندوق النقد الدولي ضمن خطته الإصلاحية الموجهة إلى تونس لتخفيف أعباء النفقات العامة على الدولة. وأكد الأمين العام المساعد والناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري في تصريح خاص لـ”العرب” أن “وكالة التبغ والوقيد تعيش أزمة هيكلية سببها خيارات الدولة وعدم تنظيم قطاع البيع بين مختلف المتداخلين في القطاع”. وأضاف أن “الإشكال يكمن في التهريب والتوزيع بحيث تقوم سياسة وزارة المالية على تعيينات وفق الولاءات ودون كفاءات ما تسبب في إغلاق العديد من مزارع التبغ في تونس واللجوء إلى الاستيراد من الخارج، الأمر الذي يستنزف احتياطي النقد الأجنبي من العملة الصعبة”. زياد الجزيري: وكالة التبغ هي الوحيدة التي يكمن الحل في خصخصتها زياد الجزيري: وكالة التبغ هي الوحيدة التي يكمن الحل في خصخصتها وشدد الطاهري على أن “من المفروض مكافحة الفساد وإعادة الهيكلة وعدم خصخصة قطاع يوفر للدولة نحو 4 مليارات دينار (1.4 مليار دولار)”، مشيرا إلى أنه من الضروري رقمنة الإدارة لمنع محاولات التدليس ومقاومة التهريب وذلك بتوسيع سوق البيع وعدم احتكاره على أصحاب الرخص التي تسببت في خلق شبكات فساد. ودعا إلى إصلاح وإنقاذ الشركة من خلال حوكمتها وإخضاعها لرقابة قبلية وبعدية نظرا للأهمية الإستراتيجية للوكالة التي تحوز على عقارات وأملاك في أماكن استراتيجية، مدينا الدعاية لبيع الشركة وخصخصتها. وتعرض القيادي النقابي إلى معضلة التهريب التي تحاصر صناعة السجائر، لافتا إلى أن “فتح السوق يمكن أن يحاصر السوق الموازية ويحد من نشاط شبكات التهريب”، مشددا على ضرورة تحديث المؤسسة في آلاتها اللوجيستية. وعزا النقابي مشاكل قطاع التبغ إلى تدمير مزارع التبغ ما فتح عبء التوريد من الخارج إضافة إلى إشكالية ارتفاع الديون، مشيرا إلى أن الدولة تتعامل مع الوكالة كمصدر تمويل دون أن تنفق عليها شيئا. ولفت إلى أن التقرير الوزاري رصد إخلال تصرف وإهدار مال العام في منح للموظفين غير دقيق نظرا لأن التقرير لم يذكر عدد المنتفعين الحقيقيين، معتبرا أن الآلاف من علب السجائر قدمت كهدايا ورشاوى لأطراف لا علاقة لها بالقطاع ولم يتمتع بها الموظفون. ويقدم ازدهار بيع السجائر في الأسواق الموازية وانتشار مستودعات التخزين في الأحياء الشعبية دليلا على عجز الجهات الرقابية في مواجهة ظاهرة التهريب. وأكدت إحصائيات رسمية أن خسائر الدولة جراء المضاربة في قطاع التبغ تناهز المليار دينار (480 مليون دولار) سنويا، والمنتفعون هم “أباطرة التبغ” و”البعض من مديري القباضات المالية” الذين تحوم حولهم شبهات فساد. وتنتج تونس سنويا نصف مليار علبة سجائر محلية وتتولى وكالة التبغ والوقيد الحكومية عملية الإنتاج. ويوفر القطاع للدولة 6 بالمئة من عائداتها الضريبية. وبحسب تقرير للمنظمة العالمية للصحة، تتصدر تونس الدول العربية في عدد المدخنين. ويقدر عدد المدخنين في تونس بحوالي 3.5 مليون مدخن، 10 في المئة منهم من النساء. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :