لا يوجد ما يمنع الخيال أن يذهب بعيدا في افتراض أن قوة ما يمكن أن تغزو الأرض وهي قادمة من فضاء بعيد أو كوكب مجهول. هذه الفرضية تجدها حاضرة في سينما الخيال العلمي، ولكن بأساليب ومعالجات سينمائية شتى ما يرسّخ متعة المشاهدة لدى عشاق هذه النوعية من الأفلام. قد تتكرّر ثيمة غزو الأرض الممزوج بالخيال العلمي في أكثر من عمل سينمائي، لكن طريقة تناولها ومعالجتها فيلميا هي التي تختلف. وذلك ما يمكن أن ينطبق على فيلم “الغزو” للمخرج الروسي فيدور بوندورتشوك وهو أحد المساهمين في الإنتاج أيضا، وهو نجل الممثل والمخرج الروسي المعروف سرغيه بوندرتشوك. الغزو هنا يندرج ضمن لائحة الانتظار، إلاّ أن محور تلك الإشكالية التي تشغل الرأي العام هي الفتاة يوليا (الممثلة إيرينا ستارشينباوم) التي تخوض غمار الرحلات الفضائية، لكنها تسقط في حادث ممّا يترتب عليه حملها لصفات استثنائية وقدرات خارقة ما يجعل منها تهديدا للعوالم الأخرى. وكونها سببا محتملا قويا للغزو الخارجي فإنها تكون محاطة بحراسة مشددة على مدار الساعة، كما أنها سوف تكون سببا في كراهية شعبية عارمة، إذ ينظر إليها على أنها سبب البلاء المحتمل. ومن هناك تجد يوليا نفسها في مأزق، فوالدها جنرال كبير وهو الذي ينسق مهام القوات الفضائية الروسية كما ينسق المهام لمواجهة الغزو المحتمل، وهو أيضا الذي يحاصر ابنته بالحراسات المشدّدة خوفا عليها من الاختطاف. في وسط هذه الأجواء يتم تحشيد الفيلم بالكثير من العناصر الجمالية لفيلم الخيال العلمي، فضلا عن كثافة في استخدام المؤثرات الصورية واستخدام اللقطات العامة التي تظهر الأماكن التي تجري فيها الاستعدادات للمواجهة. على أن من المشاهد المؤثرة والمصنوعة باحترافية عالية هي تلك التي تشهد تدفق المياه على شوارع المدينة مع تصدّع السدود وتفجّر خزانات المياه التي تُغرق المكان. وفي إطار الاستخدام المعتاد لوسائل الإعلام، وخاصة الفضائيات، وجدنا أن الفيلم لم يغفل هذا الجانب فنشرات الأخبار تسلط الضوء على التحدّي المقبل، حيث تغصّ الشاشات بأخبار ما هو آت. ومع كل هذه الأدوات والوسائل التي احتشد بها الفيلم يكون قد هيّأ الأرضية لتقبل ما هو آت، لاسيما وأن أسباب الصراع المتفجّر تتزايد بين القوة المجهولة وبين القوات الروسية التي تستخدم أفضل ما عندها للقيام بالمهة بالشكل المتكامل. وبالطبع تحضر في هذا الفيلم ميزة الإنتاج الضخم وعامل المنافسة بقوة، لاسيما وأن شركات أميركية كبرى هي التي قامت بمهمة توزيع الفيلم وهي سوني وكولومبيا ووالت ديزني وربما شركات أخرى. فتاة تمتلك قوى خارقة تصبح محل اهتمام أجهزة الاستخبارات الروسية تجنبا لوقوع كارثة منتظرة من فضائيين غزاة واقعيا نجد أن الفيلم وقد احتشد بجميع تلك العناصر البصرية يكون قد أعدّ العدة بشكل كاف لتطوير حدة الصراع، وبالتالي وقوع المواجهة المنتظرة مع تلك القوة الفضائية. وفي وسط هذا الانتظار تسعى يوليا لتخليص نفسها عبر طلبها من والدها أن يسمح لها بيوم واحد من الحرية تستطيع أن تقوم فيه بما تحب من لقاء أصدقاء وصديقات وما إلى ذلك، لكن ذلك لن يتحقّق لأن يوليا تعد شخصية اعتبارية خطيرة وتتحوّل قضيتها إلى قضية أمن قومي. ولتأكيد تلك الحيرة تكون يوليا محاطة بثلاث شخصيات لكل منها مكانتها الخاصة، الشخصية الأولى هي صديقها في الدراسة والذي تلجأ إليه في وقت الشدائد، وآخر يسعى نحو هدفه دون هوادة، أما صديقها الثالث فهو يتقمّص دور رجل الفضاء الذي يتمكّن من السيطرة على جهاز لا يكاد يتّسع لأكثر من شخص واحد، وبذلك تتكرّر المظاهر التي تذهب بنا إلى زمن مستقبلي مليء بالدهشة. عند هذا المنعطف في علاقات يوليا مع أصدقائها تتصاعد المطاردات، فالغرض هو الإمساك بها بأي شكل من الأشكال، لأن مجرد ظهورها يخلّف وراءه سخطا شعبيا ومخاطر كبيرة. وخلال ذلك تتأكّد العناصر الخارقية التي تمتلكها يوليا من خلال تحريك المياه والسيطرة على الأشياء، ولذلك يصبح خروجها عن السيطرة وتمرّدها سببا في قلق واسع، فتتضاعف جهود أجهزة الاستخبارات للإمساك بها قبيل وقوع الكارثة. حشد الفيلم العديد من الشخصيات، وبذلك ضمن التنوّع في الأداء الاحترافي المتوازن بالنسبة للشخصيات، ومن ذلك شخصية الجنرال والد يوليا والضابط الأعلى وصديق يوليا الذي يقود جهازا متطوّرا للتنقل الفوري. في المقابل لم يكن التركيز على يوليا على أنها الحل الأول والأخير منطقيا، إذ أن شل حركة الحياة خوفا من وقوع هجوم من قبل مجهول، بدا حلا مبالغا فيه حتى بدت الإشكالية الأساسية للمواجهة في ارتباطها بيوليا تبعث على الملل في الكثير من المشاهد، لاسيما مع التكرار والتأكيد على أهميتها. في المقابل، أثبتت يوليا براعة في التمثيل هي وأصدقاؤها المحيطون بها وهم يتنقلون من مكان إلى آخر تفاديا للسلطات. أما على صعيد الشكل والبناء المكاني فقد تميز فيلم “الغزو” بتنوع مكاني ملفت للنظر، على اعتبار أنه ينتمي إلى الإنتاجات الضخمة، من خلال ميزانية بلغت قرابة 15 مليون دولار. ولهذا حفل بذلك التنوع المكاني وكذلك تميز بجمالية عرض الأماكن، لاسيما وأنها حفلت بتنوع في الأحداث بما جعل الفيلم برمته أشبه بمغامرة.
مشاركة :