هل تتحكم مواسم حمل النساء في مستقبل الأبناء | يمينة حمدي | صحيفة العرب

  • 8/24/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

اختيار موسم الحمل والإنجاب ليس خيارا متاحا بأيدي جميع النساء، رغم أن بعض الخبراء يعتبرون أن عامل التخطيط المسبق يتيح للأمهات اتخاذ خيارات صحية وصحيحة، تنعكس مزاياها عليهن وعلى حياة أطفالهن بشكل عام. يساعد التخطيط المسبق والجيد للحمل والفترة اللاحقة له، النساء على إنجاب أطفال أصحاء، وتجنبهن المضاعفات الصحية خلال فترة الحمل والولادة، لكن التأثيرات الأهم تتعلق بمستوى التحصيل التعليمي للأطفال في المدرسة. ومن الأمور الأخرى التي يبدو أنها تتأثر بالموسم الذي تحمل وتنجب فيه المرأة قوة الإبصار لدى الطفل وارتباط تاريخ مولده بالإصابة بالحساسية وانفصام الشخصية والاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب، والتوحد واضطراب نقص الانتباه. وبالرغم أن التخطيط المسبق لعملية الإنجاب قد يكون مستبعدا بالنسبة للنساء والرجال المتزوجين حديثا والذين يتوقون لهذه اللحظة الفارقة في حياتهم، فإن الخبراء ينصحون بضرورة أن تهتم الأسر والأطباء، بل والمجتمع بشكل عام، بمعرفة مزايا الحمل في مواسم معينة والمخاطر التي قد تنجر عن ذلك. وفي معظم الدول، تحدث حالات الحمل سنويا من دون تخطيط مسبق، ولا تفكر الكثير من الأسر في التحديات التي من شأنها أن تؤثر على الإنجاب، ويرتبط جزء من هذا الأمر بالثقافة السائدة في كل مجتمع، وما إذا كانت هذه الثقافة تدفع باتجاه تقبل فكرة التخطيط للإنجاب من الأصل. وفي المجتمعات العربية، تجد قصص الحمل والإنجاب مكانا لها على ألسنة الأقارب والأصدقاء في المناسبات العائلية والحفلات، أما المخاطر الصحية، فلا يتسنى لأحد أن يراها، أو يُنظر إليها على أنها مصدر قلق، وهو ما يمتد إلى تحاشي تخيل ما الذي يمكن أن يمضي على نحو خاطئ، خلال محاولة الإنجاب ومدى الاستعداد نفسيا وبدنيا وماديا للإنجاب. فيتامين دي من الفيتامينات التي تحتاجها الحامل لأنه يساهم في نمو العظام لدى الجنين ويقيه احتمالات الإصابة بمرض هشاشة العظام في وقت لاحق على أي حال، لا يشكل ما سبق رأيا فرديا، بل رؤية تبناها ليونيد غافريلوف من مركز الشيخوخة في جامعة شيكاغو ومفادها أن الأشخاص الذين يولدون في الخريف يعيشون لفترة أطول من غيرهم. وعمل غافريلوف على تأكيد ذلك الاكتشاف من خلال عدة دراسات مختلفة عن المعمرين. واستنتج في بحثه الأخير أن مواليد الخريف يعيشون حتى 100 سنة، وذلك بنسبة تصل إلى 40 في المئة على الأرجح أكثر من غيرهم من مواليد شهر مارس. وقوبلت نتائج غافريلوف في بادئ الأمر بالرفض وسوء الفهم، لكنه رد بالقول “أولئك الذين ليسوا على دراية بأحدث الدراسات العلمية عن هذا الموضوع مترددون لأنهم يربطون ذلك بالتنجيم، ولكن عندما قدمنا نتائج أبحاثنا لمجلات متخصصة في المجال، قوبلت بالترحيب الكبير من الخبراء”. ويتفق سريرام راماغوبالان، من جامعة أكسفورد، مع الرأي بأن هذا المجال يكتسب اهتماما متزايدا. ويشير إلى أن بعض الدراسات السابقة لم تشمل إلا عددا قليلا من المشاركين، مما يعني أنه كان من الصعب التأكد من أن النتائج لم تكن ببساطة سوى مسألة حظ. وقال في هذا الشأن “لم تبحث الدراسات في هذه المسائل بشكل شامل إلا في السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة”. وبحث