يراقب السودانيون بتفاؤل حذر مجريات مفاوضات السلام التي انخرطت فيها الحكومة الانتقالية مع المتمردين بعد أن بلغت مراحلها النهائية وسط مسار متعثر، ما يؤسس لوضع حد للحروب الأهلية والاضطرابات المسلحة. ويتخوف البعض من وجود عراقيل تهدد إفشال تطبيق اتفاق السلام على الأرض بعد توقيعه. جوبا – انخرطت الحكومة السودانية وائتلاف من الجماعات المتمردة الخميس في المرحلة الأخيرة من محادثات السلام، والتي تنصب حول إنشاء جيش سوداني موحّد، ما يجعل الخرطوم على بعد خطوة واحدة من اتفاق سلام شامل ينهي عقودا من الاضطرابات والحروب الأهلية ويمهد الطريق نحو رفع التحديات التنموية والاقتصادية. ووصف الوسطاء المناقشات بأنها العنصر “الأهم” في عملية السلام في السودان والتي تهدف إلى إعادة الاستقرار إلى المناطق التي مزقتها الحروب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وقال الوسيط توتكيو غاتلواك في جوبا إنّ “الترتيبات الأمنية في مفاوضات السلام هي الفصل الأخير والفصل الأكبر. إذا تفاوضنا بشأن الترتيبات الأمنية بشكل جيد وبحسن نية نكون قد توصلنا إلى اتفاق سلام شامل”. ويرى عسكريون سودانيون أن إعادة تشكيل الجيش السوداني تحت أي مسمى (جيش موحّد، جيش قومي)، لا تتسق مع المنطق السليم، كذلك فإن الحديث عن دمج قوات الحركات فيه بنسب تتساوى وعدد الجيش الحالي في كل مستوياته ورتبه، من المفترض أن يجري وفقا لنظم وترتيبات أمنية وعسكرية متعارف عليها، كي لا يمثل ذلك خطرا عليها. ويتساءل مراقبون هل ستتم عملية دمج سريعة للحركات المسلحة داخل أجهزة الدولة الأمنية، كما هو معتاد في هذه الحالات، أم أنه ستتم إعادة هيكلة شاملة للأجهزة الأمنية وتكوينها من جديد متضمنة القوات العسكرية لهذه الحركات، باعتبار أن ذلك يشكل واحدا من أبرز مطالب الحركات المسلحة في التفاوض؟ ولا تمانع بعض الحركات المسلحة التي لا تمتلك قوات عسكرية كبيرة في دمجها بأي طريقة متاحة، ولا تمانع في مسألة تسريح هذه الجيوش على أن يكون ذلك بالتوازي مع عملية إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية الرسمية بالتدريج من خلال تنفيذ البنود غير العسكرية في اتفاق السلام. وتهدف محادثات السلام، التي بدأت في جنوب السودان في أكتوبر، إلى إنهاء النزاعات في ثلاث مناطق حيث خاض المتمردون حملات تمرد احتجاجا على تهميش الخرطوم لمناطقهم في عهد الرئيس المعزول عمر البشير. وارتفعت الآمال في التوصل إلى اتفاق بعد أن جعلت الحكومة الانتقالية السودانية بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إنهاء الصراع في هذه المناطق أولوية قصوى لها. وشملت القضايا التي تم الاتفاق عليها بالفعل الموارد وتقاسم السلطة، والحكم الذاتي لمنطقتي النيل الأزرق وكردفان. وقال الهادي إدريس يحيى، رئيس الجبهة الثورية السودانية وهو ائتلاف من تسع مجموعات متمردة تتفاوض مع الحكومة السودانية، “إنّ الأطراف اتفقت على أن تكون للجبهة الثورية ثلاثة مقاعد في المجلس السيادي الذي يدير البلاد حاليا”. وستحصل الجبهة أيضا على 25 في المئة من مقاعد البرلمان ومؤسسات الحكم التنفيذي المحلية، كما اتفق الطرفان على جدول زمني مدته 39 شهرا لفترة انتقالية بعد التوقيع على اتفاق سلام شامل. وأوضح يحيى “في نهاية المطاف الهدف الرئيسي للترتيبات الأمنية هو أن يكون لدينا ما نسميه بجيش سوداني موحد. بينما نتحدث الآن لدينا عدة جيوش وهي ليست حالة مثالية في بلد واحد أن يكون لديها أكثر من جيش”. وتتفاوض الحكومة بشكل منفصل مع تحالف آخر من الجماعات المتمردة هو الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال من جنوب كردفان، حيث يطالب هذا التحالف بدولة علمانية أو الحصول على حق تقرير المصير لمنطقتهم عوضا عن ذلك. وواجه مسار دارفور في اتفاق السلام عقبات عديدة نتيجة الانقسامات التي تشهدها الحركات المسلحة في الإقليم، والمقدر عددها بأكثر من ثمانين حركة معظمها صغيرة ومنشقة من أخرى كبيرة، بجانب أن حركة جيش تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور لم تشارك في المفاوضات ورفضت الاعتراف بمسار جوبا، الأمر الذي يخلق صراعات تطفو على السطح كلما خطت محادثات السلام خطوة إلى الأمام. ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
مشاركة :