رضاب نهار (أبوظبي) نصادف يومياً مئات الملصقات و»البوسترات»، وربما أكثر، بينما نحن في الطريق، في العمل، داخل المنزل، في المراكز التجارية، وفي غيرها من أماكننا العديدة. فهل نعيرها اهتماماً؟ أو هل يلفت نظرنا واحداً من دون غيره؟.. قد يكون الجواب للأسف «لا». والسبب أن هذا الازدحام البصري الشديد الذي بتنا نعاني منه، قد منع ذواكرنا من التمييز والفرز، وقدّم لأعيننا وأذهاننا مادة لا نتعب أنفسنا في الوقوف أمامها وتفكيك أدواتها، فنحن نشاهدها فقط وكأنها تفاصيل يومية غير معنيين بفهمها. ولأننا نعيش عصر «الصورة»، وهو الأمر الذي يتم الترويج له باستمرار، تحوّلت «البوسترات» إلى ثقافة بحد ذاتها، تتطلب منا النظر والتحليل لنفهم وندرك واقعنا المعيش. ونحن هنا نتكلم عن ما نراه صباحاً ومساء، لدرجة أنه بات من المألوف ومن الطبيعي. مثل تلك الصور الموجودة على الجدران وعلى أغراضنا وحاجياتنا المستخدمة، وغيرها مما هو في متناول اليد كل الوقت. ومنه امتلأت حياتنا بصور دخيلة لا نعرف أن نقرأها ثقافياً ولا فنياً. جميعها ذات طابع دعائي لمنتجات تجارية، وأخرى فاقدة المعنى والشكل في الوقت نفسه. ونادراً ما تلقى «بوستراً» اشتغل بأسلوب فني وثقافي، ليعبّر عن ثقافة المجتمع ويقتنص فكرته من مفرداتها المحلية بما لا يتعارض مع المفهوم الحداثي العالمي. كذلك فإن «البوستر» الذي يتم التعامل معه على أن له مهمة وظيفية فقط، يحتاج إلى دراسة شكلية ولونية.معظم الدلائل – إن لم يكن جميعها - عند سعينا نحو الفهم والاستيعاب، تؤكّد وقوعنا في فجوة الثقافة المستهلكة، المقلّدة وغير المنتجة. والتي تصطحبنا إلى مرحلة من الجمود الفكري والشعوري كنتيجة ضرورية وحتمية للهبوط البصري اليومي. ما يعني أن مجتمعاتنا تعيش الآن مرحلة التلاشي الثقافي لصالح «الصورة المستهلكة». فحتى الصورة الجميلة وذات القيمة الفنية العالية، هي غائبة تماماً، ومن الممكن أنك في حال وجودها قد لا تنتبه لقيمتها وفكرتها في الأساس، فلا تفهمها. وأحد الأمور التي تثير التساؤل في هذا الإطار، أن «البوسترات» التي تعبر عن محتوى فكري ثقافي أو عن مضمون أيديولوجي، اختفت إلى حد ما من ثقافتنا الحالية، في حين أنها كانت تسيطر على المشهد العام قبل عقود وتساهم بتغييرات جذرية في نسيج القوالب الاجتماعية والفكرية آنذاك. من جهة أخرى، لم تعد «أفيشات» أو ملصقات الأفلام والمسرحيات تجذب الأنظار إليها كما في السابق، وفي بعض الأحيان قد لا تستطيع التعبير عن ثيمة العمل ومقولته. ربما من الضروري أن نأخذ هذه القضية على محمل الجد، لنكتشف القطيعة الكبيرة التي تفصل بيننا وبين الثقافة بنسختها الأصيلة. فليس من الغريب أن يختزل «البوستر» بغرضه التجاري والإعلاني، في الوقت الذي تهبط فيه ثقافتنا إلى المستوى الربحي البعيد كلياً عن جوهر الفكر والثقافة بكل أطيافها وألوانها.
مشاركة :