الحكومة المصرية تتمسك بترضية البسطاء لتجنب الغضب الشعبي | أحمد حافظ | صحيفة العرب

  • 8/28/2022
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة- استقبلت صابرين محمد، وهي أم مصرية تحصل على دعم شهري من الحكومة، قرارات الحماية الاجتماعية التي تم الإعلان عنها الخميس بنوع من التفاؤل الحذر، لأن قيمة الدعم النقدي والعيني المقرر منحه للبسطاء لا يتناسب مع موجات الغلاء المتصاعدة وتدهور مستوى المعيشة وعجز الناس عن شراء احتياجاتهم. وتتحصل صابرين شهريا على مبلغ مالي قدره حوالي عشرة دولارات (الدولار يساوي 20 جنيها تقريبا) لأنها مدرجة في مشروع “تكافل وكرامة”، لكن هذا المبلغ لا يكفي احتياجات أسرتها الرئيسية (الإنفاق على التعليم والصحة والمأكل والمشرب وسداد فواتير الكهرباء والماء…)، لذلك تعتمد على مساعدات جيرانها من المقتدرين ماديا لتستطيع العيش. وقالت الأم لـ”العرب” إن أكثر ما يخشاه الفقراء أن تكون مساعدات الحكومة مقدمة لموجة غلاء لا تستطيع الأسر البسيطة تحملها، فـ”الناس يشعرون بالعجز أمام أولادهم لعدم قدرتهم على شراء الحد الأدنى من المتطلبات، والحكومة تقول: ما باليد حيلة”. ◙ إجراءات الدعم التي أعلنت عنها الحكومة شملت ضم مليون أسرة جديدة إلى برنامج "تكافل وكرامة" المخصص للفقراء وشملت إجراءات الدعم الاجتماعي التي أعلنت عنها الحكومة ضم مليون أسرة جديدة إلى برنامج “تكافل وكرامة” المخصص للفقراء، ليتجاوز حجم المستفيدين من البرنامج 20 مليون مواطن، بمعدل خمسة ملايين أسرة، أي نحو 25 في المئة من الأسر المصرية، وهؤلاء يحصلون على دعم نقدي لستة أشهر تبدأ أول سبتمبر المقبل. كما شملت تثبيت سعر رغيف الخبز البلدي عند خمسة قروش فقط للمواطن على بطاقة التموين، ويستفيد منه 72 مليون مواطن يوميا، مع استمرار تحمل الدولة فرق تكلفة الإنتاج وسدادها لأصحاب المخابز عبر هيئة السلع التموينية، مع السماح بإضافة فقراء جدد إلى بطاقات التموين. وتقررت إضافة مئة جنيه (5 دولارات) إلى بطاقة التموين التي تتكون من أسرة واحدة، ومئتي جنيه إلى البطاقة التي تتكون من أسرتين إلى ثلاث أسر، أما البطاقات التي تتكون من أكثر من ثلاث أسر فستضاف إليها ثلاث مئة جنيه (15 دولارا)، ومن المقرر أن يستفيد من هذه الزيادات حوالي تسعة ملايين أسرة، لمدة ستة أشهر. وتعوّل الحكومة على برامج الحماية الاجتماعية لامتصاص غضب البسطاء في ظل شعور عام بارتفاع منسوب القلق بين أبناء هذه الشريحة إلى مستويات قياسية جراء الغلاء والظروف المعيشية الصعبة، على وقع برنامج الإصلاحات الاقتصادية المحلي. ويتعارض تقديم مساعدات نقدية وعينية إلى محدودي الدخل مع توجه الحكومة لترشيد الدعم، لكنها تدرك خطورة التهور في عدم وضع البسطاء في الحسبان بسبب الغلاء وصعوبات المعيشة وعدم قدرة شريحة كبيرة على توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة، فهؤلاء أكثر ما يعنيهم الحفاظ على السلع المدعومة. سعيد صادق: إجراءات الحكومة يمكن أن تسهم في تخفيف الآثار السلبية، لكن قد لا تحقق أهدافها السياسية وتشعر الحكومة بالخطورة التي ينطوي عليها التراخي في أداء دورها المجتمعي وتقديم مساعدات للبسطاء أثناء الأزمات الاقتصادية، لأن الأنظمة السابقة عندما تخلت عن دورها في إنقاذ الفقراء من العوز تمكنت جماعات الإسلام السياسي، كالإخوان