إسرائيل والعرب أمام امتحان العقل بعد رسالة العتيبة | الحبيب الأسود | صحيفة العرب

  • 6/16/2020
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

بينما تستعد إسرائيل وقادتها للبدء في تنفيذ خطة الضم في الضفة الغربية، تجد نفسها اليوم مثلها مثل الدول العربية في امتحان عسير عنوانه العقل. تطور جديد ترجمته رسالة سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة التي أعلن فيها صراحة رفض بلاده القاطع لخطة الضم. في كل هذا يوجد هدف إماراتي واضح مفاده أنه بات على إسرائيل إن واصلت سياسة التعنت عدم التعويل على أي خطوات عربية للتطبيع معها. تونس - في السياسة وخاصة في القضايا المصيرية لا تفيد المواربة بقدر الوضوح المطلوب الذي لا يزال الجانب الأكبر من العرب يتنصل منه للأسف، وهذه القضية تثيرها مؤخرا رسالة سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة في مقاله المنشور على صفحات “يديعوت أحرونوت” والتي أعلن فيها صراحة رفض بلاده القاطع لخطة الضم. في عام 1965 سافر الرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة إلى القاهرة واجتمع بالرئيس جمال عبدالناصر ليعلمه بأنه سيتجه إلى فلسطين، وسيطلب من شعبها القبول بقرار التقسيم، فوافقه عبدالناصر بقوة، لكن ردود الفعل العربية المتشنجة على دعوة بورقيبة، جعلت الزعيم المصري يتراجع عن موقفه، خشية أن يخسر الرأي العام الذي كان يرى فيه الفارس الذي سيحرر كامل الأراضي الفلسطينية من البحر إلى النهر. كانت النتيجة أن حتى الأراضي التي زارها بورقيبة في مارس 1965 احتلتها إسرائيل في يونيو 1967، وعوض الحديث عن إقامة دولتين وفق قرار التقسيم رقم 181 للعام 1947، أصبح الطموح العربي الحصول على جزء من الأراضي المحتلة عام 1967. تواريخ حاضرة بقوة الرئيس المصري الراحل أنور السادات وقع على اتفاقية كامب ديفيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في 17 سبتمبر 1978 إثر 12 يومًا من المفاوضات السرية برعاية الرئيس جيمي كارتر وشملت إطار السلام في الشرق الأوسط الذي يتناول الأراضي الفلسطينية. لقد نقل أحمد أبوالغيط الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية في مذكراته عن المفاوضات لحفظ حقوق الفلسطينيين خلال الإعداد للاتفاقية عن الدكتور أسامة الباز أن مصر كانت تستهدف إشراك الفلسطينيين في المفاوضات مع إسرائيل، كما أنها كانت مصممة على ضرورة أن يكون مفهوم التسوية واضحاً منذ البداية ومع بدء المرحلة الانتقالية ومدتها أيضاً طبقاً لرؤية مصر 5 أعوام، لتنتهي بإنشاء دولة فلسطينية يكون لها ارتباط ما متفق عليه مع الأردن مع التأكيد على حسن علاقات الجوار بين الدولتين. رغم أن الإمارات أبدت مرارا دعماً دؤوبا للسلام في الشرق الأوسط للحد من الصراع، فإن خطة الضم بالنسبة إليها خط أحمر وأكد الجانب المصري آنذاك على ضرورة سيطرة الفلسطينيين أو الدول العربية على القدس الشرقية لتبقى المدينة موحدة وتدار من خلال مجلس أعلى طبقاً لمقترحات وتفكير السادات فى الموضوع. وكانت النتيجة أن تم تخوين السادات وقاطعه العرب ورأى فيه الفلسطينيون عدوا لقضيتهم، وضاعت فرصة أخرى لحل القضية وفق معطيات تلك المرحلة، بينما استطاع المصريون استعادة كل أراضيهم المحتلة في العام 1967. أدى سقوط الاتحاد السوفياتي وتشكل عالم القطب الواحد، وتشتت الموقف العربي نتيجة حرب الخليج الثانية، إلى تحول جديد في المعادلة، دفع بالفلسطينيين إلى توقيع معاهدة أوسلو، المعروفة رسميا باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي في 13 سبتمبر 1993، والتي تتضمن القطع مع الكفاح