إيران، الجرب، والجدران | علي الصراف | صحيفة العرب

  • 7/7/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هل تعجز إيران عبر الميليشيات التابعة لها عن أن تضرب قلب السفارة الأميركية في بغداد، بدلا من ضرب محيطها أو جدرانها الخارجية؟ الجواب، قطعا، لا. فلماذا لا تفعل؟ وهي، كما ميليشياتها، تريد الانتقام لمهندس الحروب والنزاعات والمجازر الإيرانية في المنطقة، قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الذي قتل في يناير الماضي، ولا تزال تلطم عليه؟ الجواب واضح أيضا. فهي تريد التحرش ولا تريد مواجهة فعلية، لأنها، كما ميليشياتها، أجبن من أن تفعل ذلك. ومصدر الجبن هو أنها تعرف العاقبة. فإيران في وضع اقتصادي مهترئ إلى درجة تكاد لا تخطر على بال. وبرغم الصداع الشعاراتي الذي لا تزال تصدح به أبواقها وميليشياتها، فإن الوقائع وقائع في نهاية المطاف. إيران تقف على حافة إفلاس تام. ولا تملك من القدرات المادية ما يكفل لها أن تخوض أي نزاع مفتوح، لا مع الولايات المتحدة ولا مع غيرها في المنطقة. لم يظهر أحد، حتى الآن، في إيران ليقول لها كفى، أو ليُخرجها من بئر الحقد والكراهية ضد الإسلام وضد الجوار. أو ليقدم لها بلسما يشفيها من هذا المرض التاريخي العجيب ومع بطالة تجاوزت 15 في المئة من مجموع عدد الأيدي العاملة، وانهيار أسعار صرف العملة المحلية، إلى درجة أن 5 دولارات باتت تكفي لتجعل أي أحد مليونيرا، وضحايا وباء بلغ تعدادهم، بحسب اللجنة الوطنية لمكافحة الفايروسات التاجية الإيرانية، 18 مليون إنسان، وهو ما يجعل الوفيات الحقيقية تبلغ 900 ألف إنسان، وليس 12 ألفا كما هو معلن، فإن إيران لا تحصل من عائدات نفطها على أي مال، بسبب العقوبات. ولا تتعدى موجودات احتياطاتها في “صندوق التنمية الوطنية” 90 مليار دولار، وهي لا تكفي لتغطية احتياجات سنتين. وبينما يبلغ إجمالي الصادرات الباقية 46 مليار دولار (مقابل 110 مليارات دولار في العام 2017)، فإن إجمالي الواردات يبلغ 64 مليار دولار مما يعني عجزا يبلغ 18 مليار دولار. بينما يرتفع صافي الدين الإيراني، بحسب صندوق النقد الدولي، ليصل إلى ثلث الناتج المحلّي الإجمالي المتوقع للعام 2020 والذي يُقدر بنحو 148 مليار دولار. وقياسا بعدد السكان البالغ نحو 80 مليون نسمة، فهذا واقع لبلد منهار، ويقف على عتبة الإفلاس التام. البنية التحتية مهترئة أيضا. فالانفجارات التي تحدث عن تسرب غاز هنا، وثقب هناك، وخلل تقني هنالك، تدل على أن أنظمة الصيانة لم تعد قادرة على تلبية أدنى الاحتياجات. هناك فراغات طفيفة، من قبيل أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يريد أن يخوض تلك المواجهة، لأنه منشغل بالسعي لإعادة انتخابه، تتيح لإيران اللعب مع الجدران لكي توحي لنفسها بأنها لا تزال لاعبا قادرا على إثارة الضجيج والمضايقات، إلا أنها أعجز من أن تجعل منها ضجيجا أو مضايقات حقيقية. لبنان وحده، حيث تعجز حكومته الخاضعة لأمر الولي الفقيه