"الحرامي" دراما مصرية مخصّصة لجمهور الهواتف المحمولة | محمد عبدالهادي | صحيفة العرب

  • 8/13/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

مسلسل “الحرامي” يغيّر قواعد الصناعة المعتادة للدراما بمصر، ويقدّم مضمونا سريعا معتمدا على عقدة واحدة، ويناسب جمهور المشاهدين عبر الهواتف المحمولة، لكنه يثير جدلا بالنسبة إلى الجمهور التقليدي الباحث عن التأثر الوجداني والاندماج مع الأبطال في أفراحهم وأحزانهم. القاهرة – كسر مسلسل “الحرامي” الأعراف الراسخة في صناعة الدراما المصرية التي تعتمد على المشاركة بين الجمهور والممثلين عبر الأحداث المتلاحقة والمركبة، والاستفاضة في شرح خلفيات الأبطال التي تدفع بهم إلى المواقف المصيرية التي يتخذونها في حياتهم، ليقدّم صراعا معقدا في مدى لا يتجاوز عشر حلقات، كل منها لا تتجاوز عشر دقائق. يدور المسلسل، الذي تم إنهاء تصويره في 11 يوما فقط، عن كمال (الفنان أحمد داش)، اللص الشاب وصديقه اللذين يحاولان سرقة وحدة سكنية فاخرة ويفاجأ اللصان بعودة صاحبها وأسرته، ويهرب أحدهما ويحتجز الثاني عاجزا عن الدخول أو الخروج، بسبب بقاء الأسرة كلها داخل المنزل اتباعا للإجراءات الاحترازية وحظر التجوال الذي فرضته الحكومة لمنع تفشي وباء كورونا، وتنشأ بينه رابطة حب مع فتاة تقاربه السن داخل المنزل. تسبّب قصر المدة الزمنية للحلقات، في عدم تعلق الجمهور بالشخصيات أو التعاطف معها، خاصة مع طبيعة جمهور الدراما الذي يتوحّد مع الأعمال الفنية، ويصعب عليه الفصل بين عالم المسلسلات والواقع، ويعاني من استحضار ظروف وخبرات سيئة مرّ بها في الواقع ويحاول التحرّر منها عبر عالم الدراما إلى درجة تلقي الممثلين تهديدات بالقتل أو الإيذاء بسبب طبيعة أدوارهم. قصر المدة الزمنية للحلقات التي لا تتجاوز عشر دقائق، تسبّب في عدم تعلق الجمهور بالشخصيات أو التعاطف معها يعتمد العمل على قصة حقيقية للمؤلف وائل عبدالفتاح في كتابه “حكايات القاهرة” حدثت بالفعل في دمشق 2002 لفتى كان يعيش في دار أيتام وتسلل إلى منزل إحدى العائلات المجاورة وأقام فيه 40 يوما قبل اكتشافه على يد طفلة صغيرة، وهرب قبل القبض عليه ليعاود الظهور في المنطقة ذاتها بعد أشهر، ليكرّر الأمر ذاته باحثا عن الحنان الأسري لكن يلقى عليه القبض من قبل الشرطة. تبدو القصة الحقيقية منطقية للغاية، فالشاب الصغير المحروم من لُحمة العائلة وحنانها، كان يبحث عن الدفء عبر مشاهدة كيفية عيش الأبناء مع أهاليهم، وظل طوال الفترة التي يقطن فيها يتحرّى الحذر الشديد، فلا يترك مخلفات له من الطعام أو الشراب، أو الحركة على عكس العمل الذي كان فيه كمال يتحرك بسلاسة في المنزل فيشرب ويأكل أمام الثلاجة لمدة طويلة رغم وجود مالكيه. يصعب تصنيف العمل في سياق واحد فهو ينتمي إلى الدراما من ناحية و”السيتكوم” من ناحية أخرى، وتسبّبت تلك الازدواجية في التعامل السطحي مع فكرته ومحاولة انتزاع الضحك بالسخرية من كورونا، وهوس العائلة بالتعقيم وجهل الفقراء بوجود الفايروس من