ظل ترامب يطلق صيغة (الفيروس الصيني) في أحاديثه عن جائحة كورونا التي اجتاحت ربيع 2020، وحولت الأمن النفسي والاقتصادي والذاتي للبشرية كلها إلى رعب اجتاح كل شيء بشري، وقد لاحق الصحفيون ترامب بتهمة العنصرية بسبب إصراره على هذا المصطلح الذي لا يقوله أحد سواه، وكان يرد دوما بأن ذلك ليس عنصرية وإنما هو وصف لمصدر انتشار الفيروس، ولو نظرنا للثقافة الغربية لوجدنا صيغاً مماثلة تنسب الجوائح للشرق، ففي شتاء 2018 اجتاحت أوروبا أعاصير ثلجية لم تك من معهود طقسهم، وفي بريطانيا أطلقوا عليه الوحش الشرقي (beast from the east )، وبعده مر صيف شديد الحرارة وكانوا يطلقون عليه اسم (الصيف الهندي)، ولو وضعنا هذه الصيغ مع كلمة ترامب عن الفيروس الصيني لاندرجت هذه كلها في نسق واحد يحيل إلى الصور الذهنية الثاوية في التصور الغربي للشرق ونسبة كل أمر سالب إليه، ومن قبل قال الشاعر الاستعماري كبلينج (الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا). وهذه جملة عنصرية تفصل بين القطبين، وقد قالها كبلينج في وقت كانت الجيوش الاستعمارية تغزو الشرق كله وتستعمره، وهذا لم يك لقاء في عرف الشاعر وإنما هو اجتياح، وصفه في قصيدته الشهيرة (مهمة الرجل الأبيض)، تلك القصيدة التي مجد فيها جيوش الاستعمار وهي تحتل بلدان آسيا، بما أن ذلك عنده يمثل مسؤولية الرجل الأبيض لنشر الثقافة الغربية في الشرق المتخلف، والناقص الذي يحتاج لوصاية من الرجل الأبيض المتحضر، وهذه معان عميقة مغروسة بعمق في وجدان الغربي الأبيض الذي يتعالى على الشرقي ويقلل من مقامه وينسب إليه النقص والعيب، لذا فإن هذه الصيغ التي تتساقط من لغة الغربيين عن الشرق ما هي إلا فيض من المضمر النسقي عن الشرق، وكلما حضر سبب لنسبة الشر للشرق فإن الذاكرة تسعف الواصف بصيغ تستجيب للتصور النسقي.
مشاركة :