عن أن تسدد تكاليف ديونها أو توفر الخبز لمواطنيها، يقدم إشارة كافية على أن إيران بلد يمارس حروبا عبثية مع الجدران، لأنه لا يملك غيرها أصلا. الحروب ضد الجدران توفر القدرة على الظهور بمظهر الفارس الهمام، إلا أنها فروسية دونكيشوتية بدرجة فاضحة أيضا، تحارب طواحين الهواء، ظنا منها أنها تخوض بها حروبا مقدسة. وفي الواقع، فإن ذلك جزء من طبيعة إيران السيكولوجية التي بنتها على امتداد أربعين عاما. وهي أنها عندما تضعف، تلجأ إلى مناطحة الجدران، فقط من أجل أن تُبقي جذوة الأحقاد الدفينة متقدة، حتى إذا ما عادت لتقوى، كما أتاح لها الاتفاق النووي مع إدارة الرئيس باراك أوباما، فإنها تعود لتقود حروبا وتعلن تحديات وتراهن على التمدد من جديد. والحقد، يا ويلي، كم أنه كريه ومسموم ومتعفن وموغل في القدم. ويكاد لا ينسى أي شيء، من الهزيمة ضد جيوش المسلمين، والتي انقلبت حقدا على الإسلام وسعيا لتدميره من الداخل، إلى الحرب مع العراق والتي انتهت بالتواطؤ مع “الشيطان الأكبر”، من أجل الانتقام للهزيمة. والهزائم إذ تلي الهزائم، على مر التاريخ والأيام، فإن الحقد لا يشفى، وسمومه تزداد تعتيقا وتركيزا. حتى لكأن هذه الأمة الفارسية لا تملك من أمرها إلا ذلك السم. وهي تعود لتتجرعه مرة بعد أخرى، ولكنها تظل تفرزه وكأن غددها البيولوجية لا تنتج شيئا سواه. ضرب قلب السفارة الأميركية في بغداد لا يحتاج إلى إحداثيات. أي صعلوك من صعاليك الحشد الشعبي يستطيع أن يوجه صواريخ الكاتيوشا أو قذائف الهاون لتصيب مكاتبها الرئيسية. فلماذا يحك الأجرب جلده بالجدران؟ إيران تقف على حافة إفلاس تام. ولا تملك من القدرات المادية ما يكفل لها أن تخوض أي نزاع مفتوح، لا مع الولايات المتحدة ولا مع غيرها في المنطقة وهل يعجز الحرس الثوري عن أن يضرب أي بارجة حربية أميركية في مياه الخليج؟ وهل يعجز حزب الله عن الذهاب إلى “ما بعد بعد حيفا”؟ ثم، ألا تراه قادرا على أن يضيف بعد تلك “البعد” أبعادا أخرى؟ فلماذا يكتفي بالهذيان؟ المسألة ليست، على أي حال، نوعا من فرض الأضغاث على الأحلام. إنها مسألة عجز وفشل أيضا. وإيران هي التي تأكل من ثمارهما المُرة. لم يظهر أحد، حتى الآن، في إيران ليقول لها كفى، أو ليُخرجها من بئر الحقد والكراهية ضد الإسلام وضد الجوار. أو ليقدم لها بلسما يشفيها من هذا المرض التاريخي العجيب. التمسح بالجدران، عار سياسي حقيقي. ولكنه عار استراتيجي أيضا. بمعنى أن دولة لا تجرؤ على خوض الحروب، ولا تقدر على تكاليفها، ولا تدمر إلا نفسها بما تنتجه من سموم، لا يحسن أن تستمر على هذه الحال. وهي بحاجة إلى اهتزاز ثقافي عنيف لكي تتخلى عن ثقافة العدوان، ومشروعها الطائفي الأجوف، على الأقل لكي تعترف بأنه كان سببا لبلاء داخلي لم يتوقف، منذ حروب إسماعيل شاه الصفوي قبل نحو 500 عام إلى يومنا هذا. أي عاقل، كان يمكن أن يواجه الحقيقة: فإما الحرب، وإما السلام. وكلاهما يحسن أن يكون صارما وجذريا. ولتكن العاقبة ما تكون.

مشاركة :