"الأحزاب الافتراضية" تنقسم بين الحكومة والمعارضة في مصر | أحمد جمال | صحيفة العرب

  • 5/30/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة - احتلت مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما يوصف بـ”الأحزاب الافتراضية”، دور القوى السياسية الفاعلة في مصر، ونجحت مؤخرا في تعويض الموت السريري لأكثر من مئة حزب، وحركت المياه الراكدة في الفضاء العام، حيث تحول جزء من الرواد إلى مدافعين عن سياسات الحكومة، وآخر يوجه انتقادات حادة لتصوراتها، وحافظ حزب الكنبة المعروف في مصر على سكوته، وهو الحزب الضمني الذي يوصف به الصامتون والمتفرجون على المشهد السياسي، ولا يتحرك إلّا عند الضرورة القصوى أو حين تهزه وقائع مصيرية. في ظل الخمول الطاغي على غالبية الأحزاب السياسية الرسمية وتراجع دور وسائل الإعلام التقليدية، استغلت مواقع التواصل أزمة كورونا وبدأت منصات لمصادر معلومة وأخرى مجهولة تسحب البساط من تحت أقدام قوى مختلفة، وتمثل إزعاجا للحكومة والمعارضة في آن واحد. وتشتبك مع التطورات والأحداث بلا مواربة، وأصبحت واحدة من الأدوات السياسية التي تؤثر في التوجهات العامة، ويتزايد التفاعل معها يوميا، ووصل انخراطها في بعض القضايا إلى حدّ تحقيق التريندات، بما جعل الحكومة تتراجع عن مواقفها، أو تعيد النظر في بعض تصرفاتها. تحولت منصات عدة خلال الأيام الماضية إلى ما يشبه ساحة حرب بين متضامنين مع الأطباء على إثر وفاة أحدهم مصابا بفايروس كورونا في غياب توفير الرعاية الصحية له، وبين آخرين اندفعوا لاتهام الأطباء ونقابتهم بالانتماء إلى تنظيم الإخوان المحظور، بعد أن قدم عشرات الأطباء استقالاتهم احتجاجا على اتهامات سياسية وجهت إليهم. وسط هذه الأجواء، عاد صوت المقاول الهارب والممثل الكومبارس محمد علي، من جديد، على الرغم من إعلانه سابقا اعتزال العمل السياسي، وانتقد ما وصفه بـ “فشل الحكومة المصرية في إدارة ملف كورونا، وعدم شفافيتها في عرض الأرقام الحقيقية للمصابين”. محمد أنور السادات: الحكومة لا تستمع إلى المواطنين من خلال مؤسساتهم أو من يمثلونهم داخل المجالس النيابية محمد أنور السادات: الحكومة لا تستمع إلى المواطنين من خلال مؤسساتهم أو من يمثلونهم داخل المجالس النيابية لم تحظ عودة المقاول بالزخم الذي حظيت به طلته السابقة في سبتمبر الماضي، غير أن ظهوره كشف إلى أي درجة تحولت مواقع التواصل إلى مطية لعدد كبير من الشخصيات التي تريد النزول إلى الساحة السياسية من هذه البوابة الواسعة. وتعاملت الحكومة مع كثير من الأزمات التي أثارتها منصات إلكترونية خلال الأيام الماضية بحكمة تحسب لها، ولم تهمل ما تنطوي عليه من أهداف وطنية حتى لو جاءت من جهات تبدو معارضة، حيث تدخلت سريعا لاحتواء الأزمة مع نقابة الأطباء، ولا أحد يدري هل يصبح هذا الرشاد مستمرا أم توقف عند أول محك سياسي مصيري. نزع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، فتيل أزمة سياسية كاد نطاقها يزداد اتساعا، عندما التقى نقيب الأطباء حسين خيري، الخميس، وتباحث معه في مطالب حماية الطواقم الطبية، وهي مشكلة صحية جرى تغليفها بخطاب سياسي حاد، انقسم بين الحكومة والإخوان، من واقع علاقة تاريخية تربط الجماعة بهذه النقابة، وتأبى جهات كثيرة أن تفصل بينهما. ولم