المسلح، واعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل على 78 في المئة من أراضي فلسطين التاريخية أي كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة. اعتمدت إسرائيل على سياسة الأمر الواقع في التخلي عن التزاماتها الدولية، وبقيت القضية الفلسطينية محل تأجيل النظر، وشجع ضعف الموقف العربي وانقسام الصف الفلسطيني الحكومات الإسرائيلية المتلاحقة على نسف الاتفاقيات السابقة، والاتجاه إلى قضم المزيد من الأراضي التي كان من المفترض أن تقام عليها دولة فلسطين في الضفة الغربية، بينما صنعت حركة حماس لنفسها دويلة منفصلة بدكتاتورية إخوانية مدعومة من قوى إقليمية وجدت في القضية أداة للمساومة حول أهدافها القومية والعقائدية وطموحاتها التوسعية على حساب المنطقة العربية. انقسام عربي Thumbnail خلال عقدين من الزمن، شهدت المنطقة العربية زلازل سياسية أدت إلى تحييد دور أغلب دولها الكبرى والمؤثرة، وتحولت القضية الفلسطينية إلى مرتبة ثانوية في ظل اتساع دائرة الصراع الذي تديره قوى إقليمية ذات أطماع معلنة في المنطقة وبخاصة تركيا وإيران، وانشغلت الشعوب بالتجاذبات السياسية والأيديولوجية وبأزماتها الاجتماعية والاقتصادية نتيجة إفرازات ما سمي بثورات الربيع العربي التي كان من بين أهدافها تعميم الفوضى الخلاقة والمزيد من تعويم القضية الفلسطينية مقابل ترجيح كفة الإسلام السياسي في الوصول إلى الحكم. استغل الإسرائيليون ذلك في التخطيط لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك أجزاء مهمة من الضفة الغربية المحتلة، بينها غور الأردن، بهدف تشكيل أرخبيل من جزر منفصلة مقسّمة، تحيطها إسرائيل بشكل كامل، وغير متصلة مع العالم الخارجي، وهو ما يعني القضاء على حكم إقامة الدولة الفلسطينية، خصوصا وأن المساحة المزمع ضمها تصل الى 30 في المئة من الضفة الغربية. لم يعد أمام العرب، وخاصة محور الاعتدال، إلا العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، مستغلا اندفاع إسرائيل لتطبيع علاقاتها معه. هذا الطرح تحدث عنه سفير دولة الإمارات بالولايات المتحدة يوسف العتيبة في مقاله المنشور على صفحات ” يديعوت أحرونوت ” والموجه بالأساس للنخبة السياسية والرأي العام الإسرائيليين عندما قال “حتى وقت قريب، تحدث القادة الإسرائيليون بحماس عن تطبيع العلاقات مع الإمارات والدول العربية الأخرى”. وأضاف العتيبة “لكن هذا الحديث يتعارض مع خطة الضم الإسرائيلية إذ أن إعلان الضم يشكل استيلاء غير قانوني على الأراضي الفلسطينية. إنه يتحدى الإجماع العربي -بل والدولي– في ما يتعلق بحق الفلسطينيين في تقرير المصير”. وتابع “الضم سيشعل العنف ويوقظ المتطرفين. وسيؤثر ذلك في المقام الأول على الأردن، وهو نفس الأردن الذي يُعتبر استقراره مهما للمنطقة بأكملها ويفيد إسرائيل بشكل خاص”. توقف السفير الإماراتي العتيبة عند مخاطر استفزاز الأردن له ما يبرره، لاسيما بعدما أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أنه إذا ضمت إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية فإن ذلك سيؤدي إلى صدام كبير مع بلاده، مشددا على أن الأردن يدرس جميع الخيارات إذا جرى الضم، وهي خيارات يرى المراقبون أن على رأسها اتفاقية السلام بين البلدين الموقعة في أكتوبر 1994. يبدو السفير الإماراتي واضحا في شرح مفردات موقف بلاده، حيث لسنوات أبدت الإمارات العربية المتحدة دعماً دؤوبًا للسلام في الشرق الأوسط. وشجعت على المشاركة في الحد من الصراع، وساعدت على خلق الحوافز -الجزرة بدلاً من العصا- وركزت اهتمامها على الأشياء التي يمكن أن تفيد جميع الأطراف وعارضت باستمرار وبشكل