مع تعثر سوق الأوراق المالية الصينية على مدى الشهر الماضي، بدأ بعض أصحاب الشقق الأثرياء في البيع؛ وأصبحت المراكز التجارية أكثر هدوءًا، وطلب العملاء في مراكز بيع السيارات في مختلف أنحاء البلاد تأجيل دفع ثمن السيارات التي طلبوها وتأجيل تسلمها. في الوقت الذي عاودت فيه أسعار الأسهم الارتفاع قليلا على مدى الأيام القليلة الماضية، لا يزال الكثير من أصحاب الأعمال في الصين يشعرون بالتوتر، حيث بدأوا يلاحظون فتور اقتصادي واضح. وقال كوي دونغشو، الأمين العام لاتحاد سيارات الركاب الصينية، الذي يمثل المصنعين يوم الجمعة: «بطبيعة الحال لم تعد مبيعات السيارات إلى مستوياتها الطبيعية، حيث لا يزال يشعر الناس بالقلق البالغ. إنهم يشعرون أن الارتفاع الذي شهدته سوق الأوراق المالية اليوم لن يستمر على الأرجح». وحتى في حال الارتفاع، لقد اختفت 3.1 تريليون في قيمة السوق، والتي تم تمويل القسم الأكبر منها بأموال مقترضة، منذ منتصف يونيو (حزيران). ويشعر الكثير من الخبراء بالقلق من حجم الضرر، الذي يتعرض له الاقتصاد الصيني، خاصة إذا استمرت أسعار الأسهم في الانخفاض. كذلك قد تتأثر ثقة المستهلك، مما يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي في البلاد، وعلى اقتصاد دول أخرى تعتمد على صادراتها إلى الصين. ومن الواضح أن الحكومة تشعر بالقلق من الانهيار المحتمل في وقت يشهد النمو فيه تباطؤا بالفعل. على مدى الأسابيع القليلة الماضي، اتجهت بكين بقوة نحو دعم الأسهم، وهو ما يساعد في تحقيق الاستقرار في السوق. وقال دونغ تاو، كبير خبراء الاقتصاد في مصرف «كريدي سويس»: «تعد مشكلة سوق الأسهم بمثابة أزمة قلبية. الأولوية في الوقت الحالي هي لوقف النزيف والسيطرة على المخاطرة المنهجية». وقد يتخذ الضرر الاقتصادي شكلين. ويتمثل الشكل المباشر فيما يسمى تأثير الثروة. وربما يتراجع مستوى شراء المستهلكين الصينيين في حال شعورهم بتراجع وضعهم المالي بعد خسائر سوق الأوراق المالية. وتكمن المخاطرة الأكثر تعقيدا في حال تسببت الخسارة المالية الصينية في مشاكل لم يتم إدراكها بعد في المنتجات المتنوعة في البلاد. وقد ظهرت الكثير من تلك المنتجات على مدى العام الماضي مما سمح لمستثمرين باقتراض مبالغ هائلة، والسيطرة على كمية كبيرة من الأسهم. ويعد الضرر محدودا حتى هذه اللحظة؛ حيث لم تؤد اضطرابات سوق الأوراق المالية الصينية إلى خسارة عالمية على خلفية المخاوف من التباطؤ. وفي الوقت الذي يشعر فيه تجار السيارات، وسماسرة العقارات، وغيرهم من بائعي السلع ذات الأسعار المرتفعة، بالانزعاج من تراجع السوق، يقول رجال الأعمال الصينيون، الذين يبيعون سلع بسعر أقل بدءا بصناع القفازات، ووصولا إلى مصنعي جهاز الثقب، إنهم لا يشعرون بأي تأثير. وقال رافين غاندي، الرئيس التنفيذي لشركة «جي إم إم» للطلاءات غير اللاصقة ومقرها هونغ كونغ، وتبيع مواد كيميائية يستخدمها صناع الأجهزة المنزلية لصناعة آنية طهي الأرز والمقليات: «الأمور تسير على ما يرام حتى هذه اللحظة». هؤلاء المصنعون «لا يرون أي انهيارات على مستوى تلك التي شهدناها في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2008 