يرجح محللون أن تتفاقم متاعب المصانع السورية خلال الفترة المقبلة خاصة وأنها تترنح بسبب متاعبها المالية العميقة منذ بداية الحرب في سوريا، وقد زادت من تضييق الخناق عليها مسألة انسداد آفاق الحصول على التمويلات اللازمة لاستمرار نشاطها بفعل اشتداد الحظر الأميركي وانهيار الليرة. دمشق - تواجه المصانع الخاضعة لسيطرة النظام السوري إلى أزمة غير مسبوقة تهدد بقاءها بسبب نقص التمويلات التي تساعدها في استدامة أنشطتها. وتغذي هذه المشكلة، التي يبدو أن حلها صعب في الوقت الراهن، الكثير من العوامل بينها العقوبات الأميركية، التي زادت من شدتها إدارة الرئيس دونالد ترامب مع دخول قانون قيصر حيز التنفيذ قبل أسابيع. ويقول الصناعيون إنهم يواجهون تحديات شاقة، أبرزها نقص إمدادات الكهرباء وقلة العمال والعقوبات الدولية، إضافة إلى صعوبة التواصل مع الزبائن، كما أن تحويل الأموال صعب وكذلك الحصول على قطع الغيار. وما يزيد من الأزمة هو تراجع قيمة العملة المحلية إلى مستويات قياسية أمام الدولار، والمستقر سعرها عند 2500 ليرة للدولار الواحد في السوق السوداء، مقارنة مع 990 وألف ليرة مقابل الدولار نهاية العام الماضي. وفي محاولة لمنح القطاع الصناعي جرعة أوكسجين، بحث مصرف سوريا المركزي الخميس الماضي مع اتحاد غرف الصناعة السورية سبل تذليل العقبات المزمنة التي يواجهها الصناعيون في معاملاتهم المصرفية في ظل تشديد الإجراءات الاقتصادية أحادية الجانب المفروضة على دمشق. ونسبت وكالة الأنباء الرسمية إلى نائب رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية سامر الدبس تأكيده خلال الاجتماع على أهمية الجهود التي يقوم بها المركزي من أجل ضبط سعر صرف الليرة. وطرح المشاركون في الاجتماع العديد من النقاط والصعوبات، التي تعترض عمل الصناعيين كموضوع تمويل مستوردات المواد الأولية اللازمة للإنتاج. وقال محمد إبراهيم حمرة النائب الأول لحاكم المركزي إن “هناك ثلاث قنوات للتمويل متوفرة حاليا وهي القنوات الرسمية عبر المصارف المسموح لها تمويل المستوردات، وعن طريق شركات الصرافة، وحسابات المصدرين في الخارج”. ولكن هذه العوامل تبدو غير كافية خاصة وأن البلاد تعاني من شح غير مسبوق في السيولة النقدية مع دخول الاقتصاد في ركود عميق وعدم تمكن السوريين من الحصول على ودائعهم في لبنان المأزوم، والتي تشير التقديرات إلى أنها تصل إلى 50 مليار دولار. واللافت أن المركزي مُصرّ على أنه سيقدم كل الدعم المالي للشركات رغم أنه ليست لديه القدرة على ضخ الأموال في النظام المالي، وهو ما يتضح من خلال تصريحات المسؤول في المركزي. وأوضح حمرة خلال الاجتماع أن موضوع استئناف منح القروض والتسهيلات الائتمانية قيد الدراسة حاليا في مجلس النقد والتسليف وقريباً ستصدر قرارات تتضمن ضوابط محددة بهذا الخصوص. وشدد نائب الحاكم على أن المركزي سوف يدرس كل المقترحات التي قدمها الصناعيون في سبيل دعم القطاع الصناعي والإنتاجي. كما دعا إلى استمرار التنسيق وزيادة التعاون مع الصناعيين من أجل زيادة المرونة في المعاملات بينهم وبين القطاع المصرفي. وتسارع انهيار الليرة عقب آخر ظهور لرامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، والذي دخل في خلاف مع دمشق بعد أن شنت حملة ضد أصول وأموال يمتلكها، وذلك بالتزامن مع انغلاق نوافذ تمويل الحكومة السورية. وقذف ذلك الأمر بالسوريين إلى مربع الخطر نظرا لفقدان الآلاف من الأشخاص لقوتهم اليومي وعدم القدرة على تلبية حاجياتهم في ظل التهاب قياسي للأسعار وتسارع تآكل الاحتياطات النقدية جراء غياب تحويل الأموال من السوريين في الخارج وكذلك اختلال قواعد السوق مع نقص المعروض تبعا لغلق الحدود وتقويض المسالك التجارية وفقدان دعم إيران حليفة الرئيس بشار الأسد. وقدّر صندوق النقد الدولي العام الماضي، انكماش الاقتصاد السوري بشكل عام بنحو 57 في المئة أثناء الحرب، وأن انكماش قطاع الصناعة وحده بلغ 77 في المئة. بيد أن الأمر سيزداد صعوبة مع القيود الأميركية وأزمة وباء فايروس كورونا، والتي أرخت بظلال قاتمة على الاقتصاد السوري. وتوقع مركز دمشق للأبحاث والدراسات في تقرير حديث أن يتجه الاقتصاد إلى المزيد من الانكماش بسبب توقف عجلة الإنتاج ستترتب عليها نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية مربكة، وقد تنفتح على احتمالات لا يمكن ضبط مفاعيلها. وقال إن الإجراءات التي اتخذتها حكومة النظام لمنع تفشي فايروس كورونا المستجد أسهمت في توقف عمل معظم الشرائح والمكونات الاجتماعية. كما تسببت الإجراءات في انخفاض كبير لإيرادات الدولة الطبيعية، الآتية عن طريق الضرائب والرسوم وفوائض مؤسسات القطاع العام الاقتصادي، وإيرادات تأجير واستثمار أملاك الدولة.
مشاركة :