استدارة مصر للقضية الفلسطينية: تخفيف للضغوط أم قنص للمكاسب | أحمد جمال | صحيفة العرب

  • 7/24/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ربط متابعون عودة مصر إلى التركيز على القضية الفلسطينية بإعلانها رفض خطة الضم ورغبتها في تحريك المفاوضات، في سياق التحركات الدبلوماسية التي تقوم بها القاهرة على أكثر من جبهة تطمح من خلالها لتوسيع دائرة نفوذها في المنطقة، وتريد القاهرة عبر هذه التحركات صد مناورات إسرائيل المستفيدة من انشغالها بالملف الليبي في ظل شكوك بتدخل إسرائيلي خفي لدعم إثيوبيا في أزمة سد النهضة. القاهرة- دفعت التحديات الكثيفة التي تواجهها مصر غرباً مع استمرار زج تركيا بالمرتزقة في ليبيا، وجنوبا مع توالي الاستفزازات الإثيوبية بإعلانها ملء المرحلة الأولى من سد النهضة منفردة، القيادة السياسية إلى استخدام أساليب هجومية في ملفات إقليمية لا تنفصل عن محددات الأمن القومي، في محاولة قد تخفف من الضغوط الإستراتيجية، وتمكّن من قنص مكاسب سياسية من إسرائيل كمستفيد أول من انخراط القاهرة في ملفات إقليمية متشعبة. تجد القاهرة في العودة إلى التركيز على القضية الفلسطينية فرصة للضغط على إسرائيل، حيث تعتقد بعض الدوائر السياسية المصرية أنها تقف خلف تركيا في ليبيا، وتدعم إثيوبيا في سد النهضة، ونجمت هذه الشكوك عن العلاقات التاريخية التي تربطها بالبلدين، كما أنها مستفيد أول من ابتعاد مصر عن القضية الأم في المنطقة، وعدم انخراطها بقوة في ملف ضم أراض جديدة من الأراضي الفلسطينية، فانشغال القاهرة بعيدا عن إسرائيل يمكنها من تكريس سياساتها المضرة بالأمن المصري. وعادت الخطوط الساخنة بين القاهرة ورام الله، قبل أيام، وتباحث الرئيس عبدالفتاح السيسي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشأن آخر التطورات على الساحة الفلسطينية، وأوفد وزير خارجيته سامح شكري، لزيارة عمان ورام الله، وصدرت تنبيهات عديدة من نخب مصرية قريبة من دوائر السلطة مؤخراً تفيد بأن ثمة علاقة ما بين إثيوبيا ووجود أطراف خفية تساندها، وصوبت أصابع الاتهام مباشرة إلى إسرائيل. وبحسب خبراء تحدثت معهم “العرب” لا توجد علاقة مباشرة بين محاولة القاهرة تحريك الجمود الذي أصاب القضية الفلسطينية منذ طرح إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لصفقة القرن، وبين الضغط على إسرائيل لإحداث اختراق في ملف سد النهضة مثلا، لكن القاهرة تسعى إلى توسيع دائرة نفوذها الإقليمي بما يجعلها أكثر قدرة على المناورة في اتجاهات متعددة، واستخدام جميع الأوراق الدبلوماسية التي في جعبتها للتعامل مع الأزمات العالقة في ليبيا أو إثيوبيا أو مع إسرائيل نفسها. وأشار عضو مركز دراسات الشرق الأوسط بالقاهرة، طارق فهمي، إلى أن القاهرة بعثت برسائل علنية إلى إسرائيل مفادها أنها تملك أدوات لتعزيز المواقف وبناء إستراتيجيات جديدة من الممكن استخدامها لوقف رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في التمدد داخل الأراضي الفلسطينية، أو في أي من الملفات التي تهدد الأمن المصري. وتابع في تصريحات لـ”العرب”، أن القاهرة أكدت على أن مشاغلها في الغرب والجنوب وسيناء لن تعيقها عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي تشكل أولوية قصوى للنظام، والتحركات هذه المرة مصحوبة بجملة من التحالفات الإقليمية عبر الأردن والرباعية الدولية والأمم المتحدة ما يؤدي إلى فرملة فكرة الضم وليس تأجيلها. غير أن فهمي ربط بين فاعلية التحرك المصري وبين قبول الأطراف الدولية باستئناف المفاوضات لحل الأزمة الفلسطينية بعيدا عن الأسس التي وضعتها إدارة ترامب. وللإشارة فإن القاهرة بصدد استخدام علاقاتها بالاتحاد الأوروبي للضغط من أجل المساهمة في توجيه الحركة الدولية نحو الصراع العربي الإسرائيلي والاستفادة من الموقف الغربي الرافض لفكرة ضم أجزاء من الضفة الغربية، وبالتالي إجبار إسرائيل على الانخراط في عملية سياسية قابلة للحياة. وتعول القاهرة على وجود تحركات عربية مشتركة في أكثر من ملف، ما ساعدها على الاستدارة بقوة تجاه القضية الفلسطينية، لأن خطواتها تجري تحت مظلة جامعة الدول العربية، والبحث عن مواقف جماعية مماثلة باتجاه أزمة سد النهضة، وكذلك الأزمة الليبية، حيث طلبت من الجامعة في الملفين دعما صريحا لمواقفها، وعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا بهذا الخصوص الشهر الماضي. وأعلن وزير الخارجية المصري في أثناء زيارته رام الله قبل أيام، رفض بلاده لأية قرارات أو خطوات أحادية، خاصة بضم إسرائيل أراضي في الضفة الغربية، مؤكدا أن دعم القاهرة للقيادة الفلسطينية “أمر حتمي تحرص عليه، وسنظل على تواصل في كل الخطوات في إطار التنسيق والعمل المشترك مع جميع الدول العربية”. ويرى مراقبون أن القاهرة وجدت أن الأوضاع الإقليمية مواتية لإعلان موقفها الواضح برفض الضم والتحرك لوأد الفكرة من الأساس، لأن أصدقاء إسرائيل أنفسهم عبروا عن رفضهم لخطط ضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية، وذلك ينعكس بالإيجاب على وضعية مصر في محيطها الإقليمي، ويمكن أن تجد إسرائيل نفسها أمام موقف صريح وقوي يصعب الاستهانة به. وفسر الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، عمرو الشوبكي، النشاط المصري المفاجئ، بأن”القاهرة لديها شكوك حول تدخل إسرائيلي خفي لدعم الموقف الإثيوبي ودفع أديس أبابا إلى التشبث ببناء سد النهضة، وأن هذا التفسير يحمل تأويلات عديدة لا يمكن الجزم بها حاليا، لكن طرحه يدور في أذهان قطاع من المصريين، ما يجعل القاهرة أكثر حرصاً على بعث رسائل إلى أطراف مختلفة تؤكد قدرتها على التحرك، وأن الأزمات التي تواجهها لن تثنيها عن التفريط في القضية الفلسطينية”. وبخصوص خطة الضم الإسرائيلية، يؤكد الموقف المصري دوما على أن هناك أدوات جديدة للضغط على إسرائيل، باعتبار أن قرار حكومة نتنياهو بالضم يشكل ضرراً مباشراً على الأمن القومي المصري والعربي، وقد بذلت الحكومات العربية جهوداً حثيثة لفرض حل الدولتين وقبول مسار التفاوض، وهذا الطرح لم يعد موجوداً في ظل رفض مطلب إقامة الدولة الفلسطينية. وذهب الشوبكي في تصريحاته لـ”العرب”، إلى التدليل على أن القاهرة تقطع الطريق على أي محاولة إسرائيلية للتصرف بشكل أحادي تفادياً لتكرار أخطاء المفاوض المصري في أزمة سد النهضة، وإجبار إسرائيل على السير وفقاً للقوانين الدولية، وقرارات الأمم المتحدة هي السبيل الوحيد