لا يزال من غير الواضح ما إذا الحكومة الإسرائيلية تعتزم متابعة خططها لتطبيق السيادة على أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن قبل يوم واحد فقط من الموعد المقرر لتنفيذ خطة الضم في الأول من يوليو. وامتنعت إسرائيل حتى اللحظة عن ضم أجزاء من أراض الضفة الغربية التي سيطرت عليها في حرب عام 1967، بينما عززت وجود الإسرائيليين فيها بشكل كبير خلال العقود الأخيرة الماضية، ووصل عددهم إلى ما يقرب من نصف مليون إسرائيلي. ويرى الفلسطينيون في الضفة الغربية جزءاً رئيسياً لبناء دولتهم المستقبلية. وحين كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته للسلام في الشرق الأوسط في وقت سابق من هذا العام، قابلها الحزب اليميني الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالحماس بالترحاب. وبالنسبة للفلسطينيين والعديد من الأطراف الأخرى في الساحة الدولية، كانت خطة ترامب صفعة على الوجه، وتقضي على حل الدولتين المتفاوض عليه والذي كان يؤمن به الكثيرون. ويبدو في المقابل أن نتنياهو مصمم على المضي قدماً في خطته، متجاهلاً أي انتقاد أو إدانات دولية. وتشمل الخطة على ترك أجزاء كثيرة من أراضي الضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيل، وهو ما يمنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً ممتداً، تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية في بقية أراض المنطقة. ولكن منذ أن وعد نتنياهو ببدء ضم أجزاء من أراضي الضفة الغريبة في الأول من يوليو من هذا العام، حدثت تغييرات كثيرة من شأنها أن تؤجل أو تعدل هذه الخطوة. ويقود رئيس الوزراء الإسرائيلي حكومة ائتلافية حساسة بدرجة معينة من المعارضة ضمن صفوفها، في حين أعرب شريكه حزب أزرق أبيض بقيادة بيني غانتس، عن دعمه لـ "صفقة القرن"، لكن هناك اختلافات في الرأي بشأن توقيت وطريقة تنفيذ الضم. وعلى خلفية التطورات السياسية ظهر مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، حيث تراجعت البلاد أمس الأثنين عن تخفيف إجراءاتها الوقائية مع ارتفاع عدد الإصابات اليومية بالمرض، ما يوحي بأن الحكومة الإسرائيلية تواجه تحديات كبيرة على عدة جبهات منها الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. ويواجه المسؤولون الأمريكيون الذين زاروا القدس في الأيام الأخيرة الماضية مهمة معقدة، من أجل الوساطة بين الخصمين السياسيين اللذين يشتركان في الحكومة، حيث أشارت تقارير إعلامية في إسرائيل إلى أن الأمريكيين يريدون رؤية اتفاق كامل داخل الحكومة قبل إعطاء نتنياهو الضوء الأخضر للمضي قدماً. وبينما أدلى نتنياهو بتصريحات بأنه يريد المضي قدماً في عملية الضم، غرد غانتس أمس الأثنين قائلاً انه "مهما كان لا علاقة له بمحاربة مرض فيروس كورونا، سينتظر إلى ما بعد المرض"، مبينا أنه تم التوقيع على اتفاق تقاسم السلطة بين الحزبين من أجل محاربة المرض بشكل رئيسي وآثاره اللاحقة على البلاد. وبموجب اتفاق تقاسم السلطة، يتمتع كل من نتنياهو وغانتس بحق النقض (فيتو) على القرارات الحكومية الرئيسية. ومع ذلك، يسمح الاتفاق لنتنياهو بعرض اقتراح خطة الضم على مجلس الوزراء اعتبارا من الأول من يوليو، حتى بدون موافقة غانتس. ويحرص نتنياهو على مواصلة عملية الضم قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة، والتي قد تشهد خسارة حليفه ترامب لمقعده في البيت الأبيض، ولكن على الصعيد الآخر كان غانتس أكثر حذراً، حيث دعا إلى تنفيذ الضم بعد التشاور مع الأطراف الدولية الأخرى. ويجد ترامب ونتنياهو نفسيهما في أقلية عند الضغط على الأطراف المختلفة من أجل تطبيق الضم، وقد أعرب كل من الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والعديد من الدول العربية الأخرى عن معارضتهم لتنفيذ الضم. وهدد الاتحاد الأوربي باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، لكنه لم يضع بعد ثمناً للعقاب. ولا يبدو أن نتنياهو غافل عن هذه التهديدات، إلا أنه يبدو مصمماً على المضي قدماً في تنفيذه للضم، لأنه يرى بأن إرثه كأطول رئيس وزراء في إسرائيل على المحك. وقال النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي عيران عتصيون، ان "نتنياهو غير مهتم بالمعارضة، فالاتحاد الأوربي والدول العربية لن ترد بشكل كبير، وهو أيضا لا يولي اهتماما بالمعارضة الإسرائيلية الداخلية". وأضاف عتصيون أن نتنياهو يحتاج إلى تنفيذ خطة الضم من أجل احتياجاته السياسية، معتبرا أن المعارضة "مجرد ضجة". وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو أبلغ أعضاء حزبه الليكود أمس الأثنين بأن تنفيذ عملية الضم ستؤجل بسبب اعتبارات "دبلوماسية وأمنية مختلفة". وتنتظر إسرائيل أيضا قراراً من المحكمة الجنائية الدولية، بشأن التحقيق معها في مزاعم جرائم حرب، والمتوقع أن تصدر في الأيام المقبلة، والتي من الممكن أن تكون عاملاً اتخذه نتنياهو في موعد إعلان خطة الضم. وقال رئيس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية نمرود غورن، انه "لا توجد مفاجآت كبيرة هنا، ولا يوجد شيء لم يتوقعه نتنياهو أو يأخذه في عين الاعتبار". واضاف غورن لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن "نتنياهو سيقوم بتطبيق هذه الخطوة وفقاً لمصالحه السياسية، وعندما يكون أقل عرضة للخطر بالتوقيت ما بين يوليو والانتخابات الأمريكية". وأضاف غورن أن "نتنياهو قد يختار ضماً تدريجياً، يبدأ بالمستوطنات الأكثر توافقاً على إعلان السيادة الإسرائيلية عليها، ومن ثم يستكمل عملية الضم إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية"، مبينا أن "هذا يبقيه مخلصاً لوعوده، بينما يرى استجابة دولية أكثر مرونة". ومن المرجح أن تتأثر الاستجابة الدولية لعملية الضم بمدى حجم الضم لأراض الضفة الغربية، حيث كلما تقلص حجم الضم كانت المعارضة أقل، وبغض النظر عن قرار نتنياهو في ضم جميع الأراضي أو أجزاء منها، فإن العملية ستكون بداية تحول في منطقة الشرق الأوسط. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة افادت أن مسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية حذروا نتنياهو من أن عملية الضم قد تؤدي إلى نهاية السلطة الفلسطينية، التي سيكون لها تأثير كبير في زعزعة الاستقرار في المنطقة. ورأى غورن أنه "لا يمكن السيطرة على هذه الديناميكية"، معتبرا أن "نتنياهو لا يأخذ التحذيرات بعين الاعتبار، ويقود ايديولوجيته ورغبته في تحديد إرثه باعتباره الشخص الذي أنهى حل الدولتين".
مشاركة :