معبرة تلك التجربة التي تعرض لها الكاتب المصري أنيس منصور، عندما تلقى خبر قرار فصله من عمله بأمر من الرئيس جمال عبدالناصر بسبب مقال نشره في (أخبار اليوم) بعنوان: حمار الشيخ عبدالسلام. فقد تخلى أصدقاؤه عنه الواحد تلو الآخر، وكأنه يحمل وباءً معديا، فتجنبوا الجلوس معه في القهوة خوفا من أن يتهموا بالتواطؤ معه في مقالاته، ولو كانت مأساة أنيس منصور في هذا العصر لتجنب أصدقاؤه إعادة تغريداته وألغوا متابعتهم له وحذفوه من قروب الواتس آب، وتهربوا من الحديث معه في أي وسيلة تواصل حديثة مهما كانت الأسباب، ولو صادفه أحدهم في مكان عام لامتنع عن مجرد رد السلام عليه فهو من الآن عدو الريس. طبعا ما تم ذكره آنفا لم تكن تجربة شبيهة لكاتب المقال بل كانت تجربة لرئيس شبابي سابق طاعن في السن تلقى قرارا من المدرب بإخراج سيارته من النادي بداعي الانضباطية. مقدمة لا داعي لها، لأن الموضوع اليوم أساسا لا علاقة له بأنيس منصور أو بالرئيس الشبابي السابق، بل موضوعنا اليوم عن الشركة البروميثيوسية التي أشارت على الشبابيين بأخذ جرعات كافية من الكراهية، أي أن يكونوا مكروهين ويصبح لهم كارهون حتى يدخلوا عالم الأضواء والفلاشات من أوسع الأبواب. يقال إن الفراعنة لم يهتموا ببيوتهم قدر اهتمامهم بمقابرهم لذلك اندثرت بيوتهم وبقيت مقابرهم، طبعا مندوب هذه الشركة الاستشارية في عالم الكراهية يملك مخيلة أشد غرابة من مخيلة الفراعنة، فقد اندثر النجوم وبقيت الكراهية والسبب يعود لاستشاراته البروميثيوسية. لا يخجل أحدهم أن يصرح بأن أهم إنجازاته هي تحويله نادي الشباب لنادٍ مكروه بعد تبنيه مشروع الكره القومي، ويبدو أننا تعاطينا جرعة زائدة من عقار الكراهية فصار بعضنا يكره بعضا فلا يذهب أحدنا للنادي إلا بعد أن يسلم على أهله ويعانق أطفاله، فلا يعلم ماذا يحدث له في مجازفته المتهورة بدخول أسوار النادي وحتى الموظفين السابقين لا يدخلون النادي إلا بوجود ضمانات أو حراسات شخصية لضمان سلامتهم. انشطر الجسد الشبابي إلى جسدين، جسد ينتمي لثماني سنوات من مسيرة الشباب، وجسد ينتمي لما تبقى من هذه المسيرة، فصار الدخلاء على النادي يعلمون الشبابيين كيف يحبون نادي الشباب ويحتقرون تاريخه. فؤاد أنور أسطورة رياضية، نموذج مشرق للنجم الرياضي العاشق لوطنه، عرفنا من خلاله ماذا يعني التفاني والبذل من أجل منتخب الوطن، أدرك أن الرياضة رسالة سامية، فقاد منتخب بلاده نحو منصات التتويج، وللأسف رسالته صارت ناقصة لأنها لم تمتزج بشيء من الكراهية. فلا تندهشوا من دعوتي لكم إلى اعتناق الكراهية والانضمام لقافلة المكروهين، فالكراهية هي الأمل الوحيد الباقي لمجابهة كراهية الآخرين، فالأخلاق الحميدة التي اعتنقناها عقودا طويلة قد أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، حيث الشبابيون يخجلون من تشجيع الشباب (كما يقول أرباب الكراهية) حتى قدوم الشركة المفترية، التي منحتهم هدية أعظم من هدية بروميثيوس، إنه عقار الكراهية الذي جعلهم يفخرون بالشباب ويشعرون معه بالمهابة والاعتزاز.
مشاركة :