للحل، في إشارة واضحة إلى أديس أبابا. ويعتبر البعض من الخبراء أن تمسك القاهرة بالقانون الدولي في القضية الفلسطينية يعزز استنادها إليه في أزمة سد النهضة، وإبراز قدراتها الدبلوماسية إلى جانب القدرات العسكرية التي أحدثت قدراً من التوازن في الملف الليبي كان مطلوباً حال قررت مصر الاستمرار في خطواتها الدبلوماسية بشأن أزمة المياه. وشدد الرئيس السيسي في اتصاله مع محمود عباس على ضرورة إيجاد حل عادل ونيل الشعب الفلسطيني استقلاله في دولته، وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وفق قرارات الشرعية الدولية، ورفض مصر أية حلول أحادية الجانب تتعارض مع القانون الدولي، لأنها ستؤدي إلى عدم استقرار الأوضاع في المنطقة. تجد القاهرة في العودة إلى التركيز على القضية الفلسطينية فرصة للضغط على إسرائيل، حيث تعتقد بعض الدوائر السياسية المصرية أنها تقف خلف تركيا في ليبيا، وتدعم إثيوبيا في سد النهضة وبالنسبة إلى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، فإن “تحركات القاهرة الأخيرة حملت رسائل إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، وكل من يحاول تجاوز الموقف المصري من القضية، وتقف بجانب كل ما يتعلق بقيام دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال”. وأضاف لـ”العرب”، أن “بعض الأطراف وصلتها رسائل خاطئة تفيد بأن القاهرة ليست مؤيدة لموقف الفلسطينيين الرافض لخطة ترامب للسلام، وأن ما جرى فهمه بطريقة خاطئة يجري تصويبه عبر حركة دبلوماسية فاعلة، من خلال ترتيبات تقودها مصر والأردن لعقد مؤتمر سلام بمشاركة الرباعية الدولية وجامعة الدول العربية قبل الانتخابات الأميركية”. وتؤكد الدبلوماسية المصرية أن القضية الفلسطينية مفتاح حل باقي الأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط، والنبتة الأساسية للتطرف في المنطقة. وأشار عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، رخا أحمد حسن، إلى أن مصر تعمل على تقديم مبادرات جديدة تشكل ثقلا موازيا لما تقدمه واشنطن وإسرائيل، وتقود إلى عقد مباحثات لاستئناف المفاوضات على أسس يضعها الطرف الفلسطيني وهي لا تنفصل عن قرارات الأمم المتحدة. وأوضح لـ”العرب”، أن “القاهرة تمهد للقبول بإعلان دولة فلسطينية على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية مع تقديم استعدادات من قبل السلطة الفلسطينية لإمكانية القبول بمبدأ تبادل بعض الأراضي بشرط أن تكون متساوية القيمة والخصوبة ونفس النسب من المياه، مع دعم التفكير في الطرح الأردني بإمكانية بناء دولة واحدة، وعدم الاعتراف بيهودية الدولة التي يصر عليها اليمين الإسرائيلي”. وحسب أحمد حسن، فإن مصر تتعامل مع التشدد الإسرائيلي كأحد أوجه تغذية العناصر المتطرفة على حدودها الشرقية المتاخمة لحركة حماس في قطاع غزة، والمرتزقة والإرهابيين على حدودها الغربية مع ليبيا، لأن تطرفها يرتبط بنزعة دينية تغذيها بتصدير مصطلح “يهودية الدولة”، ما يجعل الصراع ممتداً ويصعب حسمه في ظل الخلافات المتجذرة بين إسرائيل وجيرانها، وهو ما يرخي بظلاله السلبية على الإسلاميين ليمارسوا تطرفا تجاه دولهم بزعم أنهم المعادل الموضوعي لإسرائيل.

مشاركة :