تترك التطورات المتلاحقة المجال لإمكانية استغلال الموقف وتحريكه سياسيا بما يمثل ضغطا على الحكومة، أو تضعها في مأزق جراء كثافة التفاعل الشعبي مع ما يجري في الفضاء الإلكتروني، وما يصب في صالح قوى معارضة درجت على توظيف مواقع التواصل في إرباك الحكومة، ووضعها أمام مطالب من الصعب تحديد هويتها والهدف الأساسي منها. اتخذ رئيس الحكومة جملة من الإجراءات السياسية مغلفة بأوراق طبية كي يتمكن من إخماد الفتنة، على رأسها معاملة شهداء الأطباء بسبب كورونا نفس معاملة شهداء الجيش والشرطة، في إشارة واضحة إلى تعظيم الجيش الأبيض، واستكمال نواقص المستلزمات الوقائية وإجراء مسحات الـ”pcr” للطواقم المخالطة لحالات كورونا، مع التأكيد على تخصيص أماكن لعزل أعضاء الفريق الطبي بجميع المستشفيات. يبرهن تعامل الحكومة مع أزمة الأطباء وغيرها من الوقائع المشابهة، أنها تنظر إلى مواقع التواصل باعتبارها وسيلة لقياس نبض الرأي العام في الشارع، في حين أنها لا تبدي اهتماما بما يصدر عن الأحزاب والمجتمع المدني من بيانات وانتقادات لا يصل مداها إلى عدد كبير من المواطنين، وأضحت الأجهزة التنفيذية أكثر حضورا على المواقع وتسييسها، ما دفع البعض إلى زيادة استخدامها ضمن معركة كسر عظم تدور رحاها بين الحكومة ومعارضيها. وقال رئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض)، محمد أنور السادات، إن الحكومة لا تستمع إلى المواطنين من خلال مؤسساتهم أو من يمثلونهم داخل الأحزاب والنقابات والمجالس النيابية. وأوضح، لـ”العرب”، أن أزمة نقابة الأطباء كشفت عن أهمية وجود تواصل بين الحكومة وهذه المؤسسات، وأهمية عدم الارتكان فقط إلى توجهات الجمهور على المنصات الإلكترونية لعدم وجود آليات رسمية لمخاطبة المعترضين. واعترف بوجود مشكلات متفاقمة تعاني منها الأحزاب المصرية داخل تركيباتها وقواعدها، وهي التي تمنعها من الاشتباك مع ما تطرحه وسائل التواصل من مشكلات وقضايا، لكن في الوقت ذاته فإن أدوارها الرئيسية ينبغي أن تكون على الأرض من خلال التفاعل المباشر مع الجمهور، وهو أمر لا تتيحه الظروف السياسية الراهنة. مواقع التواصل تحولت إلى مطية لعدد كبير من الشخصيات التي تريد النزول إلى الساحة السياسية من هذه البوابة الواسعة ويرى البعض من الخبراء، أن تنامي الدور الذي تلعبه مواقع التواصل هو الذي جعلها في مستوى حزب معارضة أو حكومة رئيسية، وأدى بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى خوض معركة مفتوحة مع “تويتر” مثلا، واتهامه بالوقوف إلى جانب الحزب الديمقراطي المناوئ لحزبه الجمهوري، ولذلك من المتوقع أن تكون مواقع التواصل هي البطل في الفترة المقبلة. وتوقع السادات، أن تشرع الحكومة في خطوة الإصلاح السياسي المؤجل، وفتح المجال العام ولو بحذر، ما يعطي فرصة أكبر للأحزاب والقوى المختلفة للحضور في الشارع لسد الفراغ الحالي، والذي يشكل خطرا على الجميع لأن هناك جهات خارجية تجيد استغلاله، وأزمة كورونا وما أفرزته من تحديات متفاقمة أمام الدولة المصرية تدفع إلى تغيير الكثير من مفاهيم تعامل الحكومة مع الشارع، في ظل الحاجة الملحة إلى عدم الفرقة. ويتفق البعض من المراقبين مع هذا الرأي، غير أنهم يرون أيضا أن تلك الخطوات لن تكون كافية لإيقاف السيول الجارفة من