يجمع خبراء ومسؤولون على أن دخول العراق في معركة شاملة ضد لوبيات الفساد لاستعادة سيطرة مؤسسات الدولة على عائدات المعابر الحدودية سيخدم خطط الحكومة للنهوض بالاقتصاد المنهك ووضعه في طريق التعافي من تداعيات أزمة الوباء والحروب التي دمرت أساسات نمو ثاني أكبر منتج للنفط في العالم. بغداد - تشكل الخطة التي أطلقتها الحكومة العراقية لوقف تسرب حصيلة الرسوم الجمركية والضريبية من التجارة عبر المنافذ الحدودية والموانئ إلى جيوب الفاسدين خطوة أولى لقطع الطريق أمام أي محاولة لزيادة تغول إيران في البلاد. ويعاني العراق العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) من وضع اقتصادي صعب منذ الاحتلال الأميركي في عام 2003 وما أعقبه من فوضى أمنية دمرت أسس الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط. ويقول محللون إن المعابر الحدودية والموانئ التجارية تعتبر أحد أكبر المجالات التي نخرتها آفة الفساد منذ العام 2007 أي بعد إعدام الرئيس الراحل صدام حسين. ولكن يبدو أن مصطفى الكاظمي، الذي تولى منصبه قبل أسابيع لديه رأي آخر بشأن طريقة مكافحة ظاهرتي الفساد والتهريب اللتين تعدان من بين الأسباب التي جعلت العراق يدخل في دوامة من الأزمات المالية المزمنة. ويقدر حجم ما تفقده الدولة من الأموال، التي تذهب إلى الميليشيات المرتبطة بإيران، بنحو ثمانية مليارات دولار سنويا، غير أن البعض يعتقد أنه أكثر بكثير من ذلك. وشدد الكاظمي خلال ترؤسه جلسة للحكومة بمحافظة البصرة الأربعاء الماضي على موقف السلطات القاطع بالسيطرة على المنافذ الحدودية والموانئ البحرية ومحاربة الفاسدين. 24 معبرا حدوديا بريا وبحريا للعراق مع 6 دول توفر عائدات بقيمة 9 مليارات سنويا وقال إن “الموانئ والمنافذ الحدودية يجب أن تكون تحت سلطة القانون وليس بيد الفاسدين”، كاشفا عن خطة لإصلاح النظام المالي والإداري “للتحرر من عبودية النفط”. وأكد الكاظمي أن الاعتماد على النفط تجربة فاشلة، وأن سبب قلة الأموال في الوقت الحالي هو سوء الإدارة والاعتماد المطلق على عائدات الطاقة. ووفق الإحصائيات الرسمية، يرتبط العراق مع جيرانه وهي السعودية والكويت وسوريا والأردن وإيران وتركيا عبر 24 منفذا حدوديا بريا وبحريا. وقد استغلت إيران حالة الفوضى لتستفيد من المعابر الحدودية العراقية حيث يؤكد اقتصاديون أنها من يتحكم فيها من خلال أدواتها من ميليشيات وقوى وأحزاب سياسية شيعية. وتظهر بيانات رسمية لوزارة المالية العراقية أن حجم الواردات السنوية من المعابر تبلغ أكثر من 9 مليارات دولار، لكنها لا تصل إلى خزينة الدولة. وكانت قيادة العمليات المشتركة قد أعلنت وضع خطة متكاملة لمسك كافة المنافذ الحدودية البرية والبحرية لمحافظة البصرة بالتنسيق مع هيئة المنافذ الحدودية. وقالت في بيان “لقد تم تكليف عمليات البصرة بالسيطرة التامة على منفذ الشلامجة مع إيران ومنفذ صفوان مع الكويت وتكليف القوة البحرية بالسيطرة الكاملة على المنافذ البحرية في ميناء أم قصر الشمالي والأوسط والجنوبي”. وتم تعزيز القيادتين بقوات من احتياطي القائد العام للقوات المسلحة وتخويلهما بجميع الصلاحيات لفرض الأمن وإنفاذ القانون في هذه المنافذ والتعامل المباشر مع أي مخالفة للقانون أو حالة تجاوز مهما كانت الجهات التي تقف وراءها وفرض هيبة الدولة وحماية