هذه مجموعة متنوعة من الخواطر الرمضانية ذات القيمة الإيمانية والفائدة العلمية بقلم الأستاذ الدكتور وليد مُحمَّد عبدالله العَلِيّ أُستاذ الشَّريعة والدِّراسات الإسلاميَّة بجامعة الكويت وإمـام وخـطـيـب المـســجــد الكــــبــــيــــر بدولــــة الكويت. w-alali@hotmail.com إنَّ من أعظم البلاء أنَّ النَّار التي أُخبرنا ببعض صفاتها؛ قد حُفِّت بما يغلب على النُّفوس حبَّه من ملذَّاتها وشهواتها، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لَمَّا خلق الله تعالى الجنَّة والنَّار: أرسل جبريل عليه السلام إلى الجنَّة، فقال: انظر إليها؛ وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فجاءها جبريل عليه السلام ونظر إليها؛ وإلى ما أعدَّ الله تعالى لأهلها فيها، فرجع إليه فقال: فوعزَّتك؛ لا يسمع بها أحدٌ إلا دخلها، فأُمِرَ بها فحفُّت بالمكاره، فقال الله تعالى: ارجع إليها؛ فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فرجع جبريل عليه السلام إليها؛ فإذا هي قد حُفَّت بالمكاره، فرجع إليه فقال: وعزَّتك؛ لقد خفت ألا يدخلها أحدٌ. فقال الله تعالى: اذهب إلى النَّار فانظر إليها؛ وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فإذا هي يركب بعضُها بعضاً، فرجع جبريل عليه السلام إليه فقال: وعزَّتك؛ لا يسمع بها أحدٌ فيدخلها، فأُمِرَ بها فحُفَّت بالشَّهوات، فقال الله تعالى: ارجع إليها، فرجع جبريل عليه السلام إليها فقال: وعزَّتك؛ لقد خشيت ألا ينجو منها أحدٌ إلا دخلها) أخرجه أحمد وأبوداود والتِّرمذيُّ. ولا يخفى عليكم حال نبيِّكم المُصطفى المُختار - صلى الله عليه وسلم؛ وهو أعظمُ البريَّة خشيةً لربِّه العزيز الغفَّار؛ وقد غُفِرَ له ما تقدَّم وما تأخَّر من الذُّنوب والأوزار، وما هذا ففؤاده مُضطربٌ من ذكر النَّار، فقد أخرج ابن حبِّان في صحيحه عن عطاء بن أبي رباحٍ رحمه الله تعالى قال: دخلت أنا وعبيد بن عُميرٍ على عائشة رضي الله عنها، فقال ابن عُميرٍ: أخبرينا بأعجب شيءٍ رأيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسكتت عائشة - رضي الله عنها - ثُمَّ قالت: (لَمَّا كان ليلةٌ من اللَّيالي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عائشة؛ ذريني أتعبَّد اللَّيلة لربِّي. قلت: واللهِ؛ إنِّي لأُحبُّ قُرْبَك، وأُحبُّ ما سرَّك. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتطهَّر ثُمَّ قام يُصلِّي، فلم يزل يبكي حتَّى بَلَّ حِجْرَه، ثُمَّ بكى فلم يزل يبكي حتَّى بَلَّ لحيته، ثُمَّ بكى فلم يزل يبكي حتَّى بَلَّ الأرض، فجاء بلالٌ - رضي الله عنه - يُؤذنه بالصَّلاة، فلمَّا رآه يبكي قال: يا رسول الله؛ لِمَ تبكي؛ وقد غفر الله لك ما تقدَّم وما تأخَّر؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت عليَّ اللَّيلة آيةٌ، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكَّر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} إلى آخر الآيات كلِّها. لذا فقد أبصر السَّلف الأبرار؛ حقيقة هذه الدَّار، فاضطربت منهم الأحوال، لَمَّا أيقنوا بما فيها من الأهوال. فقد سمع أمير المُؤمنين عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - رجلاً يتهجَّد في اللَّيل؛ ويقرأ سورة الطُّور، فلمَّا بلغ إلى قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِن دَافِعٍ}: قال عمر: (قَسَمٌ وربِّ الكعبة حقٌّ)، ثُمَّ رجع عمر إلى منزله، فمرض شهراً يعوده النَّاس؛ لا يدرون ما مرضه.
مشاركة :