قصة مشروع مائي يقود إلى تهديد الأمن والسلم الإقليميين | محمد أبوالفضل | صحيفة العرب

  • 7/17/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

شهد ملف سد النهضة ساعات ارتباك عصيبة، عقب إعلان إثيوبيا بدء ملء السد، وتلميح السودان إلى ذلك، قبل أن تتراجع أديس أبابا وتقول إن تصريحات رسمية أسيء فهمها، فيما طلبت مصر منها توضيحا عاجلا وسط دعوات شعبية إلى الانسحاب فورا من اتفاقية “إعلان المبادئ”، التي أبرمتها القاهرة مع أديس أبابا والخرطوم، عام 2015، ما ينذر بولادة صراع إقليمي جديد محوره هذه المرة الثروة المائية. القاهرة – تزايد اللغط حول مشروع سد النهضة الإثيوبي الأيام الماضية، وأخفقت الكثير من الجولات التفاوضية في التوصل إلى اتفاق يرضي الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، وجرى رفعه إلى منصتي مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، وخرج عن إطاره الثلاثي ليصبح قضية إقليمية ودولية لا تتوقف الفتاوى والآراء السياسية فيها، بعد أن تحول إلى قضية شعبية، ولم تعد مناقشاته قاصرة على النخبة. دعت حملة شعبية في مصر الخميس السلطات الرسمية إلى الانسحاب فورا من اتفاقية “إعلان المبادئ” التي أبرمت بالخرطوم في مارس 2015، بين الدول الثلاث، وفيها أكدت قيادات الدول الثلاث مشروعية سد النهضة، مع تحديد الضوابط القانونية لمنع الإضرار وتوفير الضمانات الملزمة في ملء خزانه وعناصر التشغيل والأمان، وكل ما له علاقة بتجنب أي تداعيات فنية سلبية في المستقبل. وأطلقت الحملة على نفسها اسم “باطل”، عقب إعلان إثيوبيا الأربعاء بدء ملء خزان السد بالمياه، ولم يحل التضارب والتراجع عن تصريح الملء دون وقف الحملة، ودعت الحملة القوى السياسية بمختلف توجهاتها داخل مصر وخارجها إلى تجاوز أي خلافات وتوحيد موقفها ضد التنازل عن نهر النيل، داعية إلى استفتاء شعبي أو إليكتروني على الاتفاقية، ما يشي بارتفاع مستويات التحديات في الأزمة المصيرية. تعد مياه النيل شريان الحياة أو الموت بالنسبة للمصريين وقياداتهم على مر التاريخ، وجرى العمل دوما على ضمان تدفقها بانسياب، ومكنت العلاقات المتميزة في الماضي القاهرة من الحفاظ على حصتها (55.5 مليار متر مكعب) بلا مساس. في كل مرة تطفو على السطح قضية إنشاء سدود في إثيوبيا أو غيرها من دول حوض النيل، كانت تتم بتفاهمات كبيرة ودون مغالطات أو عيوب فنية، حتى شرعت إثيوبيا في الإعلان عن بناء سد النهضة منذ تسعة أعوام، وبعدها حدثت خلافات عميقة مع مصر التي لم تنكر حق أديس أبابا في السد وما ينطوي عليه من أهداف تنموية. انحرفت القضية عن هذا المسار، وأخذت أبعادا سياسية صعبة، واستثمرت إثيوبيا حالة من الغياب المصري عن القارة الأفريقية عقب محاولة اغتيال الرئيس الراحل حسني مبارك في أديس أبابا 1996، على يد مجموعة متطرفة قدمت من السودان. تحولت مصر من النقيض إلى النقيض في اهتمامها بأفريقيا منذ ذلك الوقت، وفي القلب منها دول حوض نهر النيل التي تمثل ركيزة أساسية في التوجهات العامة على مدار التاريخ، وكل عيون الحكام منذ الآلاف من السنين كانت منصبة على هذه المنطقة ولم تتخل عنها في السراء والضراء، وهو ما كوّن حزام أمان للدولة المصرية بدأ ينفرط مع التهاون في التوجهات المختلفة نحو القارة والانسحاب من الفعاليات المهمة بها. لدى إثيوبيا الكثير من الأحلام للاستفادة من المياه المتدفقة بغزارة في أراضيها، ولدى الكثير من خصوم مصر العديد من الأحلام أيضا لمضايقتها عبر هذه الخاصرة الجنوبية، والتي يدركون أهميتها الحيوية، وتضافرت كل من الرغبتين للنيل من مصر في شكل مشروع سد النهضة وتحويله إلى هاجس مستمر، والذي بدأ بغرض توليد الكهرباء لإثيوبيا، ثم استقر في خندق المشروع القومي الذي تلتف حوله الشعوب الإثيوبية لمنع انفجار تناقضاتها البينية، وقفزت عليه بعض الجهات ليكون المنغص الدائم لمصر، وصرفها عن بعض الأزمات الإقليمية. جاء هذا الأمر على هوى من يريدون مناكفة مصر، مثل تركيا وقطر، وقبلهما ومعهما إسرائيل، والتي لم تخف شغفها مبكرا بشرق أفريقيا ودول حوض النيل، ولها باع طويل في التغلغل داخل دول القارة، وامتلاك أدوات استراتيجية مؤثرة في حروبها الطويلة مع مصر، ولم تحل اتفاقية السلام مع القاهرة دون وقف الحرب الباردة معها. استفاد الجميع من غياب مصر الطويل عن القارة في النصف الثاني من عهد مبارك وحتى عزله عن الحكم في فبراير 2011، في تكريس صورة نمطية سلبية عن مصر، ووضعها في خانة الدولة “الاستعمارية المتغطرسة”، وهو ما دفع إثيوبيا إلى تدشين مشروعها العملاق بمفردها، خاصة أن الخطوة جاءت في خضم انشغال مصر بتداعيات الثورة التي أسقطت حكم مبارك، وجلبت معها فوضى لم تمكن المسؤولين من الالتفات جيدا لما يدور في منطقة حوض النيل من مخاطر ومؤامرات. وضعت أديس أباب حجر أساس سد “إكس” ثم “الألفية” ثم استقرت على مسمى “النهضة” في 2 أبريل 2011، ولم تقم بإخطار مصر والسودان مسبقا، حسب الاتفاقيات التاريخية المبرمة بينها، وكرست بذلك لسياسة الأمر الواقع التي تلازمها حتى الآن، مستفيدة من عنصر الوقت إلى أقصى درجة. يتكون السد من جزأين، الأول خرساني بارتفاع 145 مترا وطول 1.8 كلم وسعة تخزين 74 مليار متر مكعب، وألحقت به محطتا توليد كهرباء بقدرة 6000 ميغاوات، ويقع سد النهضة في منطقة تتكون من صخور متحولة وأخرى بركانية بازلتية تعاني من تشققات وفوالق، ما يزيد من الفواقد ويقلل نسبة الأمان، ومنسوب أرضية السد تبلغ 500 أمتار فوق سطح البحر. ووفقا للمواقف المعلنة تريد إثيوبيا اقتطاع جزء من حصة مصر في مياه النيل الواردة من النيل الأزرق، وتمثل نحو 95 في المئة، من نسبة 55.5 مليار متر مكعب تتحصل عليها بحكم اتفاقيات تاريخية، وتسعى للتشكيك فيها، ما يمنحها الفرصة للطلب المتكرر بإعادة النظر فيها، تمهيدا للوصول إلى فكرة بيع النسبة التي تحتاجها مصر. وتقع مصر ضمن حزام المناطق الجافة والصحراوية وتحصل على 98 في المئة من مواردها المائية من نهر النيل ونصيب الفرد من المياه حاليا لا يتعدى 550 مترا مكعبا سنويا، وهو أقل من حد الفقر المائي، ومتوقع أن يقل نصيب الفرد من المياه إلى 350 مترا مكعبا بحلول عام 2050 للزيادة السكانية والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية. وتفوق الاستخدامات المائية الموارد المتاحة بنحو 40 في المئة وتتم تغطية