أسعدنا صدور قرار مجلس الوزراء في الأسبوع الماضي بتغيير مسمى الهيئة العامة للسياحة والآثار لتصبح الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني. ومفردة (التراث) من المفردات المتداولة بكثرة في اللغة العربية وهي بمعناها اللغوي البسيط كل ما يخلفه الإنسان لورثته من بعده وهو متوارث وقابل للتوريث من بعده، وقد وردت كلمة تراث في القرآن الكريم وفي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وفي كلام العرب وأشعارهم في الجاهلية والإسلام. وأما في النطاق الثقافي فإن التراث يشمل موروثات مادية تتعلق بالأدوات والمقتنيات والمخطوطات كما يشمل موروثات معنوية وفكرية كالعادات والتقاليد والقيم والطقوس وما بينهما تأتي الفنون والحرف والمعارف الأخرى في حين قسّم الباحثون التراث الشعبي تحديداً إلى مجالات أربعة هي: 1 الأدب الشعبي: ويشمل الشعر والأهازيج والأمثال والقصص والألغاز وغيرها. 2 العادات والتقاليد: وتشمل دورة الحياة البشرية والمناسبات والأعياد والمواسم والمراسيم الاجتماعية والعلاقات الأسرية وغيرها. 3 المعتقدات والمعارف الشعبية: وتتناول الطب الشعبي والمعارف الفلكية والأفكار المرتبطة بحياة الإنسان وتصرفاته وغيرها. 4 الثقافة المادية والفنون الشعبية: وتتعلق بالحرف والصناعات اليدوية والألعاب والرقصات والغناء وما شابهها. والحقيقة أن سعادتنا لم تكن بتغيير مسمى الهيئة لأن تغيير الأسماء أو المسميات لا يشكل أهمية في حد ذاته إنما الأهمية في تغيير واقع التراث الوطني المهمل الذي أصبح كاليتيم التائه الذي ما فتئنا نكتب عن حالته التي لا يحسد عليها مع تقديرنا لاحتفالية الجنادرية الموسمية؛ فكفالة هيئة السياحة للتراث ربما تبعث الأمل للاهتمام به في سبيل تكريس الهوية الوطنية التي سحقت العولمة أطرافها ولا شك أنها ستساهم في توظيفه سياحياً وإعلامياً لأنه يعكس صورة للبعد التاريخي والتنوع الجغرافي في بلادنا إضافة إلى أن التراث الشعبي هو من وسائل الجذب والتسويق في جميع البلدان. وما جعلنا نتفاءل أكثر هو تصريح سمو رئيس الهيئة الأمير سلطان بن سلمان الذي وضع به النقاط على الحروف فيما يتعلق بتوجه الهيئة نحو التراث الوطني حيث رأى أن تحويل مسمى الهيئة يؤكد مكانة التراث الوطني واهتمام الدولة به كقطاع أصيل يرتبط بتاريخ المملكة ويمثل قيمة حضارية لوقع المملكة في التاريخ الإنساني، ويولي الهيئة مسؤولية جديدة لبلورة جهود ترسيخ الاهتمام بالتراث الوطني في نفوس المواطنين، وغرس قيم المواطنة وتعزيز الانتماء لهذه البلاد الطاهرة. وأشار إلى أن ملف التراث الوطني الذي أنيط بموجب هذا القرار بالهيئة يشكل مكوناً أساساً في الهوية الوطنية لذا فهو قطاع أصيل يمثل أولوية في العناية والتوظيف، إلى جانب كونه مورداً اقتصادياً وتنموياً مهماً، كما أن اسم الهيئة بعد التغيير أصبح أكثر تعبيراً عن مجالات عملها التي باتت تتجاوز قضايا الآثار والمتاحف، إلى امتدادات أخرى لا تهمش الاهتمام بالآثار بل تعمقه وترسخه من خلال النظر إليه بشمولية تعطيه القيمة الحقيقية التي يستحقها. وقد ذكر سمو رئيس الهيئة بأن هذا التغيير في مسمى الهيئة سيتبعه توسع لأنشطتها في العناية بالتراث الوطني، وإبراز هذه القضية وتقريبها من حياة المواطنين لتكون مصدر اعتزاز لهم، وليكونوا الحامي والمهتم الأول بالعناية بها وإبرازها، مؤكداً أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني باشرت بمجرد صدور القرار أعمالها بمسماها الجديد ومجالات عملها التي توسعت. وبالطبع فما زال الوقت مبكراً للدخول في التفاصيل ولكن سننتظر لتستكمل الهيئة ضم الأعمال الجديدة التي أوكلت إليها متمنين لها التوفيق في النهوض بتراثنا العريق الذي سيبقى جزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية الضاربة في أعماق التاريخ.
مشاركة :