اتفاقيات السلام العربية طريق لتجديد السلطة الفلسطينية | أحمد جمال | صحيفة العرب

  • 9/22/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يلقي تطور العلاقات الخليجية الإسرائيلية بظلاله على شكل السلطة الفلسطينية الحالية، ومدى قدرتها على مسايرة التغيرات المتسارعة في المنطقة، بعد أن اختارت الانزواء بعيدا، ولم تسع لتحقيق مكاسب سياسية جراء اتفاقي السلام اللذين أبرمتهما الإمارات والبحرين مع إسرائيل. وهنا بدأ يتساءل السياسيون داخل البيت الفلسطيني ما العمل؟ وهل تكتفي السلطة الوطنية بإصدار بيانات تنديد واستنكار، والتلويح بالذهاب نحو قطيعة عربية، أم أن هناك إجراءات داخلية ينبغي التحرك نحوها لجمع الصف والذهاب إلى الانتخابات وتجديد الشرعية؟ القاهرة- أخذت التطورات على الساحة العربية بعد اتفاقيات السلام المبرمة بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل أبعادا أخرى مع تصاعد الحديث عن تحديد بديل لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبومازن)، الذي يقبع في منصبه منذ آخر انتخابات رئاسية جرت في العام 2005. ومنذ ذلك التاريخ جُمدت العملية الانتخابية، التي من المفترض أن تجرى كل خمس سنوات، ما أفضى إلى زيادة حجم المطالبات باللجوء إلى صناديق الاقتراع بحثا عن قيادة لديها مرونة تُمكنها من التعامل مع المستجدات الإقليمية المتلاحقة، وتوظيف الأوضاع الراهنة لتحويل الدولة الفلسطينية من حلم إلى واقع. وحركت التصريحات الملتبسة التي نشرت الخميس الماضي، وأطلقها سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان، بشأن رغبة بلاده في استبدال الرئيس محمود عباس برئيس تيار الإصلاح الديمقراطي بحركة فتح النائب محمد دحلان، جانبا من المياه الراكدة. لكن صحيفة “إسرائيل هيوم” التي نشرت التصريحات، وهي مقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عادت بعد نحو تسع ساعات، وعدّلت التصريح. وفي البداية، نقلت الصحيفة عن فريدمان، قوله ردا على سؤال، عمّا إذا كانت واشنطن تدرس إمكانية تعيين دحلان المقيم كزعيم فلسطيني بدلا عن الرئيس عباس “نحن نفكر في ذلك، لكن ليست لدينا رغبة في هندسة القيادة الفلسطينية”.فلسطين ثم عدّلت الصحيفة نص الكلام، وجعلت إجابة السفير الأميركي على السؤال “نحن لا نفكر في ذلك، وليست لدينا رغبة في هندسة القيادة الفلسطينية”. ولم توضح سبب التعديل، وعمّا إذا كان بناء على طلب السفير أم لكونه تصويبا لخطأ وقعت فيه. وسارعت أطراف فلسطينية عدة بإدانة تصريحات فريدمان، قبل تعديلها، وأولهم دحلان الذي قال “من لا ينتخبه شعبه لن يستطيع القيادة وتحقيق الاستقلال الوطني”، واعتبرها لا تزيد عن كونها تكتيكا مخادعا هدفه إرهاب البعض وزعزعة الجبهة الداخلية التي بحاجة ماسة إلى تجديد شرعية القيادات والمؤسسات الفلسطينية كافة، وذلك لن يتحقق إلا عبر انتخابات شاملة وشفافة. موقف واحد وأهداف مختلفة في كل الأحوال، رفع تصريح فريدمان القناع الخفي، الذي تريده القوى السياسية لعرقلة إجراء الانتخابات، بحجة رفض الاحتلال لإجرائها في القدس، وبدا أن هناك تيارا واسعا داخل حركة فتح يدعم ذلك، ويتحالف مع حركة حماس التي تسعى أيضا إلى استمرار الأوضاع كما هي، وتسببت الشخصيات الداعمة لهذا الاتجاه بموت المبادرة التي أطلقت منذ أشهر بشأن إجراء انتخابات عامة، ودخلت غرفة العناية الفائقة. ويتحكم التيار، الذي يتزعمه أبومازن في خيوط اللعبة ويتواجد على رأس السلطة من دون معارضة تذكر بعد أن أطاح بتيار الإصلاح الذي تحفظ كثيرا على قرارات رئيس السلطة الفلسطينية، إلى جانب أن عباس أقدم من خلال المحكمة الدستورية، التي أسسها في العام 2014، على حل المجلس التشريعي. وتستفيد حركة حماس من الوضع القائم لأنها تسيطر على غزة وتحصل على دعم مالي من قطر، ما يمكنها من الهيمنة على الأوضاع السياسية والأمنية في القطاع، وتنتظر ترتيبات صفقة القرن وفقا لموازين