بكل ثقة بالنفس، يتسلق الأربعيني سالم الحويلي شجرة صنوبر باسقة الارتفاع وسط غابة في بلدة "كفر حمام" بجنوب لبنان، ليجمع الثمار واحدة تلو الأخرى ويرميها أرضا. ويستخدم سالم النازح من سوريا إلى بلدة "حاصبيا" والملقب بـ"المعلم"، عصا طويلة معقوفة لاسقاط أكواز الصنوبر من أغصان الشجرة. ويعمل سالم في قطف الصنوبر منذ أكثر من 22 عاما، اكتسب خلالها بحسب ما يقول خبرة ممتازة. ويستخدم الصنوبر في إعداد أطباق متنوعة من الطعام ويدخل في صناعة الحلوى، ويحتوي على الكثير من العناصر الغذائية المقوية للمناعة. وكان لبنان ينتج سنويا بحسب احصائيات وزارة الزراعة، حوالي 600 طن من الصنوبر إلا أن الانتاج تراجع خلال السنوات الخمس الماضية إلى 300 طن. وقال سالم لوكالة أنباء ((شينخوا))، إنه لاحظ منذ عدة سنوات أن هناك تراجعا في انتاج الصنوبر، وأن الشجرة التي كانت تعطي حوالي مائة كوز انخفض حملها الى حدود الأربعين فقط. ويعتقد سالم أن تراجع إنتاج الصنوبر ناتج عن أمراض متعددة تضرب الشجرة في ظل عجز المزارع عن معالجتها. ويبدو قطف الصنوبر في نظر سالم "مهنة خطرة" تحتاج إلى شجاعة وخبرة لذلك يعمل بها عدد قليل. ويؤكد سالم أن "الخطأ ممنوع لأن أية سقطة من شجرة الصنوبر الباسقة ستكون مؤذية إلى حد الموت". وبعد إسقاط أكواز الصنوبر أرضا، يتولى المزارع مرعي حمود جمعها في أكياس متوسطة الحجم تمهيدا لنقلها الى منزله. وقال حمود لـ ((شينخوا)) إن "انتاج الصنوبر انخفض دون أن نتمكن من التصدي لهذه المشكلة". وأشار الى أن التراجع في الانتاج يتراوح بين 35 و40 في المائة مما يلحق خسائر فادحة في هذا القطاع الذي تعتاش منه حوالي 60 ألف عائلة لبنانية. بدوره، رد رئيس الجمعية الزراعية المعنية بالثروة الحرجية فادي الخفاجا تراجع انتاج الصنوبر إلى الأمراض المتعددة التي ضربت الأحراج ومنها "دودة الصندل" التي تؤدي إلى ترهل الشجرة ومن ثم جفافها. وقال رئيس بلدية بلدة "الماري" في القطاع الشرقي من جنوب لبنان يوسف فياض لـ ((شينخوا)) ، "أبلغنا صرخة مزارعي الصنوبر الى الجهات المعنية في وزارة الزراعة طالبين مكافحة الحشرات التي تضرب أحراج الصنوبر". وأضاف أنه بتنسيق بين وزارة الزراعة وقيادة الجيش اللبناني تمت عملية رش الأحراج بالمبيدات بواسطة المروحيات العسكرية. وتمتد فترة موسم القطاف وفصل الحبوب عن الأكواز ستة أشهر بحسب فيصل حمود الذي ورث عن والده غابة صنوبر بمساحة 3 آلاف متر مربع في الطرف الجنوبي لمنطقة "العرقوب" الجنوبية. وبعد قطف أكواز الصنوبر، يتم تعريضها لأشعة الشمس يليها فصل الحبوب وتكسيرها. ووصف المزارع جلال ابو عمر (75 عاما) موسم هذا العام بأنه "موسم الكساد"، مشيرا الى أن سعر كيلوجرام الصنوبر يصل الى حدود 200 ألف ليرة لبنانية (ما يوازي 132 دولارا بحسب السعر الرسمي للدولار). وقال رئيس "التعاونية الزراعية للعناية بالأشجار المثمرة" عادل حمدان لـ ((شينخوا))، إن انتاج الصنوبر المحلي يلقى منافسة من الصنوبر التركي في الأسواق. ودعا إلى حماية الانتاج المحلي من الصنوبر ووقف الاستيراد حرصا على المزارعين الذين يعانون في ظل ما وصلت اليه الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان مع تراجع قيمة الليرة اللبنانية الحاد أمام الدولار. وحسب احصاءات وزارة الزراعة والتعاونيات الزراعية، تأتي زراعة الصنوبر في المرتبة الثانية بعد زراعة الزيتون الذي يبلغ انتاجه بحدود مائة ألف طن. ويوظف قطاع الزراعة 6 في المائة من اليد العاملة اللبنانية.
مشاركة :