يترقب البريطانيون إعلان رئيس الوزراء بوريس جونسون اليوم الثلاثاء تفاصيل خطته لتحفيز الاقتصاد وإبعاده تدريجيا من منطقة الخطر بعد أن تضرر بسبب قيود الإغلاق التي فرضتها الحكومة لأسابيع خشية انتشار وباء كورونا، في الوقت الذي تكافح فيه البلاد من أجل إتمام البريكست بعد أشهر من الآن. لندن - يقدم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الثلاثاء تفاصيل خطة شاملة وصفت بـ”الطموحة” يراهن عليها من أجل تحريك دواليب الاقتصاد المتعثر بعد أسابيع من الإغلاق بسبب المخاوف من انتشار مرض كورونا. وتتزامن الخطوة مع اقتراب فتح الاقتصاد بشكل كامل، وسط تحديات كثيرة من أبرزها احتمال ظهور موجة ثانية للوباء والتنازلات التي سيتم طرحها لاستكمال خطوات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وأدت إجراءات العزل المشدد طوال شهر أبريل الماضي إلى انهيار إجمالي الناتج الداخلي البريطاني بنسبة 20.4 في المئة وهو رقم قياسي بعد تراجعه بنسبة 5.8 في المئة في مارس. ويستوحي جونسون من الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت الذي طبق “الاتفاق الجديد” في ثلاثينات القرن الماضي خطته لإنعاش الأنشطة التجارية والاستثمارية وغيرها. وعلى الأرجح ستكون الخطة بمليارات الجنيهات وسيتم إنفاقها خلال السنوات القليلة المقبلة، لكن الأمر الذي يستدعي الانتباه في هذه الأوقات العصيبة هو كيف ستتمكن الحكومة من جمع التمويلات اللازمة لتنفيذ أجندتها الاقتصادية. وقبل يوم من إعلان الخطة، قال جونسون لإذاعة تايمز “أعتقد أن الأوان قد حان لتطبيق مقاربة روزفلت في بريطانيا”، في إشارة إلى سياسة النهوض من خلال الطلب وتدخل الدولة بعد الكساد الكبير. وأضاف “ما سنفعله خلال الأشهر المقبلة هو مضاعفة برنامجنا الأصلي، الذي كان يركز على الاستثمارات لصالح البنى التحتية والتعليم والتكنولوجيا لتوحيد البلاد”. وترتكز الخطة بالأساس على الاستثمارات في البنية التحتية وخاصة بناء المدارس، حيث ستضخ الحكومة نحو مليار جنيه إسترليني لبناء مشاريع جديدة. وأشارت الحكومة إلى أن الإنفاق على 50 مشروعا على مدار العامين المقبلين سيبدأ برنامجا “تحويليا” مدته عشر سنوات للنهوض بمباني المدارس. ومن المتوقع أن يدعم هذا النشاط سريع المسار بصورة أكبر الخطط الحكومية لحماية الوظائف والدخول وتعزيز تعافي اقتصاد البلاد من تداعيات الجائحة رغم أن هناك شكوكا حول مدى نجاح هذه الخطوات في الوقت الراهن. وقال جونسون “لقد حان الوقت لاتخاذ تلك القرارات طويلة المدى لصالح البلاد، وبصراحة، هناك أشياء نحتاج إلى القيام بها الآن… وكان ينبغي القيام بها منذ عقود ماضية”. وأضاف “لقد حان الوقت لمنح بلادنا المهارات والبنية التحتية والاستثمار طويل الأجل الذي نحتاج إليه”. واستطرد “ما سنتحدث عنه غدا هو جدول أعمال لإعادة بناء هذه الأمة وخلق حالة من الازدهار الاقتصادي الفعلي على المدى الطويل”. وسجل الاقتصاد البريطاني انكماشا نسبته نحو 25 في المئة في أبريل بالمقارنة مع فبراير الماضي. وأوضح المحلل في كابيتال إيكونوميكس أندرو ويشارت أن صدمة كهذه