لا أدري كيف تذكرت هذه الأيام_ ولعلي لم أنس _ القصيبي ومقالاته النارية أيام عاصفة الصحراء حيث كان الإعلام الخليجي في الأيام الأولى للغزو خائفاً ومرتبكاً وهزيلاً وضائعاً كما أكد عثمان العمير رئيس تحرير الشرق الأوسط آنذاك فما كان من القصيبي إلا كتب مقالاً قصيراً وأرسله عبر الفاكس إلى جريدة الشرق الأوسط فنشر عثمان العمير بكل شجاعة المقال في الصفحة الأولى من الجريدة فأعقب نشر المقال صمت ومع اليوم الخامس لنشر المقال بدأ الحماس وبدأت ردود الفعل وبدأ الشعور بالتعاطف واعتبر القصيبي هو لغة الخليج وسيفه ورمحه وصاحب الصوت الأعلى والأقوى والأكثر فعالية على حد تعبير العمير الذي يعتبر مقالات القصيبي (في عين العاصفة) انعطافة مفصلية بالنسبة للثقافة الخليجية على الأقل ويؤكد أن الخليج قبل غازي القصيبي كان يعاني من عقدة الصوت الخفيض إعلامياً بل كان مستهلكاً يتبضع سمعته وصورته من الآخرين؛ وبعد غازي اكتشف أنه يمكن الاكتفاء وحده والتعبير عن ذاته دون الحاجة للسوق المتواجدة في أزقة القاهرة وبيروت وباريس ولندن، وقبل غازي القصيبي كان المثقف الخليجي إما خويا أو منشدا أو مؤذنا فأصبح بعد غازي القصيبي صانع قرار وشاغل الناس. وقد أحسنت دار جداول للنشر والترجمة صنعاً عندما نشرت بالتعاون مع جريدة الشرق الأوسط العام الماضي كتاباً يجمع تلك المقالات الخالدة لتبقى شاهداً على التاريخ ووثيقة لتلك المرحلة بل وتقدم دروساً مجانية للكتّاب في كيفية الكتابة وأسلوبها عند الأزمات لأن تأثير القلم والكلمة لا يقل عن تأثير السلاح والعتاد بل إنها في أحيان كثيرة تكون أكثر تأثيراً وأقوى سطوة على النفوس فيجب أن يكون الإعلام الوطني رافداً للوطن في كل أزماته وعزماته. كان مقال القصيبي الأول في عين العاصفة بعنوان (المحايدون) التي ختمها بقول أبي الطيب المتنبي: يرى الجبناء أن العجز عقل وتلك خديعة الطبع اللئيم وقال فيها: "الحياد فضيلة عندما تكون المعركة بين شرّ وشرّ، ولكنه رذيلة عندما تكون المعركة بين حق وباطل" والحقيقة أن تذكُّر دور القصيبي وأمثاله في مثل هذه الأيام أمر يرفع المعنويات ليس لأننا نحلم بقصيبي آخر يكتب كما كان يكتب رحمه الله ولكن على الأقل لنؤكد أن أبناء الوطن قادرون على مجابهة الإعلام المضاد بأقلام نافذة وكلمات قاتلة ولذا فنحن لا نحتاج إلى قصيبي آخر لأنه لا يمكن أن يتكرر بقدر ما نحتاج إلى إعلام واع وأقلام مضيئة تتعامل مع الظروف المحيطة والأزمات الحاضرة وتدير دفة الرأي العام بكل شفافية فلا نتيح فرصة لأصحاب الأهواء وأصحاب الشائعات والأعداء والمغرضين فرصة ليبثوا سمومهم الناقعة التي ما لبثوا يبثونها طوال الأيام الماضية. وأخيراً أجدني أردد هذه الأيام أبياتاً من شعر القصيبي الصالحة لكل زمان ومكان مثل: ألوم صنعاء...يا بلقيس...أم عَدنَا؟! أم أمة ضيعت في أمسها يزَنا؟! ألوم صنعاء لو صنعاء تسمعني وساكني عدنٍ لو أرهفت أذنا ومثل قوله: عجباً كيف اتخذناك صديقا؟ وحسبناك أخاً براً شقيقا؟ وأخذناك إلى أضلاعنا وسقيناك من الحب رحيقا
مشاركة :