والسلفيين، من ملء هذا الفراغ وتسللت إلى قاع المجتمع واخترقت جدرانه. وتمت السيطرة على جمعيات الإخوان والسلفيين، لكن الحكومة لم توفر البديل المناسب من منظمات المجتمع المدني القادرة على الوقوف بجانبها في سبيل استرضاء البسطاء، ما جعلها تتحمل العبء وحدها رغم ما تعانيه من أزمات بالغة، في حين لا ترغب في أن يظل الفقراء نافذة يقفز خصومها منها لتوجيه ضربات للنظام السياسي. وتكمن المشكلة في أن البسطاء أنفسهم ليسوا مطمئنين لما تقوم به الحكومة. ولئن بدت منحازة إليهم ببرامج الحماية الاجتماعية، فلن تكون قادرة على الصمود طويلا، لأن الفجوة بين المساعدات والغلاء تحتاج إلى ميزانية ضخمة لتجسيرها، بما يقود إلى معاناة كبيرة ربما تؤدي إلى الشعور بعدم الاستقرار مستقبلا. ويبني الفقراء مخاوفهم على أن الحكومة أعلنت اقتصار فترة المظلة الاجتماعية الأخيرة على ستة أشهر فقط، ما دفعهم إلى التساؤل: ماذا بعد انتهاء المدة؟ وهل ينتهي الغلاء أم ترفع الدولة يديها عن البسطاء، أم هناك نوايا خفية لدى الحكومة تشير إلى وجود موجات أخرى من تحريك أسعار السلع والخدمات؟ وأعلنت وزارة الكهرباء تأجيل رفع أسعار الفواتير من بداية يوليو الماضي إلى نهاية ديسمبر المقبل، كما أكدت وزارة النقل أن قرار زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق وقطارات السكة الحديدية تم تجميده مؤقتا إلى حين الانتهاء من إجراءات الحماية الاجتماعية، ما يوحي بأن ما ستدفعه الحكومة حاليا سوف تسترده بعد أشهر. ويرى مراقبون أن المساعدات المقدمة إلى البسطاء مقابل تأجيل قرارات ستتسبب في زيادة العبء عليهم بعد أشهر قليلة، ما يجعل أي خطوة تقدم عليها الحكومة لبناء شبكات أمان اجتماعي لا تلقى تقديرا كافيا من مواطنين مقتنعين بأن توجهات الحكومة تقف خلفها قرارات أخرى لن تكون في صالحهم مستقبلا. ◙ الحكومة تشعر بالخطورة التي ينطوي عليها التراخي في أداء دورها المجتمعي وتقديم مساعدات للبسطاء أثناء الأزمات الاقتصادية وقال سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، “إن إجراءات الحكومة يمكن أن تسهم في تخفيف الآثار السلبية، لكن قد لا تحقق أهدافها السياسية على مستوى تخفيض مستوى الغضب بسبب الغلاء الذي لا يتوقف وشعور شريحة كبيرة بأن المساعدات الحكومية لا تكفي لمواجهة صعوبات المعيشة”. وأضاف لـ”العرب” أن “أزمة الغلاء تكمن في انحدار فئة من الطبقة المتوسطة لتدخل ضمن فقراء باتوا في حاجة إلى شبكات أمان اجتماعية لم تصل إليهم بعد، ما جعل المزاج العام سلبيا، وتكمن خطورة ذلك في تآكل القاعدة الشعبية التي كانت تعول عليها الحكومة في مواجهة خصومها السياسيين. ويؤكد النفور المتصاعد من محدودي الدخل والذين انضموا إليهم من الطبقة المتوسطة أن الحكومة أخفقت في إدارة العلاقة معهم بعدما ظنت أن صمتهم على موجة الغلاء مستمر ويمكن احتواء الغضب بمضاعفة المساعدات، بغض النظر عن التحسن العام. ويكفي سؤال الناس عن أي شيء مرتبط بالحكومة للشعور بأن الغضب لم يعد يفرق بين الشباب وكبار السن والرجال والنساء؛ فالأغلبية تظهر على ملامحها علامات إحباط من الواقع وربما المستقبل، ما يعكس أن أي إجراءات تستهدف الحماية الاجتماعية لن تحقق الغرض المطلوب ما لم تتدخل الحكومة لإزالة الحاجز النفسي الذي يفصل بينها وبين الشارع بخطوات أكثر فاعلية.

مشاركة :