عرض مصري ينتقد التكسّب من "الترند" | محمد عبدالهادي | صحيفة العرب

  • 7/25/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

"فرحة" عرض مسرحي مصري يمارس قصفا مبطنا لسعي الشباب لتحقيق الربح عبر الدعاية السلبية عن الذات في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ويربط رغبتهم في تحقيق الشهرة عبر الوسائل السريعة نتيجة اختلال دور الأسرة وافتقارها للثقافة العامة. القاهرة – يمثل العرض المسرحي المصري “فرحة” المأخوذ عن قصة قصيرة بالعنوان ذاته للأديب الروسي أنطون تشيخوف معالجة جديدة لقضية التكسّب من الدعاية السلبية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومتاجرة البعض بآلامهم وخصوصياتهم من أجل جني المزيد من الجماهيرية وتحقيق الربحية من ورائها. ويحمل العرض، الذي يقدّمه البيت الفني للمسرح في القاهرة، محاولة لعصرنة القصة الأصلية المكتوبة قبل قرن ونصف القرن عن تحوّلات المجتمع الاشتراكي إلى رأسمالي، لتتضمّن نوعا آخر من التحوّل المرتبط بتغيرات الأسرة في عصر الحداثة واختلال أدوارها المجتمعية، وإهمالها العناية بالأبناء. وتنطق المسرحية، التي تعتمد على أربعة ممثلين فقط، من فكرة إصابة “كسَّاب” (يوسف مراد) الشاب محدود الذكاء في حادث وورود اسمه في خبر بصفحة الحوادث، ومدى السعادة منقطعة النظير التي بات يعيشها بعدما أصبح مشهورا، ليشتري العشرات من نسخ الصحيفة لتوزيعها على قائمة الأصدقاء والجيران، ويرفض معالجة جروحه لتظل تذكرّه بأسعد أيام حياته. تنمر مجتمعي يحمل العمل نوعا من النقد غير المباشر لفكرة الشهرة التي يسعى لها الشباب وتصل بهم أحيانا إلى الوقوع أسرى لضياع حياتهم سعيا وراءها أو الخوف من فقدان الشعبية بالبحث ليلا ونهارا، دون راحة أو هوادة عن وسائل جذب المتابعين لهم حتى لو وصل الأمر إلى السخرية من ذواتهم أو عرض أشد الأمور خصوصية على المشاع. يعتبر كسّاب، ملاحظ النظافة، أن مجرد ورود اسمه في الصحيفة سيجعله “تريندا” على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يبالي بكمية الكوميديا التي تتضمنها حادثته المثيرة للخجل، أو أنه كان سكيرا ووقع تحت أرجل حصان مذعور جره العشرات من الأمتار، حتى تمكنت مجموعة من حراس العقارات الإمساك به أمام قسم الشرطة. المسرحية تسخر من فكرة الشهرة التي يسعى إليها الشباب، وخوفهم من فقدان الشعبية التي توفرها لهم وسائل التواصل عاش الشاب حياته يشعر بالظلم المجتمعي من كونه يعمل بمهنة بسيطة تضعه في تنمر مستمر من والدته قامت بالدور الفنانة لقاء سويدان ووالده (الفنان ياسر صادق) اللذان يصفانه بالغبي باستمرار، ويسخران من رائحته المرتبطة بمهنته، وانتهاك كرامته حتى من شقيقته الأصغر التي لا تتوانى في صفعه على وجهه لمجرد لمسه دميتها الشبيهة بالقط “توم”. وتظهر فكرة التكسّب من “التريند” بقوة في فرحة الشاب الذي يرقص على نغمات أغنية الفنان أحمد شيبة “آه لو لعبت يا زهر” والتي تدور حول جانب الحظ في تحقيق الثراء، ويرفض أن يضع ثلجا فوق رأسه، ويعتبر أنها باتت الأشهر في الدولة كلها، بل ويتمادى في غيه بتخيل إمكانية الاحتفاظ بها ضمن أحد المتاحف بعد وفاته لتجاور توت عنخ آمون ونفرتيتي. ولا يخلو العمل من انتقاد لاختلال مفهوم الأسرة، فالأم دائمة الشكوى من الزوج ماليا فقط، والأخير لا يعرف شكل ابنته ولا اسمها وهو منغمس في الخيانة مع خادمته وبمعرفة الابن ومباركته، والاثنان لا يباليان بعودة الابنة متأخرة قرابة الفجر بعد سهرة مع أصدقائها، وكل تركيزهما منصب على الشجار، وفرض هيمنة كل منهما على الآخر بالعنف البدني واللفظي. تجعل المسرحية الأبناء ضحايا لعدم التكافؤ بين الزوجين، فالزوجة ذات التعليم الأجنبي تغني بالإنجليزية باستمرار، والزوج الذي يناديه نجله بلفظ “معلم” بكسر الميم محدود الثقافة، وثراؤه نابع من نشاط مرتبط