نشط العنف من جميع الأطراف، حيث صنفت حزب الله كمنظمة إرهابية، وشجبت تحريض حماس وأدانت بالمقابل الاستفزازات الإسرائيلية، وطوال هذا الوقت ظلت مؤيدة وبحماس للشعب الفلسطيني وداعمة لمبادرة السلام العربية منذ فترة طويلة. مخاطر الضم يوسف العتيبة السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يعلن في رسالة واضحة رفض بلاده لخطة الضم التي تتعارض مع أي تقارب مع إسرائيل يوسف العتيبة السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يعلن في رسالة واضحة رفض بلاده لخطة الضم التي تتعارض مع أي تقارب مع إسرائيل ليس للإمارات مصلحة في الدفع نحو المزيد من تأزيم الموقف، ولا في ركوب القضية بشعارات تحريضية أو لأهداف عقائدية كما تفعل دول أخرى، وهي لا تعمل على إدامة الأزمة لتجعل منها حصان طروادة الذي تخدم به مشاريعها، وإنما تنطلق من سياسة واقعية تقرأ جيدا الأوضاع المحيطة، وتنطلق من فهم أسباب انكسارات الماضي لتلافيها في تحديد مسارات المستقبل وفق توازنات لا يمكن تجاهلها. يقول العتيبة في هذا الصدد “أجرينا دبلوماسية هادئة وأرسلنا رسائل عامة للغاية لتغيير الديناميكيات والترويج لما هو ممكن وكنت واحداً من ثلاثة سفراء عرب في الغرفة الشرقية في البيت الأبيض عندما كشف الرئيس ترامب عن خطته للسلام في يناير”. ويضيف “لقد عملت أيضًا بشكل وثيق مع إدارة أوباما، بما في ذلك خطة بناء الثقة التي ستوفر فوائد كبيرة لإسرائيل -في شكل علاقات محسنة مع الدول العربية- مقابل قدر أكبر من الحكم الذاتي والاستثمار في فلسطين”. ويتابع “لكن الضم سيتحول بالتأكيد، وعلى الفور، إلى نسف جميع التطلعات الإسرائيلية لتحسين الأمن والاقتصاد والثقافة مع العالم العربي والإمارات العربية المتحدة”. وهو ما يعني وفق مقال العتيبة أن لا دولة الإمارات، ولا غيرها من دول محور الاعتدال، مستعدة للدفع نحو فتح جسور التواصل مع الإسرائيليين إلا بقدر ما تبديه تل أبيب من مرونة في تفهم الواقع على حيثياته ودون الدفع نحو المزيد من التوسع على حساب الحق الفلسطيني. تتبنى الإمارات مشروع السلام والتسامح والقبول بالآخر، وتؤكد في كل مرة قدرتها على تجاوز الحواجز النفسية والثقافية، وهي لا تتردد في الإعلان عن استعدادها لتكريس مفاهيم جديدة للعلاقات البينية في المنطقة لكن دون الوقوع في دائرة الابتزاز، أو الصمت عن الحق. لقد كانت للإمارات خطوات عدّدها السفير العتيبة قصد تحويل السلام بمنطقة الشرق الأوسط إلى واقع ملموس يستفيد منه الجميع وخاصة الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن بحسب العتيبة “الحياة الطبيعية ليست ضما وإنما الضم هو استفزاز مختلف بحجم مختلف ما يجعل الحديث عن التطبيع في مثل هذه الحالة يخلق أملاً زائفاً لعلاقات أفضل مع العالم العربي”. ويؤكد العتيبة “في الإمارات العربية المتحدة وفي معظم أنحاء العالم العربي، نود أن نعتقد أن إسرائيل فرصة وليست عدواً. نحن نواجه الكثير من المخاطر المشتركة ونرى الإمكانات الهائلة للاتصالات الأكثر سخونة. قرار إسرائيل بالضم سيكون علامة لا لبس فيها على ما إذا كانت تنظر إلى الأشياء بنفس الطريقة”. أهم ما يمكن استنتاجه من مقال السفير الإماراتي، أن على إسرائيل ألا تعول كثيرا على أية خطوات إماراتية أو عربية نحوها، وإنما عليها أولا أن تدرك أن الإمعان في سياسات الضم للأراضي الفلسطينية قد يزيد من عزلتها، وقد يؤدي إلى واقع غير مريح لجميع الأطراف، وقد يعصف بكل خطوات التقارب معها، وهو ما لن تستفيد منه إلا القوى المتشددة التي تعيش على استمرار الأزمات لا على حلها. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :