تشريعات قانونية صارمة لحصار صحافة التسريبات في مصر | أحمد جمال | صحيفة العرب

  • 8/6/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لجأت الحكومة المصرية إلى إصدار قوانين صارمة تفرض عقوبات مغلظة، لحماية البيانات الشخصية للمواطنين، في محاولة لتحسين صورة الإعلام وبدء مرحلة جديدة تتوارى فيها الفضائح التي اعتمدت عليها بعض البرامج في المعارك السياسية. القاهرة- يمر الإعلام المصري بحالة من فقدان الثقة جراء ممارسات مهنية مسيئة لصورته خصوصا تلك التي تتعلق بانتهاك خصوصية معارضين وإذاعة تسريبات صوتية في توقيتات سياسية حساسة، أثارت شبهة بوقوف أجهزة حكومية وراء التسريبات، في ظل تقاعس الجهات المنوط بها ضبط الإعلام عن ممارسة دورها. وأدركت الحكومة المصرية خطورة الاستمرار في هذا الخط، وأنه قد يدفع إلى المزيد من الخسائر، بعد أن نالت التسريبات من سمعة الإعلام، ولم تكن هناك عقوبات رادعة على من أذاعوها عبر برامجهم المختلفة، واقتصرت الأحكام القضائية على دفع غرامات مالية من دون أن تتوقف البرامج التي تورطت في إذاعتها. ودفعت الحكومة باتجاه إصدار قوانين جديدة أكثر صرامة تحمي البيانات الشخصية للمواطنين، وصادق عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي أخيرا، وتفرض عقوبات مغلظة، تشمل الحبس ودفع غرامات مالية كبيرة، في محاولة لتحسين صورة الإعلام وبدء مرحلة جديدة تتوارى فيها الفضائح التي ارتكنت إليها بعض البرامج في المعارك السياسية متخلية عن مخاطبة المواطنين بالحجة. وأكد البعض من الخبراء،أن هذه القوانين لن تكون كافية، طالما لم تصطحب معها تغييرا في شكل الإعلام ومضمونه، حيث ما زال يعتمد تقريبا على الصوت الواحد في مواجهة الأصوات المعارضة، ويركز على أساليب الحشد والتأييد بدلا من إثراء النقاشات، وأن تطبيق القوانين الجديدة بصرامة بحاجة إلى سياسات إعلامية واضحة يجري تنفيذها على الأرض خلال الفترة المقبلة. وأصدر الرئيس السيسي، قانون “حماية البيانات الشخصية”، الذي يجرم جمع البيانات الشخصية بطرق غير مشروعة أو من دون موافقة أصحابها، ويحظر معالجتها بطرق تدليسية أو غير مطابقة للأغراض المُصرح بها من قبل صاحب البيانات. يقضي القانون بإنشاء مركز لحماية البيانات الشخصية ويتولى رئاسته وزير الاتصالات بمشاركة عدد من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لمراقبة خط سير البيانات المسربة، كما يلزم المؤسسات والجهات والأفراد المتحكمين فيها بتعيين مسؤول لحمايتها، بما يسمح بضمان الخصوصية. ويرى أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، حسن عماد مكاوي، أن القانون يضع حدا للممارسات التي تسيء للإعلام، وإصداره في وقت تواجه فيه مصر معارك سياسية إقليمية خارج حدودها أمر مهم، ما يعطي المزيد من الثقة للمواطنين في إعلامهم المحلي، شريطة أن تكون هناك مواد تحريرية مقدمة تستطيع أن تخاطب عقول المواطنين وتجذبهم مرة أخرى إلى الإعلام. وأضاف لـ”العرب”، أن قوانين عقوبات انتهاك الخصوصية تعاني ثغرات في نص هذه المواد ولا تتجاوز العقوبة في الحالات التي جرى توجيهها إلى القضاء حدود الـ300 دولار، ما أغرى بعض المذيعين بنشر الفضائح التي تصل إليهم بطرق مختلفة، وأضحت هناك شاشات مدعاة لتهديد المواطنين والتعرض لحرماتهم الخاصة وممارسة السب والقذف والتشهير. وتسير الجهود الحكومية في مسارات دقيقة لحصار صحافة التسريبات، حيث أقر البرلمان قانون تنقية المعلومات الذي يضع قيودا على الوصول إلى المعلومات الرقمية، إلى جانب قانون حماية البيانات الشخصية الأخير، ومن المقرر أن تكتمل المنظومة بقانون تداول المعلومات الذي لم ير النور، بالرغم من مناقشته