القوى الحالية بما يدعم إقامة دويلتها ويحقق الانفصال عن الضفة الغربية، وهو أمر يبدو أن الدوحة تسعى لتمريره. ويؤكد المحلل السياسي الفلسطيني عماد عمر، أن نداءات اللجوء إلى صناديق الاقتراع تتصاعد دوما مع كل أزمة تمر بها القضية الفلسطينية في الداخل، لكنها سرعان ما تتناسى وسط دوامة من الخلافات والصراعات على المناصب السياسية، والكرة في جميع الأحوال في ملعب عباس، الذي عليه أن يعلن تشكيل حكومة وحدة وطنية وإقرار قوانين جديدة للانتخابات، بحسب ما نصت جميع المباحثات التي جرت في القاهرة بشأن المصالحة الفلسطينية. وقال عمر في تصريحات لـ”العرب”، إن “المحيطين بالرئيس أبومازن ليس من مصلحتهم اللجوء للانتخابات، لأنها سوف تفرز نظاما مستحدثا تُبنى عليه جميع المؤسسات الفلسطينية، وقد يكونون خارج الإطار الجديد بما سيقلص نفوذهم الحالي، وبالتالي ستظهر الكثير من ممارسات الفساد، وتطفو أزمة الموظفين في غزة مرة أخرى على السطح بكل تعقيداتها”. ولفت إلى أن بقاء الأوضاع كما هي من دون إحداث تقدم على المستوى السياسي يهدد تماسك السلطة الفلسطينية في المستقبل، لأنه حال حدوث مكروه للرئيس محمود عباس سيكون هناك صراع على السلطة ومن الصعب التحكم فيه مع حالة الترهل الحالية التي تعاني منها مؤسسات الحكم الفلسطينية، وفي تلك الحالة سيكون حسم الصراع بيد قوى خارجية بشكل أكبر. فلسطين ويمكن القول إن تجديد الشرعيات أصبح ورقة سياسية تجيد الأطراف المختلفة اللعب بها كأداة للضغط والمناورة، فأبومازن يتعمد عدم الذهاب للانتخابات حاليا ويُصر على عدم وضع خليفة له للضغط سياسيا على الولايات المتحدة، ويدعم استمرار حالة الفراغ التي قد تهدد أمن إسرائيل إذا جرت صراعات مسلحة بين الفلسطينيين بالضفة الغربية حال وفاته فجأة من دون ترتيبات متفق عليها. كما أن الورقة ذاتها تستخدمها الإدارة الأميركية كوسيلة للضغط على السلطة الفلسطينية، لمطالبتها بمزيد من التنازلات، لكنها في داخل قناعاتها لا تريد أن تفرض قيادة جديدة في الوقت الحالي، ولم تطلب ذلك بشكل صريح، وكل ما يصب في مصلحتها هو اختيار رئيس قوي لديه شعبية بين الفلسطينيين ويكون قادرا على تمرير الرؤية الأميركية للتسوية السياسية. وبرأي الناطق باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح عماد محسن، أن تجديد الشرعيات أضحى عقيما لأنه يرتبط بتوجهات إقليمية أكثر من كونه يعبر عن استقلال القرار الوطني، ويرجع السبب لسياسة المحاور التي غزته ومولته ودفعت لاستمراره. وأوضح محسن لـ”العرب”، أن ذهاب قطر باتجاه دعم صفقة القرن بعيدا عن مرجعية الأرض مقابل السلام يعني أنه لن تكون هناك انتخابات قريبة وأن الأوضاع في قطاع غزة ستكون كما هي، الأمر الذي يؤكد بأنه لم يبق أمام الفلسطينيين لوقف الخطة الأميركية سوى الذهاب لخيار الانتخابات، وذلك ما يدعمه تيار الإصلاح الوطني ويسعى جاهدا للتوافق حوله مع القوى الوطنية على مختلف اتجاهاتها. وحمّل القيادي الفلسطيني البطانة الفاسدة حول الرئيس أبومازن مسؤولية اختطاف القرار الوطني ورهنه بيد الولايات المتحدة بعد أن ذهب هذا التيار بنفسه إلى واشنطن بحثا عن طرح خطة مستقبلية تضمن بقاءه في السلطة، ووضع مستقبل أفراده السياسي بيد الإدارة الأميركية قبل أن يعلن الرئيس دونالد ترامب خطته التي رفضتها السلطة الفلسطينية، لأنها لم تحقق الحد الأدنى لما طالبت به من قبل، بالتالي أضحى تجديد الشرعيات دمية تحركها قوى إقليمية كيفما تشاء. وكشف أن الفلسطينيين يتطلعون إلى رئيس شاب وسياسي محنك قريب من شخصية الرئيس الراحل ياسر عرفات، تكون لديه القدرة على التنقل بسهولة بين العواصم العربية والعالمية وتطأ أقدامه بشكل يومي مخيمات اللاجئين في طرقات الضفة الغربية وفي لبنان، ويملك الكثير من المرونة السياسية، لتظل القضية الفلسطينية محور الاهتمام العربي، حتى وإن كانت هناك اتفاقات سلام عربية مع إسرائيل. دورة الأجيال