العجز المائي بإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي، ومن المخزون الجوفي في الوادي والدلتا الناجم عن تسرب مياه نهر النيل والترع. ويقول وزير الري المصري السابق نصر محمد علام إن أضرار سد النهضة كنتيجة طبيعية للملء المتكرر بعد فترات الجفاف، والفواقد الكثيرة من بخر وتسرب، وأي نقص في إيراد النهر سوف تضطر معه البلاد إلى استخدام مخزون بحيرة السد العالي للتعويض، وبالتالي حدوث نقص في الاستخدامات المائية، ما يعني بوار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وانخفاض منسوب المياه الجوفية، وتداخل مياه البحر في الدلتا وزيادة ملوحة الأراضي، ومشاكل للملاحة النهرية وتهديد الثروة السمكية. ولن تستطيع إثيوبيا الحصول على حصة مائية من خلال التفاوض مع مصر والسودان لوجود اتفاقيات تحرم المساس بمياه النيل الأزرق والسوباط، والطريق الوحيد أمامها الاستقواء بدول الهضبة الاستوائية للمطالبة بإلغاء الاتفاقيات القديمة واعتماد اتفاقية عنتيبي لإعادة توزيع مياه النيل على دوله مجتمعة، بمعايير منحازة لدول المنبع، وقد يكون هناك تنسيق مع دول بعينها للانضمام إلى عنتيبي لبدء التفاوض، ما يتطلب سنوات للتوصل إلى حل. ذهب عصر مبارك بكل حماقاته، لكن لم تذهب معه الكثير من أخطائه التي مكنت إثيوبيا من مواصلة رؤيتها المتشددة دأبت إثيوبيا على إثارة هذه النقطة وتقديمها على أنها مجحفة لها ولغيرها، ويبين سياقها أن ما ينحسب على الالتزام بالحدود البرية التي ورثتها الدول الأفريقية عن الاستعمار ينسحب عليها ودون تغيير منعا لتفجر المشكلات وخوفا من فتح ملفات يمكن أن تؤدي إلى أزمات يصعب احتواؤها. والنظر في حقيقة هذه الاتفاقيات يبرهن على أنها استندت إلى جوانب منطقية حتى لو جرى توقيعها في العهد الاستعماري. الناظر إلى اتفاقية 1902 بين بريطانيا ممثلة عن مصر والسودان مع إمبراطور إثيوبيا مينليك الثاني، يجد فيها تعهدا صريحا بعدم تشييد سدود أو منشآت على بحيرة تانا والنيل الأزرق ونهر السوباط إلا بموافقة بريطانيا وما يسمى في ذلك الوقت بـ”السودان المصري البريطاني”. كما أن اتفاقية 1929 بين مصر المستقلة وقتئذ وبريطانيا نيابة عن السودان ودول الهضبة الاستوائية، أوغندا وتنزانيا وكينيا، تنص على عدم إقامة مشروعات على النيل أو روافده أو البحيرات إلا بعد موافقة مصر. أضف إلى ذلك أن المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا (نيابة عن أوغندا) بعد ثورة يوليو 1952 في مصر وحتى يناير 1953 أقرت باتفاقية 1929 لإنشاء خزان أوين على مخرج بحيرة تانا لتوليد الكهرباء لصالح أوغندا وكينيا. وأثبتت المخاطبات الرسمية بين مصر وأوغندا عام 1991 اتفاقية 1929 وأقرت بما جاء فيها، حيث طلبت كمبالا من القاهرة الموافقة على توسعة خزان أوين. وحتى اتفاقية 1959 تشكك فيها إثيوبيا، بين مصر والسودان لتقسيم الحصص المائية بينهما، واقتسام أي عجز مائي نتيجة موافقة الدولتين على تخصيص مياه أو الموافقة على مشروع مائي لأي من دول الحوض. علاوة على اتفاقية إطارية للتعاون بين مصر وإثيوبيا في الأول من يوليو 1993، وتعهد فيها البلدان بالتعاون في الاستغلال المشترك لمياه النيل مع عدم الإضرار. كل هذه الاتفاقيات تؤكد مشروعية المنطق المصري في الدفاع عن رؤيته في التعامل مع مشروع سد النهضة، فلماذا لم تتمكن القاهرة من بلورته بشكل عملي، وإقناع إثيوبيا أو الضغط عليها للالتزام بها، أو تعديلها بما لا يؤثر على مصالح الجميع؟ طرحت أديس أبابا مشروعها واصطحبت معه خطابا حادا وشعبويا في ظل أجواء غير مواتية لها على الجبهة المصرية، والتي كانت منخرطة في أزماتها الداخلية، فذهب عصر مبارك بكل حماقاته، لكن لم تذهب معه الكثير من أخطائه التي مكنت إثيوبيا من مواصلة رؤيتها المتشددة. فطوال حكم الإخوان، من يونيو 2012 إلى يونيو 2013، تكرست رغبة إثيوبيا في تشييد السد بالطريقة التي تريدها، فقد استمرت جماعة الإخوان في ترتيب الأوضاع في الداخل لتثبيت حكمها، وأهملت، كما أهمل غيرها من قبلها الجانب الأفريقي، بل ضاعفت الخطر عندما تبنت خطابا دعائيا خشنا ضد إثيوبيا، وهي لا تملك من أدواته شيئا، لكنها خلفت المزيد من الاحتقانات في إثيوبيا. انتهى حكم الإخوان، ولم يلتفت الحكم الجديد تحت رئاسة المستشار عدلي منصور الرئيس المؤقت، والذي كان مشغولا بترتيب الأوضاع ما بعد الإخوان، إلى القضية، إلى أن وصل إلى الحكم الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي في يونيو 2014، وبدأ في ضبط الدفة مع إثيوبيا عندما استقرت نسبيا أمامه الأمور، وتصور أن الطريق التفاوضي أفضل طريق للحفاظ على المصالح المصرية، وهو الطريق الذي جرته إليه إثيوبيا دون أن تقدم تنازلا واحدا حتى الآن. تعود قصة المفاوضات إلى شهر نوفمبر 2011 عندما تم الاتفاق بين الدول الثلاث على تشكيل لجنة دولية لتقييم الدراسات الإثيوبية لسد النهضة من عضوين من كل دولة، وأربعة من الخبراء الدوليين في مجالات المياه والهندسة الإنشائية والبيئة والآثارالاقتصادية لتقييم الدراسات الإثيوبية، وأصرّت أديس أبابا على أنّ تكون توصيات اللجنة استشارية. قامت اللجنة بمراجعة 12 تقريرا فنيا عن سد النهضة، وأصدرت تقريرها النهائي في 31 مايو 2013 وباعتماد الدول الثلاثة، وطالبت بإعادة جميع الدراسات، وقالت إن التصميمات الإنشائية لأساسات سد النهضة الخرساني لا تأخذ في الاعتبار انتشار الفواصل والتشققات المتواجدة في الطبقة الصخرية أسفل السد ما يهدد بانزلاقه وانهياره، وإثيوبيا لم توفر التصميمات الإنشائية للسد الركامي، والدراسات الهيدرولوجية لم تراع سياسة تشغيل السد وفواقده المائية، وأهملت تأثير التغيرات المناخية على تدفقات نهر النيل الأزرق والآثار المحتملة على مصر والسودان. ويؤكد خبراء الري أن الدراسات البيئية تجاهلت تقييم تأثير السد على تدهور نوعية مياه النيل الأزرق والتنوع البيئي ومصايد الأسماك ببحيرة سد الروصيرص في السودان، وفي بحيرة ناصر (السد العالي) في مصر، ولم تشمل الدراسات تقييم آثار حجز المواد الرسوبية أمام السد على زيادة معدلات النحر في قاع وجسور النيل الأزرق خلف السد وتأثير ذلك على الزراعة وصناعة الطوب الأحمر في السودان. ونص تقرير اللجنة على أن تصميم سد النهضة لم يأخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية في تحديد ارتفاع وحجم