أثناء الأزمة المالية العالمية». ما خفف من حدة الاضطرابات الاقتصادية هو عدم اتساع نطاق امتلاك الأسهم، ولأن فترة تراجع السوق لم تتجاوز بضعة أسابيع. وسيحدد مسار الأحداث خلال الأشهر المقبلة التأثير الاقتصادي النهائي. في حال عودة السوق إلى الانتعاش، من غير المرجح أن يتعرض إلى ضربة قوية. أما في حال استمرار بيع الأسهم في سوق الأوراق المالية، قد يمتد الألم إلى مختلف الأنشطة الاقتصادية، وربما إلى مختلف أنحاء العالم. وتعد الصين حاليا المستورد الأكبر لسلع مثل النفط الخام، والنحاس، وهو ما يجعل الوضع في الكثير من الدول النامية يعتمد على استمرار صحة اقتصاد البلاد. كذلك تعد الصين أكبر سوق للسيارات، وأجهزة التلفزيون ذات الشاشة المسطحة، وأجهزة «آيفون» من «آبل». ولأن ثروة الصين تأثرت كثيرا بخسائر سوق الأوراق المالية، من المحتمل أن تتراجع مبيعات السلع الفاخرة التي تنتجها علامات تجارية غربية أوروبية وأميركية. وقال براين باتشوالد، أحد مؤسسي شركة «بومودا» والرئيس التنفيذي لها، وهي شركة تعمل في مجال أبحاث المستهلك في نيويورك وشنغهاي: «إنها متركزة في دائرة الأشخاص غير المناسبين بالنسبة إلى الكثير من تلك الشركات الغربية». وتؤتي محاولات الحكومة ثمارها؛ حيث بدأت السوق تتعافى يوم الخميس، واستمر التعافي حتى يوم الجمعة. وشهدت سوق شنغهاي للأوراق المالية ارتفاعا نسبته 4.5 في المائة، بينما شهدت سوق شنزين ارتفاعا نسبته 4.1 في المائة بفضل عمليات شراء ضخمة قامت بها مؤسسة الصين للأوراق المالية والعقود الآجلة. مع ذلك كان دعم سوق الأوراق المالية أسهل بالنسبة للحكومة لتوقف تداول نحو 50 في المائة من أسهم الشركات المدرجة. وبفضل هذا تمكنت الحكومة من تركيز مشترياتها على أسهم الشركات المدرجة التي لا تزال نشطة. ومهمة مؤسسة الصين للأوراق المالية والعقود الآجلة المملوكة للدولة المساعدة في ضمان قدرة شركات السمسرة ذات رؤوس المال الصغيرة على الحفاظ على هامش إقراض لمشتري الأسهم حتى في وقت الأزمات. وبعد تقديم مبالغ مالية هائلة للمساعدة في الإبقاء على القروض المقدمة إلى مشتري الأسهم في الساحة الاقتصادية الشاملة، بدأت المؤسسة نفسها في شراء أسهم. وقال لو وينجي، خبير استراتيجي للأسواق المالية في «يو بي إس»، إن مؤسسة الصين للأوراق المالية والعقود الآجلة «تحظى حاليا بدعم ائتماني غير محدود من البنك المركزي». وتشبه استراتيجية الصين كثيرا ما اتخذته حكومة هونغ كونغ من خطوات من أجل معالجة خسائر سوق الأوراق المالية عام 1998، وفي ذلك الوقت عادت الأزمة المالية الآسيوية، وسرعان ما اشترت هونغ كونغ أسهم بقيمة 15 مليار دولار من 33 شركة على مؤشر «هانغ سينغ». ويشير بعض خبراء الاقتصاد إلى احتمال إلى أن يكون تأثير تعثر سوق الأوراق المالية الصينية منذ 12 يونيو (حزيران) على الاقتصاد محدودا. وقال بول غروينوالد، كبير الخبراء الاقتصاديين الآسيويين في «ستاندرد آند بورز»، إن تأثير تلك التغيرات في الثروة المالية مثل الأوراق المالية على الإنفاق في الدول الآسيوية أقل من التغيرات في أسعار العقارات. ونظرا لامتلاك المستثمرين الأجانب أقل من 4 في المائة من أسهم