الفلسطينية فلسطين ذهب متابعون للتأكيد على أن هناك أجيالا جديدة من الشباب التي نشأت في مخيمات اللاجئين لديها نصيب من الوعي بالقضية الفلسطينية، وإدراك بالتحولات المحيطة بها، وتبحث عن قيادة تعبر عنها وعن طبيعة المرحلة الحالية التي تتوازى فيها التنمية والبناء مع التحرر الوطني، على أن يكون ذلك داخل الإطار العربي الداعم للقضية. وتختلف طبيعة تفكير الأجيال الحالية عن سابقتها في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي التي قادت حركات المقاومة الشعبية نحو التحرر الوطني، وأضحى هناك تفهّم للظروف الجديدة التي تمر بها القضية الفلسطينية، التي لا تزال تبحث عمّن يساير التغيرات والتطورات المتسارعة عبر قرارات مرنة تدرك حساسية العلاقة مع جميع الأطراف، حتى تتمكن من فرض رؤيتها لإعلان الدولة. وهذا الأمر جعل اللجنة المركزية لحركة فتح، التي يتزعمها عباس تنتفض خوفا من تداعيات تصريحات السفير الأميركي في إسرائيل، ووجهت السباب للنائب محمد دحلان، لأنه الأكثر قربا من أفكار الأجيال الصاعدة واستطاع أن يلم شمل الكثير من الشتات خلفه، ويحظى بحضور قوي في الضفة الغربية وقطاع غزة بفعل الأدوار الإنسانية التي يقوم بها داخل القطاع. ويرى مراقبون، أن انزعاج السلطة الوطنية لا يرتبط بمخاوفها من فرض رئيس جديد على الفلسطينيين، فهي تدرك استحالة حدوث ذلك على أرض الواقع، لكنها وظفت الموقف للتأثير سلبا على شعبية رئيس تيار الإصلاح داخل الحركة واستغلال البيان كأداة تشكيك مسبقا في نتائج أي انتخابات، حال لم تأت على مزاج قوى فاعلة داخلها. وعمدت اللجنة المركزية لحركة فتح إلى أن توجه سهام التشهير السياسي بالنائب محمد دحلان في خضم انتقاداتها لتصريحات السفير الأميركي وادعت بأنه مفصول من فتح منذ عام 2011، وزعمت أنه “مدان بقضايا ومتهم بجرائم ومطلوب للقضاء الفلسطيني ومن الشرطة الدولية”. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب لـ”العرب”، إن “الهجوم على النائب محمد دحلان يبرهن على أنه لا أمد لمصالحة داخل حركة فتح على الأمد القريب، وأن الرئيس محمود عباس يفتقر للاستعداد في لم شمل الحركة في الوقت الذي خرج فيه دحلان لرفع الحرج عن السلطة برفضه لتصريحات السفير الأميركي قبل أن تصدر اللجنة المركزية بيانها”. وأشار الرقب إلى أن هناك سيناريو لتشويه النائب دحلان، مثلما كان أبومازن هدفا للتشهير قبل أن يتولى السلطة في العام 2003، والمقصود من التصريحات أن يهرول أبومازن إلى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي دون شروط عبر استخدام فزاعة محمد دحلان، لكن في هذه الحالات أصبح الرأي العام الفلسطيني أكثر انقساما بعد أن توالت الاتهامات بين جميع الأطراف. فلسطين ولا يرى الأكاديمي الفلسطيني أفقا سياسيا لإجراء الانتخابات طالما أن الرئيس أبومازن على قيد الحياة، لأنه لن يسمح بإجراء انتخابات تزيحه من على رأس السلطة حتى وإن جاءت في صالح أي شخص قريب من التيار الذي يقوده، كما أنه يعلم أن فتح ستواجه بخصم قوي عبر تيار الإصلاح الذي سيذهب لتسمية نفسه حزبا مستقلا حال رفض عباس المصالحة. ومن المرجح أن يستمر الركود إلى ما بعد الانتخابات الأميركية انتظارا لما سوف تسفر عنه من تغيرات في المواقف، لكن من المستبعد أن تنعكس تلك التغيرات على القضية الفلسطينية، في ظل وجود مخطط إسرائيلي لتقسيم الضفة الغربية إلى سبع إمارات، تمثل المدن الرئيسية، على أن تكون غزة عنوانا للدولة الفلسطينية. وهناك ما يشبه بالإجماع على أن بقاء جميع السلطات بيد السلطة التنفيذية، في ظل انقسام بلغ ذروته بظهور تصدعات كبيرة داخل المكونات السياسية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، لن يؤدي إلا لتعزيز التشرذم، الذي سيكون قابلا لأن يتحول إلى صراع قد تسيل فيه المزيد من الدماء، مع استمرار تجميد المسار السياسي، وعجز المقاومة المسلحة عن العمل، في آن واحد.

مشاركة :