سابقا. وأوضح مكاوي، أن الإجراءات القانونية تدعم التحول إلى مرحلة جديدة تراعى فيها المعايير المهنية، وأنه لا مبررات سياسية لما ارتكبه الإعلام في السابق، باعتباره خطيئة بحق الممارسة المهنية، لأن الإعلام الرشيد هو من يواجه المعلومات المضللة بأخرى صحيحة، ما يتطلب جهودا أكبر على مستوى إتاحة المعلومات. وجاء إفساح المجال أمام ما يسمى بـ”صحافة التسريبات” في وقت تعرضت فيه الدولة المصرية لحرب شرسة من قبل الإعلام المعادي في الخارج، وكانت التسريبات بمثابة وقود المعارك التي دارت بين الحكومة وتنظيم الإخوان، ومع انحسار التهديدات تطلب الأمر البحث عن ممارسة إعلامية موضوعية للقضايا الجادة التي تهدد الأمن القومي، ولا تفيد معها برامج الفضائح والتسريبات. ويبدو أن الحكومة المصرية لن تسمح مجددا بحالة الفوضى التي أصابت القنوات الفضائية في ظل الحاجة إلى ضبط بوصلة الأداء الإعلامي الداعم لتحركاتها الخارجية، وأن حصار التسريبات قد يكون مرحلة أولى على طريق التخلي عن سياسة الصوت العالي التي انتهجها عدد من مذيعي برامج الـ”توك شو” مؤخرا. ويعاقب قانون حماية البيانات الشخصية كل من يخالف أحكام القانون بالحبس وغرامة تصل إلى (200 ألف دولار)، كما أقرّ عقوبة على تداول المعلومات دون موافقة صاحبها، بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن (13 ألف دولار) ولا تتجاوز (130 ألف دولار) أو بإحدى العقوبتين لكل متحكم أو معالج عالج أو أتاح أو تداول بيانات شخصية بأيّ وسيلة في غير الأحوال غير المصرح بها قانونا أو من دون موافقة الشخص المعني بالبيانات. وتسببت صحافة التسريبات في مشكلات جمة للإعلام والحكومة أيضا بعد أن طالت مسائل حساسة تمس الأمن القومي، كما الحال في التسريب الذي أذاعه الإعلامي أحمد موسى في العام 2017 بشأن استغاثة الضباط والجنود في أثناء المواجهات التي اندلعت بينهم وبين عناصر إرهابية في الصحراء الغربية، ونفت وزارة الداخلية المصرية صحته، وأحالت المذيع على القضاء وجرت إدانته بغرامة مالية مقدارها 300 دولار. لا مبررات سياسية لما ارتكبه الإعلام في السابق لأن الإعلام الرشيد يواجه المعلومات المضللة بأخرى صحيحة وأثارت تسريبات أذاعتها فضائيات مصرية حول المخرج والنائب البرلماني خالد يوسف جدلا واسعا، غير أن تلك الحملة جاءت بنتائج عكسية على وسائل الإعلام بعد أن اعتبرها مواطنون تشكل اختراقا صارخا لحياته الشخصية في وقت اعتبر فيه النائب البرلماني أن التسريبات “تصفية حسابات” جراء مواقفه السياسية المعارضة. وتُصنف الممارسة الإعلامية على المستوى المهني نوعين من اختراق الحياة الخاصة للشخصيات العامة، الأول خرق للخصوصية لأسباب تتعلق بتحقيق مصالح خاصة أو النيل من الشخصيات بعينها، وهو ما ترتكبه بعض وسائل الإعلام المصري، والثاني اختراق الحياة الشخصية من أجل الكشف عن جريمة أو تحقيق مصلحة عامة يمكن إثباتها. وهناك عدد من الشروط الصارمة التي تتيح للجمهور معرفة وقائع تتعلق بالحياة الخاصة لشخص عام أو عادي، وهي ذاتها الشروط التي تتيح لوسائل الإعلام تغطية مثل تلك الوقائع، وأبرزها أن تكون الصلة واضحة ومباشرة بين الواقعة الخاصة وبين المصلحة العامة، ويتم إيراد رأي الشخص الذي تم اختراق خصوصيته أو من يمثله، في ذات الحصة الإعلامية التي حدث فيها ذلك. وتستهدف القوانين الأخيرة ضبط مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت ساحة للتشهير ولانتهاك الخصوصية، وتلك هي المهمة الأبرز أمام الهيئة الجديدة التي ستتولى رقابة تسريب بيانات الأشخاص، وأن إيقاف سيل التسريبات في الإعلام سيكون بحاجة إلى تفعيل مواثيق الشرف وتفعيل أدوار هيئات تنظيم الإعلام.

مشاركة :