راماغوبلان في السجلات الصحية لما يقرب من 60 ألف مريض في إنجلترا، وأظهرت أن الأطفال المولودين في فصلي الشتاء والربيع يكونون عادة أكثر عرضة للإصابة بانفصام الشخصية والاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب. مواليد الخريف يعيشون حتى 100 سنة مواليد الخريف يعيشون حتى 100 سنة وكشفت دراسة أخرى أجراها فريق بحثي من جامعة غلاسغو في اسكتلندا عن وجود نمط موسمي في الأطفال الذين يعانون من أمراض التوحد أو حالات تعسر القراءة. ويرجح الخبراء أن هذا الأمر له علاقة بانخفاض مستويات فيتامين دي في أجسام النساء اللاتي يحملن في الفترة ما بين يناير ومارس. ونظرت الدراسة في الرابط بين حالة الصغار وسجلات الحمل الخاصة بالأمهات، وتبين أن الأمهات اللاتي حملن في الشتاء كان أطفالهن أكثر عرضة للإصابة بصعوبات التعلم، مقارنة بالأطفال الذين حدث الحمل بهم في الصيف. وتشير الإحصائيات إلى أن 8.9 في المئة من الأطفال الذين حدث الحمل بهم في الربع الأول من العام يصابون بصعوبات في التعلم، مقابل 7.6 في المئة ممن حدث الحمل بهم بين شهري يوليو وسبتمبر. وبحسب البروفيسور جيل بيل مدير معهد الصحة والرفاهية في جامعة غلاسغو، فإن فريق الدراسة “لم يتمكن من قياس مستويات فيتامين دي في هؤلاء الأطفال، لكنه تفسير منطقي، بالنظر إلى أن فيتامين دي أساسي لتطور المخ بشكل صحي في الأطفال، وأن الأسابيع الأولى من الحمل شديدة الأهمية لتطور المخ”. وأثبتت تجارب أجريت على حيوانات تعاني أجسامها من نقص فيتامين دي، أن صغارها أصيبت بمشكلات في المخ، ويمكن تجنب هذه المشكلات عند إعطائها جرعات فيتامين دي. 8.9 في المئة من الأطفال الذين حدث الحمل بهم في الربع الأول من العام يصابون بصعوبات في التعلم، مقابل 7.6 في المئة ممن حدث الحمل بهم بين شهري يوليو وسبتمبر وقال الباحثون إن الدراسة على الحيوانات تعزز من احتمال كون النساء الحوامل أكثر تأثرا بانخفاض مستويات فيتامين دي، وأنهن يجب أن يبدأن بتناول المكملات الغذائية قبل الحمل. كما افترض بعض الخبراء أن تكون بعض حالات الإصابة بالشيزوفرانيا أو انفصام الشخصية راجعة لنقص كمية الشمس التي تتعرض لها الأم الحامل أثناء فترة حملها في فصل الشتاء. فالأطفال الذين يولدون بين شهري فبراير وأبريل أكثر عرضة للإصابة بانفصام الشخصية مقارنة بغيرهم ممن يولدون في أوقات مختلفة من العام بنسبة عشرة في المئة. ولا يوجد سبب واحد لهذا المرض. فهناك العديد من العوامل الجينية والبيئية التي يمكن أن تكون سببا في المرض، لكن حتى الآن لم يعرف العلماء كيف تتسبب تلك العوامل في الإصابة بالانفصام. ويرجح الخبراء أن الأمهات اللواتي يصبن بعدوى مثل الإنفلونزا أثناء حملهن في الفترة التي يتشكل فيها مخ الجنين يكن أكثر عرضة لإنجاب أطفال يعانون من الانفصام. لكن جون ماكجارث الطبيب النفسي بمركز كوينزلاند لأبحاث مرض انفصام الشخصية في بريزبان بأستراليا يفترض أن السبب الرئيسي ربما يكون نقص الأشعة تحت البنفسجية. وجاء في مجلة “نيو ساينتست” التي نشرت الأبحاث التي أجراها الدكتور ماكجراث أن موسم الولادة له علاقة بالإصابة بالمرض بأكثر من العوامل الأخرى ومن بينها العوامل الجينية. ضرورة الاستعداد النفسي والجسدي والمادي ضرورة الاستعداد النفسي والجسدي والمادي وقال ماكجراث إن فيتامين دي يقل في الشتاء، وفي