ما أجمل البوح بالكلمات للتعبير عن الذات، والحديث والكلام طريقة رائعة للتنفيس عن المكتوم داخل الإنسان بما يضم من مشاعر متناقضة ومتلاطمة ومتباينة. في التاريخ والجذور الثقافية، قيل إن شهرة النساء بالثرثرة تعود إلى القرون الوسطى حين كان الرجال يخرجون إلى العمل وتبقى النساء لوحدهن، ما يدفعهن لملء الفراغ عن طريق الثرثرة. وفي هذا برأيي إجحاف بعيد عن الواقع حتى على مستوى بعض الدراسات العلمية، كدراسة لباحثين جامعيين في جامعة هارفارد أن المرأة تتحدث 20 ألف كلمة يوميا تتقلص إلى سبعة آلاف فقط لدى الرجال! برأيي الشخصي أن «الثرثرة» طبع لا دخل له بجنس الإنسان، والوقائع تشهد أن الرجل أكثر ثرثرة، فعلى مستوى مواقع التواصل الاجتماعي نرى أغلب الثرثرة تظهر بأسماء رجالية، أما على المستوى المرئي بالعين المجردة فالرجل لا يستغني عن تجمعات الاستراحات اليومية أو المقاهي وهذه التجمعات -غالباً- بهدف الثرثرة، التي لا طائل منها أحيانا فربما كلمة أفضل من قاموس للكلمات وفواتير الهواتف الباهظة تبرهن جدياً أن سكوت الذهب أبرك من فضة الثرثرة. وبرغم الجذور الثقافية التي تتهم المرأة بالثرثرة، وحتى بعض الدراسات العلمية التي أرى عدم منطقيتها، إلا أن هناك دراسة أمريكية أجراها الباحثون بجامعة كاليفورنيا ردت الاعتبار للمرأة عندما أكدت أن الرجال والنساء يثرثرون بنفس القدر بمعدل 52 دقيقة يومياً! بلا شك هناك أنواع ثرثرة مفيدة عندما تتكلم في أمور الطهو وتربية الأطفال وثرثرة سلبية كالغيبة والنميمة وخراب البيوت، وكلها أحاديث ربما ترفه عن الإنسان ولكنها عندما تسرد بانفعال ولفترات طويلة، فإن لها مردوداً صحياً فيه كثير من المشاعر السلبية التي تسيطر على الثرثارة، كما أنها قد ترفع ضغط الدم ولأمراض عضوية عديدة. وأضيف أن هناك أشياء أخرى تُغني عن الثرثرة مثل الاستغراق في العمل خارج البيت وداخله وممارسة الرياضة واستغلال الأفكار في كتابة القصص والمذكرات حتى لو لم تنشر، أو القراءة أو متابعة فلم سينمائي أو مسلسل، ومن يتعود على تقنين الثرثرة سوف يشعر بقيمة الكلمة التي يقولها، فمن زاد هرجه كثر لغطه!
مشاركة :