مسؤولون أميركيون يتحدثون عن إمكانية فرض عقوبات على أديس أبابا لإجبارها على تقديم تنازلات لتسهيل التوصل إلى توافقات مع كل من مصر والسودان في أزمة سد النهضة، بيد أن كثيرين يشككون في أن تذهب واشنطن بعيدا في هذا الأمر. واشنطن – كشف مسؤولون بالإدارة الأميركية أن الولايات المتحدة تبحث فرض عقوبات على إثيوبيا بسبب موقفها من سد النهضة لاسيما بعد إقدام أديس أبابا على خطوة ملء الخزان، بحجب بعض المساعدات عنها. وتبدي الولايات المتحدة انزعاجا من التمشي الإثيوبي في التعاطي مع هواجس دول المصب لاسيما مصر، وعدم إبداء أديس أبابا أي جدية في التعاطي مع الوساطة الأميركية التي جرت بطلب من القاهرة، وتم خلالها التوصل إلى اتفاق أولي في فبراير الماضي حول قواعد ملء السد وتشغيله قبل أن تتراجع الحكومة الإثيوبية وتتحفظ على التوقيع عليه. ونقلت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية عن ستة مسؤولين ومساعدين في الكونغرس مطلعين على قضية سد النهضة، قولهم إن إدارة دونالد ترامب “تدرس فرض العقوبات على خلفية موقف أديس أبابا تجاه مشروع سد النهضة والذي أدى إلى توتر شديد لعلاقتها مع دولتي المصب السودان ومصر”. وأضاف العديد من المسؤولين أن إدارة ترامب يمكن أن تمضي قدما في خفض المساعدات لإثيوبيا إذا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود آخر ولم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق نهائي. وأعلنت إثيوبيا الثلاثاء الماضي عن “ملء سد النهضة في مرحلته الأولى”، رغم الدعوات من جهات مختلفة في مقدمتها مصر، ألا تبادر بأي خطوة في هذا الاتجاه حتى التوصل لاتفاق بخصوصه. وقال مكتب رئيس الوزراء آبي أحمد، في بيان “أصبح من الواضح على مدى الأسبوعين الماضيين، في موسم الأمطار، أن عملية ملء سد النهضة في السنة الأولى قد تحققت”. سد النهضة غذى الانقسامات داخل الإدارة الأميركية، منذ أن طلبت مصر المساعدة في المفاوضات العام الماضي ولم يحدد البيان حجم المياه التي تم تخزينها في الخزان، أو إذا كان هدف العام الأول تم تحقيقه من طريق عملية “طبيعية” ناجمة عن الأمطار أو عن خطوات اصطناعية أخرى لتسريع الملء. ولا تبدو مصر التي التزمت الصمت حيال الإعلان الإثيوبي مقتنعة بالتبريرات الإثيوبية حول أن الأمطار خلف ملء السد في مرحلته الأولى حيث ترى أن أديس أبابا كان بإمكانها فتح بوابات الخزان لمرور المياه الزائدة. ورغم ذلك، وافقت القاهرة على استمرار المفاوضات مع الجانبين الإثيوبي والسوداني خلال قمة أفريقية مصغرة حول السد. ورأى البعض ممن استجوبتهم “فورين بوليسي” أن السد “غذى الانقسامات والارتباك داخل الحكومة الأميركية، منذ أن طلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من نظيره الأميركي دونالد ترامب المساعدة في التوسط في المفاوضات بشأن السد العام الماضي”. وقال مسؤول أميركي مطلع للمجلة، لم يتم الكشف عن هويته، إن إدارة ترامب “أدركت أنها يجب أن تقف إلى جانب مصر في هذا الصدد”. وأضاف “يبدو أنه لا يوجد أحد في البيت الأبيض من ينظر إلى ذلك من خلال عدسة أفريقيا وتأثيره (سد النهضة) على إثيوبيا”. وفي السياق، شدد متحدث باسم وزارة الخزانة، لم تتم تسميته، على أن واشنطن تعمل “كوسيط محايد”. وقال “كان ولا يزال الهدف الوحيد للحكومة الأميركية، هو مساعدة مصر وإثيوبيا والسودان على التوصل إلى اتفاقية عادلة بشأن ملء وتشغيل السد الذي يرتبط بمصالح البلدان الثلاثة”. وحسب المجلة، أصبح السد الضخم الذي يعد أكبر سد في أفريقيا “مصدرا للتوترات الجيوسياسية بين مصر وإثيوبيا”، لافتة إلى إشارة السيسي، في وقت سابق، إلى أن بلاده يمكنها استخدام القوة العسكرية لوقف المشروع. ونوهت المجلة إلى أن مشاركة الولايات المتحدة في المحادثات الرباعية حول السد في وقت سابق من العام الجاري، وبقيادة وزارة الخزانة، ساعدت على دفع المحادثات إلى الأمام. ونقلت عن مسؤولين اثنين في إدارة ترامب، لم تكشف عن هويتيهما، قولهما إن المفاوضين الأميركيين “وضعوا الأساس لاتفاق نهائي”. وأردف أحد المسؤولين “المجهود الكبير الذي قامت به مصر وإثيوبيا والسودان على مدى الأشهر التسعة الماضية (في المفاوضات) يظهر أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن إذا كان هناك التزام بين الجميع للقيام بذلك”. ويرى مراقبون أن الإدارة الأميركية وإن كانت تتحفظ على الخطوات الإثيوبية بيد أنه من غير المرجح أن تقدم على فرض عقوبات مشددة على أديس أبابا من شأنها أن تدفع الأخيرة إلى تقديم تنازلات في ما يتعلق بالسد، وأن أقصى ما قد تذهب إليه إدارة ترامب هو خفض جزئي للمساعدات إلى إثيوبيا. وتتمسك إثيوبيا بملء وتشغيل خزان السد خلال موسم الأمطار الحالي الذي بدأ في يوليو الجاري، فيما ترفض مصر والسودان إقدام أديس أبابا على هذه الخطوة قبل التوصل إلى اتفاق ثلاثي. وتخشى مصر المساس بحصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، وتطالب باتفاق حول ملفات، بينها أمان السد، وتحديد قواعد ملئه في أوقات الجفاف، وباتت تجد في ذلك دعما من الخرطوم التي أعلنت الخميس عن قرار بتشكيل لجنة عليا بخصوص الأزمة، مشددة على أن الهدف من ذلك حماية مصالح السودان الاستراتيجية. وتقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر ولا السودان، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء وتحقيق التنمية.
مشاركة :