المدن ولدى أصحاب البشرة الداكنة الذين يهاجرون إلى الدول الشمالية (شمال أوروبا وشمال المحيط الأطلسي) وهؤلاء جميعا تزيد عندهم احتمالات إنجاب أطفال مصابين بانفصام الشخصية. ولا يعرف الدور الذي يلعبه فيتامين دي في نمو المخ على الرغم من أن بعض التجارب تفترض أنه ربما يكون ضروريا لنمو المخ والأنسجة، كما أنه يساهم في التحكم في كميات الكالسيوم والفوسفات في الجسد، وهو من الفيتامينات التي تحتاجها الحامل، لأنه يساهم في نمو العظام لدى الجنين ويقيه احتمالات الإصابة بمرض هشاشة العظام في وقت لاحق. وعادة ما يتكون فيتامين دي عندما يتعرض الجلد لأشعة الشمس، لذلك تحصل الحامل على كمية جيدة من الفيتامين في الربيع والصيف، لكن في فصلي الخريف والشتاء، عندما تقل أشعة الشمس، يفرز الجسم نسبا أقل من الفيتامين مقارنة بالفصول الأخرى. وتسود الكثير من التفسيرات عن الاختلافات الموسمية للحمل ومنها ما توصل إليه باحثون نرويجيون في دراسة شملت 1.8 مليون حالة ولادة في الفترة بين 1967 و1998 حول حالة تسمم الحمل، وهي حالة يرتفع فيها ضغط الدم إلى درجة تهدد الأم والجنين. ووجد الباحثون أن الأمهات اللاتي يضعن مواليدهن في أغسطس تنخفض بينهن نسبة الإصابة بتسمم الحمل. وفي الوقت نفسه ترتفع نسبة تعرض السيدات لتلك الحالة بين هؤلاء اللاتي يضعن مواليدهن في الشتاء، وبالأخص في ديسمبر، إذ ترتفع النسبة بين 20 في المئة و30 في المئة. وقد نشر البحث في المجلة البريطانية لأمراض النساء والتوليد. ويأمل الباحثون أن توفر تلك النتائج معلومات حول سبب تلك الحالة، التي لا تزال غير مفهومة بالنسبة للعلماء. موسم الولادة له علاقة بالإصابة بالمرض موسم الولادة له علاقة بالإصابة بالمرض وكانت دراسات سابقة قد ربطت المرض أيضا بالتغيرات الموسمية. وفي غانا، تحدث حالات أكثر من تسمم الحمل في موسم الأمطار، وهي أشد حالات المرض خطورة. كما برزت مسألة الارتباط الموسمي أيضا في دراسات أجريت في سنغافورة وزيمبابوي والسويد، لكن الدراسة النرويجية هي الأكبر حتى الآن. وتنتج حالة تسمم الحمل عن خلل في المشيمة التي تربط بين الأم والجنين وتنقل إليه الأوكسجين والعناصر الغذائية من دم الأم. وغالبا ما تظهر تلك الحالة في المرحلة الأخيرة من الحمل. وأهم أعراض الحالة هي ارتفاع ضغط الدم، لكنها قد تكون بلا أعراض في المراحل المبكرة، لكن الاختبارات الدورية في فترة الحمل تستطيع أن تشير إلى وجود علامات تحذيرية. وتسمم الحمل قابل بوجه عام للعلاج عن طريق تناول العقاقير والراحة، لكن الفشل في السيطرة على الحالة قد يتسبب في ولادة مبكرة قبل اكتمال نمو الجنين. لكن ترك الحالة بلا علاج قد يجعلها تتطور إلى ما يعرف بالتشنج النفاسي، التي تتميز بتشنجات تعرض صحة كل من الأم والجنين للخطر. وبرغم أن هذه الدراسات لم تعط نتائج حاسمة، لكن الخبراء يرون أن التخطيط المحكم للإنجاب أفضل من الندم في ما بعد، مشددين على ضرورة الاستعداد النفسي والجسدي والمادي، وفائدة ذلك بالنسبة للأم والطفل والمجتمع ككل. غير أن هذا الأمر يسلط الضوء أيضا على احتمالية تعرض النساء لانتقادات جارحة من قبل أولئك الذين لا يريدون لهن أن يتمتعن بتلك الإمكانية، وهو ما يؤكد على أن بعض المجتمعات مازالت بعيدة كل البعد عن الوقت الذي تتمتع فيه النساء بالسيطرة الكاملة على قرارات الحمل والإنجاب.

مشاركة :