يلومني بعض القراء على التمادي في ملاحقة مفردات اللهجة المحلية. ويقولون إنني أترك الشأن الاجتماعي والاقتصادي والبطالة والرز وحليب الأطفال. لكنني سأجد عذراً بكثرة تناول غيري للمواضيع الساخنة. وسبق أن تحمّل بعض القراء، ومنهم المتعمقون في تاريخ اللغات قائلين عندما ندرك أن اللغات في الأصل تتكون من الاستعارة من لغات أخرى ومن تطوير المتحدثين الأصليين ولا يرون وصف المفردة بالأجنبية كالفارسية مثلا لأن المفردة أصبحت جزءا من اللغة العربية. عندما نعود لكلمات كثيرة في لغتنا العربية نجد أن أصولها غير عربية ومع ذلك تعد من الكلام الفصيح، ولضرب المثال جميع العملات القديمة كالدرهم والدينار ليست كلمات عربية في الأصل ومع ذلك هي جزء من اللغة العربية. هذي كلمات استطعنا تحديد أصولها لكن الأكثر هو ما لم نحدد أصله، ولاندري إن كان عربي الأصل أم لا. حين ندرك ذلك يتعجب الإنسان من تلك الحساسية لإدخال كلمات جديدة لمفردات اللغة ومحاولة ترجمة تلك الكلمات ترجمات مضحكة لمجرد جعل اللغة نقية من المفردات الأعجمية. وأميل إلى الاتفاق مع القائلين إن درهم ودينار واستبرق وجهنم غربية أخذتها اللغات الأخرى ثم عادت إلى العربية مع الهجرات والتبادل واستغربها الناس لكونهم لم يألفوا سماعها. ولقرون عدة ولنقل منذ بدء الفتوحات العربية والإسلامية، لم يكن العالم العربي أبداً منطقة منغلقة على نفسها، بل كان هناك دائماً اختلاط وتفاعل اجتماعي وثقافي كبير بين الشعوب العربية والأجنبية، الروم الحبشة الفرس لكن الأمر اتخذ شكلاً مختلفاً خلال القرن التاسع عشر، وعلى مدار القرن العشرين، حيث تعرضت الكثير من الدول العربية للاحتلال لعشرات السنين من دول أوروبية على رأسها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ونتج عن ذلك تعايش واختلاط كبير بين أهالي دول الاحتلال والعرب أصحاب البلاد المحتلة، ووُجدت جالية أجنبية كبيرة في كل بلد عربي، امتزجت معيشتهم مع أهل المنطقة ما ساعد على دخول الكثير من الكلمات الأجنبية في اللغة العربية الدارجة، ومع الوقت لم يعد الناس يدركون حتى في كثير من الأحيان أنها ليست عربية الأصل. كذلك الأمر بالنسبة للتقدم العلمي والمخترعات الحديثة التي نستخدمها جميعاً في عصرنا الحالي، والتي جاءت إلينا بأسمائها الأجنبية من دولها الأصلية. والفصيحة حماها كتاب الله ونحن بها بنو رحِم..
مشاركة :