أقوى من تلك التي حدثت خلال الكساد الكبير والأزمة المالية في 2008. ودون مساعدة إضافية من الدولة، قد تبلغ البطالة معدلات غير مسبوقة منذ ثمانينات القرن الماضي، متخطية عتبة 3.3 مليون عاطل عن العمل في 1984 كما نقلت صحيفة ذي أوبزرفر عن تحليل لمكتبة مجلس العموم. وستتم المرحلة المقبلة الكبرى من خلال إجراءات رفع العزل السبت المقبل وهي تتضمن إعادة فتح مطاعم وحانات وصالونات تصفيف الشعر ومتاحف ودور السينما المغلقة منذ نهاية مارس. واستأنفت بعض المتاجر غير الأساسية في إنجلترا نشاطها منتصف يونيو الجاري مع بدء مرحلة جديدة من رفع العزل، وحملت أهمية كبيرة لاقتصاد البلاد المتضرر بشدة من تداعيات الوباء. لكن العديد يحذرون من مخاطر موجة ثانية من الإصابات وبينهم ممثلون عن الأوساط الطبية الذين حذروا من بؤر محلية مرجحة بشكل متزايد وذلك في رسالة مفتوحة نشرت في مجلة بريتيش جورنال أوف ميديسين الأربعاء الماضي. وكانت هيلين ديكنسون الرئيسة التنفيذية لكونسورتيوم قطاع التجزئة البريطاني قد حذرت من أن فتح متاجر السلع غير الضرورية من المستبعد أن ينعش على الفور متاجر التجزئة التي تعرضت لضغوط هائلة خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وتظهر أرقام الكونسورتيوم أن أعداد المتسوقين في مايو الماضي، قلت بنسبة 81.6 في المئة عن الشهر ذاته قبل عام مع استمرار إغلاق معظم المتاجر غير الغذائية نتيجة لإجراءات مكافحة كورونا. في هذه الأثناء، لا تزال البلاد في عملية التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول مرحلة ما بعد بريكست بهدف التوصل إلى اتفاق قبل استحقاق نهاية السنة، وسط مخاوف من أن بريطانيا قد لا تبرم اتفاقا مع بروكسل. ومن بين النقاط الخلافية الأساسية ضمانات المنافسة العادلة في المجال الضريبي والاجتماعي والبيئي، التي يطلبها الاتحاد على خلفية الخشية من صعود اقتصاد غير خاضع لقيود على أبوابه. وبدأ الجانبان الاثنين مفاوضات مكثفة تستمر خمسة أسابيع حول العلاقة بينهما في مرحلة ما بعد بريكست، على أمل تحقيق تقدم وتفادي عدم التوصل إلى اتفاق مع نهاية المرحلة الانتقالية أواخر العام. ومن شأن تكثيف المناقشات للتوصل إلى اتفاق مشترك بين لندن وبروكسل أن يعطي “زخما جديدا” للمفاوضات، بعد أربع جولات عرقلها كورونا ولم يسجل فيها أي تقدم يذكر. واعتبر جونسون أنه يمكن التوصل في يوليو إلى اتفاق مع الأوروبيين. ويرى مسؤول بريطاني أنه “كلما أسرعنا بالتوصل إلى اتفاق، كلما كان ذلك أفضل. لا يوجد أي سبب يمنع من تحديد الخطوط الرئيسية لاتفاق سياسي خلال الصيف”. لكن هذا الاحتمال الطموح رفضه بلباقة الأوروبيون، المنشغلون حاليا بوضع خطة إنعاش اقتصادي لمرحلة ما بعد الوباء، معتبرين أن شهر أكتوبر هو “وقت الحقيقة” الفعلي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأعلن كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه في مداخلة أمام مركز دراسات السياسة الأوروبية أن “هذا هو الوقت الذي يجب أن نكون فيه مستعدين لتقديم مسودة اتفاق إذا أردنا التصديق عليها قبل نهاية العام”.
مشاركة :