طرح ستيفن هوكنج مقولة موت الفلسفة في كتابه (التصميم العظيم)، وهي امتداد لمقولة مبكرة له بأن الفيزياء أخذت أهم أسئلة الفلسفة، وهو سؤال الوجود، ويرى أن الفيزياء أقدر على التعامل مع هذه الأسئلة وطرح أجوبة عملية عليها، وكذلك قال ريتشارد رورتي بمقولة موت الفلسفة وحلول النظرية النقدية محلها، بمهارة أدق، في تحليل وتشريح النصوص، تبعاً لنظريات التحليل الألسني، ومهارات سبر علاقات الدلالة وتنوعاتها، بمنهجية نقدية إجرائية ونظرية. لقد كانت الفلسفة أمّ العلوم، وكان أرسطو يكتب في الطب والفيزياء بمثل ما يكتب عن الشعر والدراما والمجاز والخيال، وكذا علم الحيوان، ثم استقلت علوم الطب والفيزياء وعلم الحيوان وعلم النقد، وتبقى للفلسفة طرح كل ما هو ميتافيزيقي (ما وراء الطبيعة)، غير أن رجلاً مثل هوكنج حاول نزع هذه المهمة أيضاً، وهو ما حدا بهوكنج للإصرار على موت الفلسفة. والعجيب أن القائلين بموت الفلسفة يقولون ذلك بحماس شديد، وكأنهم يعبرون عن خيبة ظنهم بهذا الموروث العلمي الضخم، والتي كانت أماً للعلوم، فأصبحت تنازع لتبقى، ولو أختاً للعلوم، ولا شك أن السبب هو عجز الفلسفة، كما ذكر الغزالي في كلمته المفصلية بأن (ميزة العقل هي في قدرته على كشف عجزه)، وهذه ميزة عظيمة للعقل؛ إذا تمكن من بلوغها، وكل علم يكشف عن عجزه، فإنه يفتح المجال لتطور معرفي من نوع ما، ولا شك أن العلوم في العصور الحديثة دخلت في مجالات لم تك متاحة للسالفين، والتغير الضخم تبعه تغير في سيرة العلم نفسه، وهذا ما يجعل العلوم الحديثة تقفز في نقلاتها النوعية، وتغير مسار الفكر البشري، وتدخل الأسئلة الكبرى في دورة تتجدد دوماً، وتنتج معها نظرياتها ومنهجياتها المتجاوزة لسالفاتها، ويجري التعبير نظرياً عن هذه الحالة عبر الصدمة المتعمدة، فأتت مقولة موت المؤلف لتنتصر لحق النص بالاستقلال عن سلطة قائله، ومثلها جاءت مقولة موت الفلسفة لتحرر علم الفيزياء من سلطة الفيلسوف الذي لا يملك القدرة التي يملكها الفيزيائي، ومع هذا، فإن رجلاً مثل هوكنج كان سيوصف بالفيلسوف التجريبي، لو أنه ظهر زمن شنآن الفلسفة، بمثل ما أن ريتشارد رورتي فيلسوف محسوب على الفلسفة ورائد في فلسفة (البراجماتية الجديدة)، غير أن نشاطه مع مقولات النظرية النقدية جعلته يتمرد على الفلسفة فيكتب شهادة موتها، وتظل هذه الدعوى صعبة التحقق، أو صعبة التقبل من المشتغلين في النظرية النقدية وفي الفلسفة معاً.
مشاركة :