النخل يعشقه الإنسان العربي، ويبادله عشقا بعشق، وأظن لو فتحنا عن قلب النخل لوجدنا مشاعر لا تختلف عن مشاعر الإنسان، فهو ودود مع من يوده ومعطاء ينثر خيره في كل مكان كما ينثر ظله. يتأثر النخل بالمشاعر فيما حوله، كما الإنسان، فيعرف أغلب مزارعي النخيل ذلك لذا يتغزلون بالنخل ويلمسون جذوعه، ويغنون له، وينثرون حبا وفرحا به فيبادلهم بعطاء جيد ومحصول تجاري، ولعل ما نشهده من جمال ولذة أغلب أنواع التمور هو بسبب ذلك الود المتبادل. أثناء تفتيش وزارة الزراعة على أحد بساتين النخيل، لاحظ المفتشون أن النخل قريب من بعضه، طلبوا من صاحبه أن يجعل بين نخلة وأخرى مسافة ثلاثة أمتار، بمعنى أن يقوم بقلع ثلث نخيله، فقال لهم: والله لو اسمح بمقتل أحد أبنائي لن أسمح بقلع نخلة واحدة. واستمر نخله يبادله حبا بحب وكل موسم يعطيه أكثر، مع الحب دائما تأتي العناية من تربة وسقاية ومن تنظيم مسألة العناية الصحية بالنخيل، ومكافحة أعدى أعدائها وهي السوسة الحمراء فهي التي تضرب قلب النخلة كما يضرب الأعداء قلب الأمة. لذا فلابد من الحذر منها بكل جهد كما تحذر الأمة مما يفتتها. للبقاء بين ظلال النخيل متعة لا تضاهيها متعة، فتنثر راحة نفسية أخاذة، وهي الأكثر شبها بالإنسان حيث يمثل رأسه حياته، وعندما يقطع رأسه فلا حياة له. للنخيل جماله وعطاؤه وله ايضا غضبه وحقده فهو لا يحب من لا يحبه ولا يعطي لمن لا يوده ولا يعتني به عناية الأم بوليدها. تتنوع أشكال العطاء وتتلون بحيث قد يفوق أنواعها أيام السنة ولكل نوع جماله وطعمه، وقد بارك الله في النخيل وذكره في مواقع كثيرة من القرآن الكريم، هو أقرب للبيئة البحرية وللماء الذي يحتوي بعض الملوحة، وقد كان البرحي موطنه على شط العرب، حيث يمتزج ماء دجلة والفرات بماء الخليج العربي، ومنه انتقل لأغلب البلدان التي تتشابه بيئتها مع البيئة في الخليج العربي، حيث الجو الدافئ والمياه ذات الملوحة غير العالية، فنرى أن بعض البلدان أخذت الفسائل وطورت فيها وطعمت بعضها من بعض فجاءت بأنواع جديدة. صناعة التمر تركز على العناية بالنخيل وتطوير زراعته وإعطائه جهدا طيبا ليكوّن منتوجا طيبا، وقد من الله علينا وعلى أغلب البلاد العربية بزراعة النخل وبتمور جيدة، ويتم تصدير التمور بعد تصنيعها من بلاد المغرب العربي وخاصة الجزائر إلى أوروبا، حيث الأسواق تستهلكه سريعا، وعلى الأخص المسلمون هناك، كما انتشرت زراعته في أميركا وخاصة كليفورنيا، فقد بدأ جودة المحصول أكبر خاصة في نخيل البرحي وهو من أجود أنواع التمر. لقد نقل العرب فيما نقلوا أثناء فتوحاتهم وعيشهم في البلدان المفتوحة النخيل، لذا نرى أن أشجار النخيل في الأندلس كما الرمان منتشرة هناك. في بداية المقال قلت إن النخيل يشبه الإنسان في عواطفه ويبادله حبا بحب وعطاء بعطاء، لذا أعيد الآن هو أن النخيل كان توأما للإنسان العربي ومصدر إلهامه، وإذا فقدنا هذه الزراعة وصناعتها فقدنا جزءا من مكوناتنا البيئية والتي تتعلق بنا كبشر، فالمحافظة عليها لا تختلف عن المحافظة على كياننا وعلى رمز جميل مخضر من الحياة فيما حولنا، ومصدر اساسي لصناعة الكثير مما نحتاجه في حياتنا، من مأكل ومساكن صديقة للبيئة، تحافظ على درجات الحرارة المناسبة وتخفف الضغط على الطاقة المتولدة من البترول وما يفعله من عوادم تؤذي البيئة وتضيف درجات حرارة أكثر. والحديث عنه يطول وخاصة في منتجات النخيل، لذا أكتفي بهذا، وكل عام وأنتم بخير، وكل عام والتمر أجمل وألذ ما نأكله.
مشاركة :