المناوشات على مواقع التواصل، لأن الأدوات التقليدية الممثلة في الأحزاب والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، فقدت قدرتها على التأثير، بالتالي فاستعادة دورها المؤثر وقياس قدرتها على توجيه الرأي العام سوف يكونان بحاجة إلى وقت طويل كي يتبلورا ويجلبا نتائج إيجابية. حسن سلامة: مواقع التواصل من أهم المؤشرات التي تتحكم في تحركات الحكومة تجاه أي من الأزمات حسن سلامة: مواقع التواصل من أهم المؤشرات التي تتحكم في تحركات الحكومة تجاه أي من الأزمات كما أن الحكومة لن تسمح بالعودة إلى ما تعتبره “سيولة سياسية بغيضة” عانت منها البلاد خلال السنوات التالية لثورة 25 يناير 2011، الأمر الذي وظفته جماعة الإخوان جيدا، وطوعته لصالحها، لذلك فأي انفتاح جديد لن يكون معصوما من القيود والضوابط التي تمنع العودة إلى الحالة السابقة. وذهب متابعون للتأكيد على أن الانفتاح قد يكون من قبل مؤسسات هي بالأساس لديها علاقات بدوائر قريبة من الحكومة، من خلال منح هامش من الحرية محسوب وغير كاف لإرضاء حاجات المواطنين في ظل تمتعهم بحرية واسعة مع نشاط أحزاب التواصل. وتنبع خطورة الاعتماد على مواقع التواصل كمتنفس شعبي من أن الكثير من القضايا الهامشية قد تأخذ حيزا أكبر مما ينبغي له، إذ أضحى هناك عدد هائل من الملفات التي تشغل المواطنين كل يوم، وهو أمر قد يكون موجها بشكل أو بآخر من قبل بعض الأطراف المناوئة، وفي النهاية تجد الحكومة نفسها في مواجهة صعوبات لتوجيه الرأي العام وفقا لاحتياجاتها، ما يجعل الرسائل التي تريد توجيهها بلا صدى حقيقي على الأرض. وبين رئيس وحدة بحوث الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي)، حسن سلامة، أن مواقع التواصل من أهم المؤشرات التي تتحكم في تحركات الحكومة تجاه أي من الأزمات المثارة عليها، لكنها لن تكون المؤشر الوحيد، وأن الأجهزة المعلوماتية تلعب دورا فاعلا في قراراتها التي تكون سريعة وقد تستبق ما تذهب إليه هذه المنصات. وأشار إلى أن “هناك تغيرا ملحوظا في تعامل الحكومة المصرية مع الأزمات، لأنها تتحرك على المستوى الإداري بسرعة تدخلها للحل، وصارت أكثر قدرة على التمييز ما بين القضايا الزائفة التي تستهدف إرباكها من دون أن يكون هناك تأييد شعبي خلفها، وأخرى تشكل واقعا يعاني منه المواطنون على أرض الواقع ويتطلب التدخل سريعا لحلها”. ولفت إلى أن مواقع أو أحزاب وسائل التواصل لا يمكن أن تكون بديلا للقوى السياسية والمجتمع المدني والمؤسسات الفاعلة على الأرض، لكنها مجرد أداة يجري استخدامها لتعويض غياب هؤلاء، ورغبة في استغلال التطورات التكنولوجية، ولم تقدم رؤيتها للتعامل مع الأزمات الراهنة أو تملك الكوادر التي من الممكن أن تقدمها للمجتمع لأجل حل الأزمات الراهنة، وأن ذلك سببه عدم وجود رؤية واضحة لدى الكثير من الهيئات السياسية والمجتمعية الخاملة. وحسب رأي دوائر سياسية، فإن المشكلة الأساسية تكمن في عدم التوعية السياسية للمواطنين بخطر الشائعات التي تتدفق بشكل سريع على مواقع التواصل، وأن الحكومة لا تعرف كيف تصل إلى الناس الذين يتعرضون للمعلومات المزيّفة ويساهمون في ترويجها، لذلك تحاول مضاعفة تدخلاتها على خط الأزمات الحالية بالمسكنات السياسية، أملا في إعادة تنظيم علاقتها مع المجتمع.

مشاركة :