السد، وعدم طرح بدائل فنية قد تكون أصغر في السعة والارتفاع وأكثر جدوى لإثيوبيا وأقل ضررا على دولتي المصب. اجتمع وزراء المياه في الدول الثلاث في 4 نوفمبر 2013 في مدينة الخرطوم للنظر في كيفية تنفيذ ومتابعة توصيات اللجنة الدولية بالسودان، وطالبت إثيوبيا بعدم الاستعانة بخبراء دوليين والاكتفاء بلجنة من المحليين لمتابعة تنفيذ توصيات اللجنة الدولية، وعدم إعادة الدراسات الإنشائية للسد، وهو ما رفضته مصر، وتكررت المواقف في اجتماعين تاليين بالخرطوم في شهري ديسمبر ويناير 2014. وعقد اجتماع رابع بالخرطوم في 25 أغسطس من نفس العام، وتم الاتفاق على خارطة طريق للانتهاء من دراسات السد في ستة أشهر تنتهي في أول مارس 2015. وأوضح نصر علام في دراسة له حول عملية التفاوض، أن الاجتماعات فشلت في إحراز تقدم حقيقي حتى تم الوصول إلى توقيع اتفاق إعلان المبادئ في مارس 2015 بالخرطوم وحدد 15 شهرا لإتمام الدراسات والتوافق على مخرجاتها. وتركزت اللقاءات التالية على اختيار مكتب استشاري دولي لاستكمال دراسات السد وسط خلافات حادة، إلى أن تم الاستقرار على اختيار شركتين فرنسيتين، قامتا بإعداد التقرير الاستهلالي الذي رفضته إثيوبيا والسودان، وتم الاتفاق على إرسال أديس أبابا الملاحظات للمكتب الاستشاري، لكنها لم تفعل وتوقفت الدراسات منذ عام 2017. واقترحت إثيوبيا تشكيل لجنة علمية من أساتذة الجامعات من الدول الثلاث، خمسة من كل دولة، وتكون توصياتهم غير ملزمة بهدف التعاون العلمي مع اللجنة الثلاثية. وتوقفت اجتماعاتها، ثمّ بدأت مرة ثانية للنظر في مقترح اللجنة العلمية المصرية بخصوص سياسة ملء وتشغيل السد، وهو ما رفضته إثيوبيا. ومن طاولة تفاوضية إلى أخرى حتى وصلت مصر إلى المأزق الراهن الذي جعل الخيارات أمامها محدودة، فلا تستطيع التنصل من المفاوضات التي أمضت فيها نحو تسع سنوات، ولا تسطيع تغيير الدفة بأخرى، حتى وضع الملف في عهدة مجلس الأمن ولا أحد يعرف بالضبط إلى أي اتجاه سوف يسير، بل يمكن أن يجمد القضية إلى حين دراستها عبر لجان فنية، ولو اتخذ قرارا لا أحد يضمن تطبيقه، إذا اقتنع بالمنطق المصري أن أزمة سد النهضة تهدد الأمن والسلم الدوليين. في كل الأحوال، جرت إثيوبيا مصر إلى المربع الذي أرادته، من جولة تفاوضية إلى أخرى ومن عاصمة إلى أخرى، ولم تعد إثيوبيا مستعدة للتنازل، ولا تستطيع مصر التفريط في حصتها بنسبة كبيرة، ما يجعل الأزمة تراوح مكانها على هذا المنوال. يرى البعض من المراقبين أن القيادة المصرية تعاملت بحسن نوايا أكبر من اللازم مع إثيوبيا التي لم تغير حساباتها ولا مواقفها، على الرغم من تبدل ثلاثة رؤساء للوزراء فيها، ما يعني أنها تعرف ماذا تريد، وكيف تحقق ما تريد. وعلى العكس في الجهة المقابلة، حيث وضعت القاهرة كل بيضها في سلة واحدة، لا تعرف حتى الآن كيف تنتقل إلى سلة أخرى، بعد أن امتلأت الأولى بالفشل، وهو الاختبار الحاد الذي يواجه الدولة المصرية، في ظل تحديات لا تقل خطورة على الجبهة الغربية، حيث تحشد تركيا الآلاف من المرتزقة في اتجاه شرق ليبيا، فكيف توفق القاهرة بين أزمتين مصيرتين؟ وهل تتمكن من تجاوزهما دون تكاليف باهظة؟

مشاركة :