د. عبد الله الغذامي يكتب: القفص الثقافي

  • 2/6/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كلنا نولد في قفص ثقافي، بدءاً من اسم يمنحه لك أهلك، وتقليدياً كانوا يسمون الولد على اسم جده والبنت على اسم جدتها، ويتردد التمني أن يقترب الولد من مقام جده والبنت من مقام جدتها، مع ترديد القول إنهما لن يبلغا تلك المنزلة، مما يعني أن الأبوين يرسمان سلفاً خطاً ذهنياً وسلوكياً للبنين لكي يترسموه، وعبارات، مثل فلان وفلانة نسل الأكارم، وطالع لأبيه وهي طالعة لأمها، وهذا هو القفص الأول الذي ينتظر المولود/‏‏ة، كلما درجنا في المجتمع بدءاً من الحارة، ثم المدرسة، ثم الوظيفة نظل نكتسب مزيداً من الأقفاص المصنعة سلفاً لكي نتمنطق بها ونتخذ سلوكياتها نموذجاً لنا، وتظل صناعة الأقفاص مع تقلبات الأحوال من الدخول في نقابة أو الانضمام لنخبة لتظل البرمجة حسب نوعية القفص الذي نلج فيه، وهذه أنظمة ذهنية نتشابك معها وتظهر على معجمنا اللغوي من حيث استخدام لغة الفئة التي ننسب أنفسنا إليها، فتدخل المفردات وتخرج حسب مقياس التصور الذهني عن كل حال، وهذه تحدث تبعاً للمتوقع منا، وكذلك تبعاً لحرصنا على الظهور بالمظهر الفئوي الذي ارتضيناه لأنفسنا، وسيتجلى ذلك في نوعية اللباس، كما في اللغة وقد يصل لنوعية المشية وفي اختيار السيارة والنظارة والمسبحة، وكل هذه أقفاص ثقافية لا تختلف عن القفص الأول الذي ولدنا فيه، وكل مرحلة من العمر هي حال ميلاد من نوع ما، بمعنى أن كل اندماج مع فئة مهنية أو اجتماعية أو ثقافية هو ميلاد يخص وضع ذلك الاندماج وإن كان الأهل يمنحوننا الأسماء، فحالات الاندماج الفئوي تمنحنا الصفات، ومن ثم مظاهر هذه الصفات ومظهرها الخارجي الذي سيكون إعلاناً عن هوياتنا المكتسبة، ولذا فإن الخارجين على هذه النظم يتحولون إلى غرباء ويوصفون بالغرابة في أي شأن اختلفوا فيه عن غيرهم، وكثيراً ما نرى صور المبدعين والعباقرة تبدو على أشكال كأنها تمثيلية، فقط لأنهم قرروا الخروج عن القفص المخصص لمثلهم وتفردوا بقفص من صنعهم، وهذا ما يجعل الفرد دوماً في حال صراع مع صفات يريد أن يكتسبها لنفسه متفرداً بها، وصفات تريد أن تؤطره حسب أقفاص لا مفر له من الوقوع فيها.

مشاركة :