المال العام. وأشرف الكاظمي قبل أيام على عملية سيطرة القوات العسكرية المشتركة على منفذي المنذرية ومندلي في محافظة ديالى بين العراق وإيران للحد من عمليات التهريب ومكافحة الفساد. واستئناف التبادل التجاري بين العراق وإيران الأربعاء عبر منفذ مندلي بعد توقف دام أكثر من أربعة أشهر بسبب انتشار وباء كورونا أنعش آمال الآلاف من العاطلين عن العمل. وسيعمل المنفذ لمدة يومين فقط أسبوعيا، وسيتم في كل يوم تبادل 250 إرسالية فقط، كما سيوفر المئات من فرص العمل مما يساهم في خفض نسبة البطالة بالمحافظة، فضلا عن حصول المحافظة على عائدات مالية تساهم في توفير الخدمات للسكان. وأوضح مازن الخزاعي مدير ناحية مندلي بالوكالة، وهو أعلى مسؤول إداري في البلدة، أن مدير منفذ مندلي السابق تم إعفاؤه من منصبه بناء على أوامر عليا من الحكومة المركزية، وأن شخصية أخرى استلمت مهام إدارة المنفذ. ونسبت وكالة شينخوا للخزاعي قوله “إن إعادة فتح المعبر، الذي أغلق قبل نحو أربعة أشهر بسبب كورونا، سيؤمن ألفي فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة لمختلف المهن“. وافتتح منفذ مندلي، الذي أصبح ملف إدارته من اختصاص قوات الرد السريع بناء على قرار من الكاظمي، قبل نحو ثماني سنوات بعد توقف دام أكثر من 30 سنة بسبب تداعيات الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي. ويقول جاسم غني، الذي يعمل حمالا في معبر مندلي، “إن المعبر يوفر قبل إغلاقه بسبب جائحة كورونا فرص عمل جيدة كشباب عاطلين بسبب المرتبات المناسبة نوعا ما في ظل محدودية الفرص بالأساس في مدن شرق ديالي خاصة مع انهيار الزراعة”. ولم يخف سعادته باستئناف التبادل التجاري عبر معبر مندلي لأنه سيعود للعمل خاصة وأنه ينتمي إلى أسرة فقيرة، مشيرا إلى أن توقف العمل بالمعبر تسبب في أضرار بالغة لعدم وجود بديل. يذكر أن العراق قرر منتصف شهر مارس الماضي وقف التبادل التجاري مع إيران والكويت، بسبب انتشار مرض كوفيد – 19 وأغلق حدوده معهما. ويؤكد الخبير الاقتصادي إبراهيم الربيعي أن ديالي تمتلك معبرين حدوديين مع إيران هما مندلي والمنذرية، وكلاهما يعانيان من تدخلات قوى متنفذة منذ سنوات، خاصة في مندلي الذي أغلق العام الماضي بعدما وصلت التجاوزات والخروقات إلى حدود خطيرة جدا. ويرى أنه لو تم تطبيق الإجراءات الصحيحة في المعبر فإن ذلك سيغذي خزينة الدولة بمليارات الدنانير سنويا. وقال لوكالة شينخوا “هناك قوى متنفذة بعضها تمتلك أجنحة مسلحة كانت تحاول فرض إرادتها وحصلت إشكالات معروفة للرأي العام حتى أنه جرى تدوينها في تقارير رسمية رفعت إلى رئاسة الوزراء، وهذا ما كان سببا في إغلاق المعبر لأشهر خلال 2019”. وتضرّر ثاني أكبر منتجي منظمة أوبك بعد السعودية جراء ضربة مزدوجة، أولاهما بانهيار أسعار النفط، وثانيتهما بجائحة كورونا، ما أثر بشكل دراماتيكي على عائداته من النفط. وبلغ متوسط إيرادات العراق الشهرية من النفط نحو 1.4 مليار دولار، أي أقل من ثلث مبلغ الأربعة مليارات ونصف المليار التي تحتاجها البلاد شهريا لدفع رواتب الموظفين في القطاع العام والتعويضات والتكاليف الحكومية. ومع ازدياد التوقعات المالية سوءا يوما بعد يوم، لجأت بغداد إلى الاقتطاع من الرواتب العامة الضخمة في خطوة اصطدمت برفض شعبي كبير خاصة في صفوف المتقاعدين.
مشاركة :