الصين، سيكون تأثير الثروة على البلاد الأخرى محدودا. ويعتمد تأثير الثروة في الصين إلى حد كبير على عدد الأشخاص الذين يمتلكون أسهما. ويقول بعض الباحثين إن ملكية الأسهم في الصين تتركز في أيدي نخبة محدودة العدد فاحشة الثراء، وإن عامة الشعب خارج المجال. وأوضح آخر مسح لقطاع مال الأسر في الصين بجامعة «ساوث ويسترن» للمال والاقتصاد في تشينغدو بالصين أن 9 في المائة فقط من القطاع المنزلي ينخرط في مجال تداول الأسهم. واقترض نحو 6 في المائة من متداولي الأسهم هؤلاء المال من أجل القيام بذلك الأمر على حد قول لي غان، الأستاذ بجامعة «تكساس إيه آند إم» الذي ساعد في كتابة المسح والإشراف عليه. كذلك بلغت نسبة من يمتلكون صناديق تحوط من القطاع المنزلي 4 في المائة. وقال غان إن المسح أوضح أن رد فعل أكثر المستثمرين الأفراد على انخفاض أسعار الأسهم كان هادئًا، حيث بدأوا يعدلون من أوضاعهم بحرص وحذر. ورأى أن سبب انخفاض سوق الأوراق المالية بوتيرة سريعة، والانخفاض الحاد لهامش الدين، ما وصفه بالمجموعة الصغيرة نسبيا من المستثمرين الأثرياء الذين يقومون بمخاطرات كبيرة بأموال الجزء الأكبر منها قروض. وقال سو هوا، وكيل عقارات في شنزين، في جنوب شرقي الصين: «لقد تحدثت مع أصحاب شقق يريدون بيع شققهم في أسرع وقت ممكن نظرا لحاجتهم الماسة إلى النقود. ومقارنة بالوضع منذ أشهر قليلة ماضية، تراجع عدد الأفراد الذين يرغبون في شراء عقارات». ولا يغيب تأثير اضطرابات سوق الأوراق المالية عن صناعة السيارات؛ فيوم الجمعة خفض الاتحاد الصيني لمصنعي السيارات، وهو اتحاد مختلف عن الاتحاد الذي يترأسه كوي، تقديره لزيادة المبيعات خلال العام الحالي إلى 3 في المائة بعد أن كانت الزيادة المتوقعة في يناير (كانون الثاني) 7 في المائة. كذلك هناك مؤشرات تدل على تأثر البيع بالتجزئة على نحو أكبر رغم عدم توافر الإحصاءات القومية الخاصة بتلك المبيعات في الصين خلال شهر يوليو (تموز) قبل حلول منتصف أغسطس (آب). وقال كيو جيان، صاحب متجر أسلاك كهربائية في تشانغشا، في غرب الصين: «هناك تراجع في مجال العمل، حيث بالكاد يأتي أحد إلى منطقة التسوق هذه». وبسبب حالة التوتر السائدة، شعر بعض خبراء الاقتصاد بالقلق من زيادة مدى تأثر الصين. كذلك يشعرون بالقلق من عدم فهم أي شخص للمخاطر التي تترتب على حدوث خسائر حادة مفاجئة في الأوراق المالية في بلد رؤوس أموال الكثير من شركات السمسرة وإدارة الأصول صغيرة. كذلك عززت المنتجات المالية الجديدة التي ظهرت العام الماضي الشعور بعدم اليقين. وقال دونغ من «كريدي سويس»: «لهذا تحتاج بكين إلى وضع حد لهذا التوعك الآن، فلا أحد يستطيع إدراك حجم الخطر إلا بعد فوات الأوان». وأصدر لي كيكيانغ، رئيس الوزراء الصيني، بيانا يوم الجمعة يؤكد فيه ثقته في تحسن الاقتصاد خلال الربع الثاني من العام. وفي الوقت الذي لم يذكر فيه سوق الأوراق المالية، بدا أنه يلمح إلى وجود اضطرابات. وقال: «رغم وجود الكثير من التحديات والمخاطر طوال الطريق، لن نتخلى عن حذرنا، ولدينا قدرة على الحيلولة دون وقوع مخاطر إقليمية ومنهجية، وثقة في النجاح في هذا الأمر». * خدمة «نيويورك تايمز»
مشاركة :