أكد محللون غربيون أن مواصلة تركيا تدخلاتها السافرة في ليبيا بما يُذكي الحرب الأهلية الدائرة هناك، تفاقم التناقضات العميقة بينها وبين بقية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وذلك في ظل مساعي نظام رجب طيب أردوغان لتحقيق أهدافه على الساحة الإقليمية، دون اكتراث بالمصالح المشتركة للحلف الذي تأسس عام 1949، وانضمت له أنقرة بعد ثلاث سنوات فحسب من تدشينه. وشدد المحللون على أن الخلافات القائمة حاليا بين نظام أردوغان ودول «الناتو» الأخرى، تؤكد أنه «لم يعد هناك مكان لتركيا في الحلف»، خاصة أن الأزمات التي تتسبب فيها سياسات هذا البلد، تؤدي إلى «تمزق الناتو، وتكشف عن المصالح المتعارضة تماما بين أنقرة وبقية دوله» في ضوء أنها لا تقتصر على ملف الحرب الأهلية الليبية، وإنما تتجاوز ذلك إلى العديد من القضايا الأخرى، من قبيل الوضع في سوريا، والعلاقات مع القوى الكبرى على الساحة الدولية وعلى رأسها روسيا. وفي تصريحات نشرها موقع مركز «يونايتد وورلد إنترناشيونال» للدراسات والأبحاث، أشار المحللون إلى أن النظام التركي دأب خلال السنوات القليلة الماضية، على استغلال عضويته في «الناتو»، للسعي لتحقيق أقصى مكاسب ممكنة، لا سيما في دول الجوار مثل سوريا والعراق. وفي هذا الإطار، حاول نظام أردوغان، دون جدوى، إقناع الأعضاء الآخرين في حلف الأطلسي، باعتبار أن المسلحين الأكراد السوريين الذين أسهموا في دحر تنظيم «داعش» الإرهابي، ينتمون بدورهم إلى «تنظيم إرهابي»، بزعم أن هؤلاء المقاتلين يشكلون امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الناشط في جنوب شرقي تركيا. وضرب التقرير الذي نشره موقع «يونايتد وورلد إنترناشيونال»، أمثلة على احتدام الخلافات المرتبطة بالملف الليبي بين أنقرة وحلفائها المفترضين في «الناتو»، من قبيل ما حدث في وقت سابق من الشهر الجاري، من رفض سفن تركية الخضوع لتفتيش فرقاطة فرنسية تنضوي تحت لواء مهمة تستهدف فرض الحظر المُطبق من جانب الأمم المتحدة، على إمداد الأطراف المتصارعة في ليبيا بالأسلحة. وأشار التقرير إلى إقدام زورق تركي في غمار هذه الواقعة على إصدار «ومضات لإشعاعات رادار» تجاه القطعة البحرية الفرنسية، وهو ما اعتبرته الدوائر الرسمية في باريس «عملاً عدوانياً للغاية لا يمكن أن يصدر من دولة حليفة تجاه سفينة تابعة لحلف الأطلسي». وخلص المحللون للقول إن تركيا بنظامها الحالي وسياساتها «الشعبوية» الراهنة، باتت تمثل «مشكلة» لا يُستهان بها بالنسبة لكل القوى الرئيسة في «الناتو». في السياق ذاته، حذر المحلل السياسي الأميركي المخضرم ديفيد لابيسكا، من أن نظام أردوغان، يتبنى حالياً استراتيجية تقوم على بلورة شبكة من التحالفات مع أحزاب صغيرة ومغمورة في أوروبا، للدفاع عن توجهاته المثيرة للجدل، وذلك بالاستعانة بالأتراك المقيمين في دول القارة. وأشار لابيسكا إلى أن وتيرة هذه التحركات تزيد في دول مثل السويد وهولندا، مؤكداً أن الرئيس التركي نفسه أقر ضمنيا بها، من خلال مقابلة أجراها مع محطة تليفزيون ألبانية عام 2017، وزعم فيها أنه لا حرج في دعم أنقرة لـ «الأحزاب والمجموعات السياسية الأوروبية التي تتقارب رؤاها مع سياسات حزب العدالة والتنمية» الذي يقوده. وقال المحلل الأميركي، إن النظام التركي يستعين في خطته هذه، بالمراكز الدينية المرتبطة بجماعة «الإخوان» الإرهابية في أوروبا، مشيراً إلى أن أنقرة تستغل في هذا الصدد، اهتمام الحكومات في غرب القارة، بتمويل المبادرات والمنظمات، التي تتظاهر بأنها معنية بقضايا المجتمع المدني، وهو ما تفعله المؤسسات ذات «الصبغة الإخوانية» في بعض الدول الأوروبية. ونقل لابيسكا عن لورينزو فيدينو مدير البرنامج المعني بمواجهة التطرف في جامعة جورج واشنطن الأميركية تأكيده على أن «تركيا تمثل الآن الداعم الرئيس للإخوان في أوروبا بأسرها».
مشاركة :