في الغالب بمهنة العقارات أو محال لبيع اللحوم، ما يعني أن زواجهما كان نفعيا صرفا، امرأة تسعى للثراء، ورجل يسعى للانتقال بطبقته الاجتماعية إلى أعلى. يلقي الشاب مأساته على عاتق أفراد أسرته حينما يصفهم بالحيوانات الحبيسة داخل حديقتهم، فمهما كانت واسعة ومليئة بالطعام لكنها تظل سجنا، لم ير أحد والديه طوال ثلاثين عاما ممسكا بكتاب أو صحيفة، وعندما تذلّل لهما لقراءة الخبر المكتوب عنه كان تركيزهما منصبا على أسباب اختلاف صورة الابن عن الحقيقة أو السخرية من الخبر ذاته دون تدقيق في مضمونه وتفاصيله. يعيب البعض على العمل انغماسه كثيرا في استخدام الألفاظ السوقية والنابية في حواره والتي لا تتماشى مع طبيعة المسرح ومكانها أقرب لعالم السينما، في مقدّمتها لفظ “مُزة” السوقي الذي يقال على المرأة الجميلة أو “ارحم ميتين أمي” (نوع من السباب الشعبي)، لكنها كانت محاولة من صناع العمل لاستخدام اللغة كوسيلة إدانة الشخصية المتحدثة بالجهل وسوء الخلق. ويقول مصطفى سليم، رئيس قسم النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، إن “فرحة” لم تبتعد في معالجتها عن ركب العمل الأصلي الذي يرصد تحوّلات المجتمع من الإقطاع إلى الرأسمالية الصناعية، التي رفعت معها قيمة الأخبار واستثمرت فيها، وحوّلتها إلى تجارة بظهور أخبار البورصة والمال والأعمال. لكن مع نقلها إلى الواقع. ويضيف لـ”العرب”، أن صناع العمل اختاروا مسرحية قصيرة غير ثرية بالأحداث مؤلفها أنطون تشيخوف، كتبها في حياته المبكرة لصالح صحيفة هزلية متواضعة كمصدر للدخل والإنفاق على دراسته في كلية الطب، لكن طريقة المعالجة جعلتها في صميم الهدف الرئيسي لمسرح المواجهة وأعطاها ارتباطا كبيرا بالواقع. وتأسّس مسرح “المواجهة والتجوال” قبل عامين ضمن خطة وزارة الثقافة المصرية لاستخدام المسرح بهدف مواجهة العنف والإرهاب فنيا، لكن أدواره امتدت لتشمل أبعادا تنويرية بتعريب الأدب العالمي، وتوجيه العديد من الرسائل التي تدعو الشباب للعمل بجهد وتحسين أوضاعهم والمشاركة في خطط التنمية التي تقوم بها الدولة. وتحمل المسرحية معالجة مغايرة تماما لنهاية تشيخوف، فبدلا من أن يخرج الشاب واضعا قبعته على رأسه إلى الشارع بإحساس غامر بالفرح والانتصار جعله النص المسرحي يصاب بلوثة عقلية من الجنون، ويقفز من شرفة المنزل ليسقط صريعا بعد دقائق مع صمت الأب والأم وصراخ الشقيقة التي قالت إنه “كان يريد أن يصبح رجلا مهما وأضاع حياته لجنونه وجنون أسرته”. ويعتبر العمل الظهور الأول للمخرج والمؤلف المسرحي مراد منير بعد اختفاء دام ثلاث سنوات، منذ تعثّر مسرحية “البيه والبرنسيسة” لاعتذار طاقمها الأساسي ودخوله في خلافات مع مسؤولي مسرح “البالون” بالقاهرة على تفاصيل عرضها. وجاء عرض “فرحة” بعد أربع بروفات فقط بسبب الإجراءات الاحترازية لفايروس كورونا، والتي انعكست بصورة واضحة على الإخراج فجاء بسيطا للغاية، لكنه راعى التفاصيل الأساسية للتعبير عن فحوى العمل بإدارة الممثلين وخشبة المسرح، وخلق أنماطا من الحركة لكسر الرتابة التي قد تتسلّل للمشاهدين من بساطة الصراع. تحمل المسرحية رسالة بأن الحداثة والتقدّم لا يجب أن ينسيا الأبوين دورهما في الحياة، الأم تخلت عن دورها وتفرغت للعب كرة القدم، والأب حصر دوره في جني المال حتى أنه لا يعرف اسم أو شكل ابنته أو طبيعة حياتها، وأصبحت مشكلتهما الرئيسية في معرفة مصدر الجينات التي جاء منها الغباء منقطع النظير للابن المسكين. ويحاول العمل أن يسخر حتى من الأسماء التي تم اختيارها بعناية لإبراز التناقضات عبر “كسَّاب” ملاحظ النظافة الذي يجني القليل وتم منحه لقبا مشتقا من صيغة مبالغة للكسب، ووالده “كامل كامل” الذي يعاني غالبية النقائض البشرية، والبنت “ليلى” وهو اسم مستمد من الليل، وفي غالبية المعاني تظهر نشوة الخمر وبداية السُكر.

مشاركة :