نكمل في هذه المقالة ما بدأناه في المقالة السابقة حول أسباب اهتمام الدول بتراثها الشعبي وفق ما أورده أستاذ الأدب الشعبي في جامعة القاضي عياض بمراكش الدكتور عبدالصمد بلكبير في أطروحته، حيث يرى أن أكثر الأقطار العربية عناية واهتماماً بالثقافة الشعبية في الوقت الحاضر هي دول الخليج العربي، باستثناء المملكة العربية السعودية التي يعدها الأقل عناية بالتراث الشعبي مقارنة بدول الخليج الأخرى، ويعزو ذلك إلى عدم حاجتها لهذا الجانب في تأكيد مظاهر السيادة والاستقلال خصوصاً أنها تعتمد لتحقيق ذلك على خطابها وزعامتها الإسلامية منوهاً بريادة الجهيمان والعقيلي وابن خميس في أبحاثهم. في حين يؤكد عناية دول الخليج الفائقة وتركيزها الاستثنائي في المأثورات الشعبية الذي يتمثل في سيل من المنشورات والرسائل الجامعية والندوات الدولية والمتاحف ويعد أبرز نماذج ذلك مجلة (المأثورات الشعبية) الصادرة في الدوحة، وهو يرى أن الدافع الاستراتيجي لذلك هو إثبات المشروعية للكيانات السياسية لدول الخليج اعتماداً على خصوصية شعوبها الثقافية في العادات والتقاليد والمأكل والملبس والحرف والاحتفالات والأمثال واللهجات وغيرها وذلك لافتقارها إلى مبررات في التاريخ الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي المكتوب! ويشير إلى أنه بسبب حداثة تشكلها السياسي فإن اهتمامها بموضوع التراث الشعبي أتى متأخرا غير أنه جاء كثيفاً ومدعوماً من قبل الإدارات السياسية بصفة استثنائية وذلك لإحساس هذه المجتمعات والدول بحاجتها الماسة إلى تثبيت خصوصياتها وما يسمح بتميزها واستحقاقها لأن تكون كيانات مستقلة وذات سيادة ورغم نقص المسوغات الجغرافية والتاريخية لذلك يلاحظ وبالأخص في السنوات الأخيرة أنواعاً من الاحتفال وبمختلف الأشكال والصيغ التي تبلغ التهافت والابتسار بكل ما يتصل بتقاليدهم ومأثوراتهم الشعبية، وفي جميع المجالات وتنظم لذلك الندوات والمؤتمرات الدولية والمجلات المختصة والرسائل الجامعية! فهو يرى أن الثقافة الشعبية في دول الخليج باستثناء السعودية تستعمل كمفهوم وكمواد لتزكية وضعية سياسية بالأساس هي لا تخدم ثقافة ولا تخدم شعباً بقدر خدمتها لإرادة انعزالية ضيقة، تخدم السلطة وعلاقاتها الدولية الخاصة! ورغم أني لست بصدد دفع هذه النظرة الحادة للباحث المغربي إلا أني أرى أنه قد شطح كثيراً في هذه الرؤية لأن دول الخليج العربي في اهتمامها بتراثها مع عدم استبعاد الجانب السياسي إلا أنها تنطلق من منطلق هويتها العربية التي لا شك فيها وتراث هذه الدول جزء من محددات هذه الهوية بل هو عمق من أعماقها في ظل التقارب بين الثقافات الشعبية لدول الخليج التي تتمايز بها عن بقية الدول العربية من هنا جاء تأسيس (مركز التراث الشعبي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية)، في مطلع عام 1982م كمؤسسة إقليمية خليجية مشتركة تنفيذا لقرار المؤتمر السادس لوزراء الإعلام بدول الخليج العربية، وقد أشهر كمؤسسة إقليمية تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة في ديسمبر 1983م، واتخذ من مدينة الدوحة عاصمة دولة قطر مقراً له، وأصدرت مجلة (المأثورات الشعبية) من خلاله واستمرت في الصدور حتى تم إغلاق المركز سنة 2005م وقد حقق المركز جهوداً تستحق التقدير سواء في جمع المأثور الشفهي أو الأبحاث والدراسات والندوات وكان إغلاقه خسارة ثقافية كبيرة.
مشاركة :