الأساس، واستعاذتهم بالله ممّن يحملون الكحول باعتباره مادة مسكرة محرمة، وتقديم شخصيات خالية من التفاصيل دون خلفيات عن المشكلات التي تعاني منها أو حتى توضيح نمط علاقاتها وتشابكاتها. لا يشرح العمل الكثير عن بطله كمال، سوى أنه يعمل في غسيل السيارات بمنطقة شعبية ولا يعرف أسماء والديه، وقدّمه في صورة مثالية في الحلقة الأولى لمطاردته لصا سرق حقيبة من يد سيدة مسنة، وينجح في النهاية في إعادة المسروقات قبل أن يصبح لصا في الحلقة ذاتها بالتورّط في محاولة سرقة بيت استغلالا لسفر أصحابه، في مفارقة تهم كثيرا جمهور الدراما الذي يريد التفاصيل ويعتمد عليها في بناء سياقاته المعرفية في الحياة. علاقات معقدة يبدو نمط العلاقة بين الزوجين طارق (الفنان بيومي فؤاد) ورانيا (الفنانة رانيا يوسف) عصيا على الفهم، ففي بعض الأوقات يظهران كشريكين يعانيان فتورا في العلاقة ويقتربان من الانفصال، وفي أوقات أخرى يظهران كعشيقين، وتارة ثالثة تبدو الزوجة كمن تعاني نفورا من زوجها الذي يعاني قدرا كبيرا من القلق والكآبة دون أدنى توضيح لأسباب وصولهما إلى ذلك المستوى المتأزّم، باستثناء أن زواجهما تم بالطريقة التقليدية بين شاب جيد على المستويين الخلقي والمالي وفتاة حسناء. انتقل الأمر ذاته إلى الأبناء، فالكبرى فريدة (كارولين عزمي) لا يفارق الهاتف المحمول يدها وتقع فريسة لتطبيق “تيك توك” حتى تقع فريسة لخطيبها السابق الذي يساومها بصور ومقاطع قديمة ويطلب منها المزيد رغم خطبتها من آخر، والثانية سالي (رنا رئيس) تعاني مشكلات صحية وتريد الهروب من حياتها التي لا تجد فيها من يحبها أو يهتم بها دون ذكر لسبب الأزمات النفسية لفتاتين تعيشان في بيئة شديدة الثراء. كذلك لم يقدّم العمل سياقات تدفع البطل إلى الجنوح نحو الجريمة، سوى إثارة صديقه، الذي يعمل في توصيل الأدوية، للحقد الطبقي داخله على الأثرياء واستغلال ظروفه المالية الصعبة في إثارة المطامع داخله، حول ما تضم وحداته السكنية من ثراء وتحف، وهي مبرّرات لا تدفع شخصا إلى الجريمة للوهلة الأولى. يحفل العمل بمشاهد متناقضة، فاللصان يرتديان الملابس الشتوية وأصحاب الوحدة المسروقة يرتدون أزياء صيفية ويشغلون في الوقت ذاته وسائل تدفئة، وحتى كمال يتعرّض إلى ضربة قوية على يده اليسرى صباحا، ويعتمد على اليد ذاتها في تسلق عمارة سكنية تحت الإنشاء والقفز من مسافات مرتفعة تحتاج إلى محترف بلياقة بدنية. قدّم المسلسل تخيلات بدت غير عقلانية للكثيرين، بوقوع فتاة في حب اللص الذي يسرق منزلها وتعاطفها معه إلى درجة أنها تسأل أصدقاءها على كيفية إرضائه بعدما أهانته وتشجيعه على الانتقال من مؤهل متوسط إلى الالتحاق بالتعليم الجامعي، وتسهيل مهمته في الهروب من منزل أسرتها متحدية والدها شرس الطباع. ربما تعاني الازدواجية في العمل من كون واضع رؤيته أحمد فوزي صالح منغمسا في كتابة الأفلام القصيرة المخصّصة للمهرجانات العالمية المعتمدة على قصص إنسانية تراجيدية في المقام الأول، وآخرها عمله “ورد مسموم” عن عمال المدابغ، الذي رشّح لجائزة أوسكار لأفضل الأعمال الأجنبية العام الماضي. يقول صالح، إن المسلسل لم يكن مخصّصا لتناول كورونا، لكن تم توظيفها داخله باعتبارها أزمة تخدم الحبكة، ومناسبة للأجواء التي تدور فيها الأحداث، وإضافة إلى ذلك لاقت استحسانا من الجمهور، كما يؤطّر لدراما جديدة تعتمد على سرعة الأحداث وضغط الوقت، وتقليص عدد الممثلين، ويستطيع المشاهد متابعتها عبر الهاتف المحمول الذي أصبح الوسيلة الأساسية للمشاهدة حاليا. مآرب أخرى لا ينكر المؤلف وجود مآرب أخرى من العمل، بينها الجانب المالي أو توصيفه كاستراحة بين مشاريع سينمائية يخطّط لها تحتاج إلى تمويل مالي ضخم وسنوات من التحضير، حتى أنه يؤكّد أنه تقليد لمخرجين آسيويين يتّجهون لإنتاج أعمال تلفزيونية سريعة للاستفادة من عائداتها في مشروعاتهم السينمائية التي تحتاج وقتا وجهدا للتنفيذ. ورغم وتيرة السرعة على مستوى الوقت إلا أنه كان يحمل نوعا من البطء فاكتشاف اللص لم يتم إلا في الحلقة الثامنة، ما أفقد العمل الكثير من الأجواء الكوميدية والإنسانيات التي كان يمكن إقحامها، أو استعراض الخلفيات التي أتى منها، وتوصيل وجهة نظر مؤلفه المنغمس في قضايا المُهمشين في عالم المدابغ ومجتمعات “العربجية” وأصحاب “عربات الكارلو” الخشبية المتمركزين على تخوم القاهرة. لم تكن المقدّمة الغنائية للعمل موفقة، فكمية الدمج في الصور جعلته شبيها بعمل عن الغيبيات باعتمادها على اللونين الأسود والأحمر، وصور لورود تنمو بعنف وآلات تصوير، وسماعات أذن تتطاير في الهواء، وكلها تخلق تشويقا ليس له علاقة بعمل يحمل قدرا من الكوميديا والتراجيديا، أما الرومانسية فتظهره علاقة الحب بين اللص والابنة المراهقة التي تبحث عن كيفية رد الجميل له على إنقاذه حياتها حينما تعرّضت لنوبة ربو. يذكر للمخرج الشاب محمد سلامة أنه استطاع أن يخلق مساحة تشويق بنهاية كل حلقة ومداعبة خيالات الجمهور، وإن كانت بعض الأحداث مكرّرة من التراث الدرامي السابق كثيمة فقرة فقدان خاتم الألماس، واتهام اللص بسرقته قبل أن يتبيّن وجوده في مكان آخر وعدم سرقته، أو اتهامه مجدّدا بسرقة مبلغ مالي من خزينة المنزل ويتّضح أن الابنة الكبرى حصلت عليه لرشوة شخص حاول استغلال صورها. يحاول العمل دائما ربط واقع كورونا وتأثيراتها على تداعيات الحياة بوجه عام فالعمالة اليومية تضرّرت في دخلها وعادت إلى مسقط رأسها في الأقاليم، وبعض الأثرياء تخلّصوا من حيواناتهم الأليفة بسبب التخوّف من المرض، والمجتمع بوجه عام تحوّل إلى قطاع لا يعرف شيئا عن المرض ولا يميّز بين الإصابة الفايروسية وغيرها من التوعكات المرضية. جاءت نهاية العمل صادمة للجمهور الباحث عن النهايات السعيدة، فرغم حل البطل لمشكلة فريدة وحصوله على الصور التي تتعرّض للابتزاز بسببها، إلا أنه تلقى أشد أصناف المعاملة القاسية من أسرتها، ليسير هائما في الشوارع باحثا عن حياة جديدة حاملا ملفا ورقيا لإحدى كليات الهندسة باحثا عن مجتمع لا يعايره بكونه حالما بمجتمع يتقبّله.

مشاركة :