أكدت أديس أبابا الأربعاء البدء في ملء سد النهضة رغم عدم التوصّل إلى اتفاق مع القاهرة والخرطوم خلال المفاوضات المطولة التي رعاها الاتحاد الأفريقي. ووضعت هذه الخطوة كلا من مصر والسودان أمام الأمر الواقع، ما جعل الخارجية المصرية تطالب إثيوبيا بتوضيحات عاجلة بشأن مدى صحة بدء ملء خزان سد النهضة. القاهرة- دفعت أديس أبابا سواء أجلت تهديدها السابق بالبدء في ملء سد النهضة أو نفذته إلى وضع مصر والسودان أمام الأمر الواقع الذي تتبناه منذ فترة، ففي الحالتين تبدو غير متحمسة للتوصل إلى اتفاق ملزم مع الدولتين أو العمل بما سيتضمنه التقرير النهائي لوساطة الاتحاد الأفريقي. وأعلن وزير الري الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، الأربعاء، أن بلاده بدأت عملية تعبئة خزان سد النهضة، رغم تعثر الاتفاق مع كل من مصر والسودان بشأن المشروع المثير للجدل بسبب مخاوف من تأثيره على حصة البلدين من المياه. وقال إن المرحلة التي وصل إليها السد تمكن من بدء عملية التخزين الأولى المقدرة بـ4.9 مليار متر مكعب، وأن المفاوضات التي اختتمت بين الدول الثلاث، إثيوبيا والسودان ومصر وبحضور مراقبين وخبراء أفارقة، شهدت اتفاقا حول بعض النقاط، وأن عمليتي بناء وتعبئة سد النهضة تسيران بشكل طبيعي. وطالبت الخارجية المصرية من الحكومة الإثيوبية بتوضيحات عاجلة بشأن مدى صحة بدء ملء خزان سد النهضة. وأكد السودان بدوره الأربعاء أن إثيوبيا أغلقت بوابات سد النهضة، مشيرا إلى أن تدفق مياه النيل إليه بدأ في التراجع. والثلاثاء، نشرت وكالة “أسوشيتيد برس” الأميركية صور أقمار صناعية رصدتها وكالة الفضاء الأوروبية يوم 9 يوليو الجاري، تشير إلى بدء ملء خزان سد النهضة. وقالت وزارة الري السودانية في بيان إنها تحرت عن طريق أجهزتها المختصة عما نشر من معلومات وصور ملتقطة بالأقمار عن بدء إثيوبيا في ملء سد النهضة بالمياه. وأضافت الوزارة “اتضح جليا من خلال مقاييس تدفق المياه في محطة الديم الحدودية مع إثيوبيا أن هناك تراجعا في مستويات المياه بما يعادل 90 مليون متر مكعب يوميا ما يؤكد إغلاق بوابات السد”. وتؤدي هذه الخطوة المنفردة إلى عدم الاكتراث بالتوصيات التي كانت جنوب أفريقيا كرئيسة للاتحاد الأفريقي في هذه الدورة قد أعلنت عنها كمحصلة للمفاوضات التي رعتها مؤخرا، وتبطل الحجج التي ساقتها بأن المحادثات قطعت شوطا إيجابيا، وتنسف فكرة عقد قمة أفريقية مصغرة ثانية بحضور كبار المسؤولين في الدول الثلاث. واستجابت أديس أبابا لما يمثله البدء في ملء السد من أهمية سياسية على المستوى الداخلي، وشرعت في تنفيذ وعودها بالملء في هذا التوقيت من العام، ما أسهم في استعادة آبي أحمد رئيس الوزراء قدرا من شعبيته التي تراجعت بفعل الاحتجاجات التي اندلعت الأيام الماضية في البلاد رفضا للكثير من توجهاته السياسية. وتعمدت إثيوبيا عدم إبداء مرونة لحل الأزمة المتفاقمة مع مصر والسودان، وفي كل جولة من الجولات التي جرت في العواصم الثلاث، أو في واشنطن، أو عبر فيديو كونفرانس بعد دخول الاتحاد الأفريقي على خط الأزمة، كانت تتهرب من أي التزامات تكبل حركتها للتصرف في مياه النيل الأزرق. وطالبت مصر والسودان بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قبل الشروع في الملء، وهو ما أيدته غالبية الدول في الجلسة العامة لمجلس الأمن الشهر الماضي، التي عقدت بطلب من مصر التي رأت أن الأزمة تهدد الأمن والسلم الإقليميين. ولم تفرط القاهرة في ورقة مجلس الأمن، رغم عرض القضية أمام الاتحاد الأفريقي، وهي مدركة أن دخوله تحت قيادة جنوب أفريقيا لن يسفر عن تقدم حقيقي، لكنها تجاوبت والتزمت بترتيبات المفاوضات وفقا لجدول الأعمال المحدد، وصبرت كثيرا على مراوغات إثيوبيا. وأكدت مصادر مصرية، لـ”العرب”، أن الخيارات السياسية أمام القاهرة باتت محدودة، لأن فشل الوساطة الأفريقية قد يعني خسارة هذا الطريق حاليا ومستقبلا، كما أن استمرار تداول القضية في مجلس الأمن غير مضمون بأن يقود إلى نتيجة إيجابية، بعد أن رأت بعض الدول (الصين مثلا) أن الأزمة أفريقية تقنية ولا تهدد الأمن الإقليمي، ما يوحي بعدم استبعاد استخدام الفيتو، إذا وصلت إلى مرحلة اتخاذ قرار. ورجحت المصادر ذاتها، أن يشكل مجلس الأمن لجنة فنية لبحث الأزمة، ما يعني العودة إلى نقطة البداية وتوفير المزيد من الوقت لإثيوبيا لتمضي في طريق استكمال خطوات الملء والتخزين حسب رؤيتها التي ترفض التوصل إلى اتفاقيات تعتبرها تدخلا في شؤونها الداخلية، متجاهلة قوانين الأنهار الدولية والقواعد التي تنظمها. ولم تفصح القاهرة رسميا عن نيتها الإقدام على عمل عسكري لإنهاء أزمة السد، خوفا من أن يفضي ذلك إلى مشاكل كبيرة لها في القارة، ويضاعف التحديات التي تواجهها على صعيد الأزمة الليبية التي تنتظر أيضا تدخلا عسكريا مصريا. وطالما عزفت إثيوبيا على أن مصر متعنتة معها وتريد فرض رؤيتها، وتلوح باستخدام الخشونة، وهو ما تنفيه تصريحات رسمية عدة في القاهرة، وأن قبولها التفاوض لنحو تسع سنوات يؤكد أن خيارها السياسي هو الوحيد المطروح. تؤدي هذه الخطوة المنفردة إلى عدم الاكتراث بالتوصيات التي كانت جنوب أفريقيا كرئيسة للاتحاد الأفريقي في هذه الدورة قد أعلنت عنها كمحصلة للمفاوضات التي رعتها مؤخرا وعززت الزيارة التي قام بها رئيس إريتريا أسياس أفورقي للقاهرة الأسبوع الماضي من التكهنات التي راجت بأن مصر تريد إعادة تشكيل التوازنات في منطقة القرن الأفريقي وحلحلة دور إثيوبيا من خلال محيطها الجغرافي، خاصة وأن أسمرا أكدت عقب انتهاء الزيارة أن اتفاق السلام الموقع مع أديس أبابا منذ عامين لم يكن مفيدا لها بالمرة. ومع انسداد أفق الحلين الفني والسياسي، لا أحد يعلم الطريق الثالث الذي سوف تسلكه مصر التي أعلن رئيسها عبدالفتاح السيسي أكثر من مرة أن العبث بحصة بلاده من المياه تهديد واضح للأمن القومي. وفي نظر الخبراء، لا يعني البدء في الملء أن طريق المفاوضات أغلق تماما، وربما يخرج من رحمه حلّ يرضي غرور الحكومة الإثيوبية، حيث أوفت بوعدها أمام الشارع ولم ترضخ لما تسميه بضغوط مصر، لأن ملء الخزان يحتاج على الأقل إلى أربع سنوات وفقا لرؤيتها، بينما تريد القاهرة أن يمتد إلى ما بين 7 و10 أعوام تحسبا لسنوات الجفاف المنتظر، وكي لا تتأثر حصة مصر التاريخية التي تريد أديس أبابا إعادة النظر فيها، وبالتالي يمكن أن يخرج من هذا الظلام ضوء يعيد الأمل.
مشاركة :