حذر محللون غربيون من أن السياسات الخارجية العدوانية التي ينتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خاصة في ليبيا وسوريا، تهدد الغرب والتكتلات السياسية والعسكرية الرئيسة فيه، ولاسيما الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، وهو ما يوجب على القوى الغربية اتخاذ موقف موحد حيال الأطماع المتزايدة لأنقرة على الساحة الإقليمية. وأشار المحللون إلى أن الاستراتيجية التوسعية لأردوغان، في دول مثل ليبيا وسوريا والعراق، تثير الخلافات داخل «الناتو»، وذلك في ظل المعارضة الشديدة التي تلقاها التدخلات العسكرية التركية في هذه الدول، والرفض الغربي للدعم السافر الذي تقدمه أنقرة للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة الناشطة على الجبهتين السورية والليبية. وفي تصريحات نشرتها صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، قال المحللون الغربيون، إن المغامرات العسكرية الخارجية للنظام التركي، أدت إلى أن تعاني علاقاته مع باقي الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي من «اضطرابات واسعة النطاق» خلال السنوات الأخيرة. وأشاروا إلى أن قادة أبرز دول الحلف يعتبرون مغامرات أردوغان في ليبيا وسوريا «أحادية، وتنطوي على محاولات لاستعراض العضلات»، وهو ما تجسد في المواجهة التي شهدها البحر المتوسط مؤخراً، بين سفن حربية تركية يُعتقد أنها كانت تنقل أسلحة للإرهابيين في ليبيا، وقطع بحرية يونانية وفرنسية، مشاركة في مهام تستهدف فرض الحظر الأممي على تسليح الأطراف المتصارعة في هذا البلد. ويقول مسؤولون فرنسيون، إن زورقاً تركياً أصدر خلال تلك المواجهة «ومضات لإشعاعات رادار» تجاه القطعة البحرية الفرنسية، وهو ما اعتبرته الدوائر الرسمية في باريس «عملاً عدوانياً للغاية، لا يمكن أن يصدر من دولة حليفة تجاه سفينة تابعة لحلف الأطلسي»، ما حدا بفرنسا لتعليق مشاركتها في العملية برمتها. وفي السياق ذاته، قال خبراء استراتيجيون غربيون لصحيفة «بوليتيكو» الأميركية إن التحركات التركية المتهورة في الشرق الأوسط خاصة في ليبيا، جعلت «الناتو» كله بصدد مواجهة «عاصفة هوجاء» تهدده بالتفكك، بعد أن أفضت سياسات أنقرة المزعزعة للاستقرار، إلى نشوب ما يشبه «اقتتالاً داخلياً» بين الأعضاء، وذلك في إشارة إلى المواجهة البحرية الأخيرة في البحر المتوسط مع فرنسا واليونان. وأشاروا إلى أن ما يجري على هذا الصعيد «يثير مخاوف الاتحاد الأوروبي كذلك، في ضوء أنه يؤكد خطورة سياسة نظام أردوغان في ليبيا من جهة، وإمعانه عن التنقيب عن النفط والغاز بشكل غير قانوني قبالة السواحل القبرصية واليونانية من جهة أخرى، إلى حد دفع أثينا للتلويح بعمل عسكري رداً على هذه الأنشطة». ويؤكد هذه التطورات أن استراتيجية «الوطن الأزرق» التي يتبناها أردوغان للتوسع الإقليمي، تمثل خطراً على المصالح الأمنية والاقتصادية لأوروبا بصفة خاصة، والغرب بوجه عام. وأوضح الخبراء الغربيون، الذين تحدثوا لـ«بوليتيكو»، أن التحديات التي تفرضها هذه الاستراتيجية، لم تعد تشكل مصدر إزعاج للأوروبيين وحدهم، فالولايات المتحدة، تشعر كذلك بالقلق حيال التوسع العسكري التركي في الشمال السوري، والحرب التي يشنها النظام الحاكم في أنقرة هناك ضد المسلحين الأكراد السوريين، الذين شاركوا بفعالية في الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية. كما تشمل أسباب الانزعاج الأميركي كذلك «المغازلة التركية» المستمرة لروسيا، والتي تجسدت في الصفقة المثيرة للجدل التي حصلت أنقرة بموجبها على صواريخ (إس - 400) المتطورة للدفاع الجوي، رغم ما يشكله ذلك من مخاطر على أمن «الناتو» وقدرة المقاتلات الأميركية من طراز (إف - 35) على القيام بمهامها في أجواء تركيا، انطلاقاً من قاعدة (أنجرليك) الجوية.
مشاركة :