ماذا حدث لنا يا عرب؟ سؤال ربَّما يتردد كثيرًا في خلجات أنفسنا ونحن نشاهد ما يحدث في واقعنا العربي، ذلك الواقع الذي لا يحتاج إلى كثيرِ عناءٍ حتى ندرك مدى خطورته بما يحمله من صورة مظلمة تجعل اليأس في إصلاحها يتسلل إلى أبناء العرب، بل ويطغى أحيانًا على أفكارهم ومشاعرهم. نعم إن الصورة التي نشاهدها من حولنا قاتمة ومخيفة وتعبر عنها - بكل وضوح - خارطة الواقع العربي التي ارتسمت عليها المخاطر التي هاجمتنا وتكالبت علينا من كل حدب وصوب في محاولات خبيثة تسعى للعصف بكيانات بعض الدول العربية وإعادتها إلى عصور الظلام والإظلام. لقد أصبحت الخارطة العربية مليئة ومزدحمة با لأخطار التي خطَّط لها أعداء العرب بمكر ودهاء شديدين، وجمعوا كيدهم ومكرهم وأخذوا في تنفيذ مؤامراتهم الخبيثة، يدفعهم إلى ذلك حقد دفين على هذه الأمة، ويساعدهم في التنفيذ - وللأسف الشديد - الجهَّال والمتآمرون ممن ينتسبون زورًا وبهتانًا لأمة العرب ولكنهم وضعوا أيديهم في أيدي أعدائها، وباعوا أنفسهم ومصائر بلدانهم - بكل خسَّة ودناءة - لمن يكيدون للعرب ويسعون لإضعافهم ولتفتيت وحدتهم والنيل من مصيرهم. أقول: إن الخارطة العربية القاتمة أصبحت معبرة بوضوح عن أن أعداء هذه الأمة - وبمساعدة ومؤازرة ضعاف النفوس من بعض العرب - قد نشروا الفوضى في العديد من الأوطان، وحوَّلوا بعضها إلى جماعات متناحرة، وكيانات يضرب بعضها بعضا، وأشاعوا الخوف والرعب والإرهاب بين المواطنين، وجعلوا الحصول على المأوى الآمن والغذاء والمسكن والدواء حلمًا بعيد المنال لدى أطفالها وشبابها، فزادت حدة المشكلات بعد أن سيطر اليأس على النفوس، فازداد التطاحن، وأصبح أبناء العرب جزءًا من المؤامرات المحدقة بأمتهم وصار بعضهم من ضعاف العقول وغير أسوياء النفوس أداة طَيِّعة للنيل من إخوانهم العرب، بل وتمادوا في التآمر بتسخير ثروات بلدانهم في سبيل نشر الإرهاب وتأييد الفكر المتطرف، وتسليح الجماعات المتطرفة والميليشيات المتقاتلة الخارجة على أنظمة الدول العربية، ووضعوا أنفسهم رهن إشارة قوى إقليمية لايشك عاقل في عداوتهم للعرب. نعم إن ما تشير إليه خارطة العرب من أخطار تشتد ضراوتها يومًا بعد يوم تجعلنا نسأل أسئلة منطقيَّة يفرضها علينا انتماؤنا العربي: أين نحن العرب من كل هذا؟ أين كنا حينما تركنا دولة مثل إيران - التي تحركها أحقاد تاريخية وفكرية - تركناها تتجاوز في أطماعها حتى تجرَّأت بميليشياتها على العراق وعلى سوريا وعلى لبنان، وأخيرا تصل بأطماعها وأسلحتها إلى اليمن ومن اليمن تنطلق بصواريخ الحقد البغيض نحو أرض الحرمين الشريفين؟ أين كان العرب من كل ذلك؟ وماذا فعلوا من خلال الجامعة العربية بيت العرب، أو هكذا يجب أن تكون بيتهم الحقيقي؟ هل فعلوا شيئًا مؤثرا وواضحًا لوضع حدٍّ لتلك الأفعال؟ وأين كان العرب حينما بدأت تركيا تُدْخل قواتها إلى سوريا، وإلى شمال العراق وأخذت تنفذ مخططاتها علانيةً وبمساعدة وتأييد قوًى يهمها ويسعدها تفتيت الدول العربية إلى كيانات صغيرة يعادي بعضها بعضًا؟ وأين هم العرب حينما بدأت تركيا تعلن صراحة - وعلى لسان رئيسها - عن سعيها لاستعادة السيطرة العثمانية على ليبيا ومنها تنطلق نحو المغرب العربي بتأييد ودعم من أحزاب بغيضة متطرفة وإرهابية تدَّعي الإسلام؟ وأين نحن حينما أعلنت تركيا - وعلى لسان رئيسها أيضًا - عن أطماعها المعلَنة في الثروة البترولية في الأرض الليبية دون خجل أو مواربة؟ وأين كنا نحن العرب حينما تجرَّأت إثيوبيا على الشقيقتين مصر والسودان، واستغلت ظروف الفوضى التي مرَّت بها مصر، فأخذت تبني سدًّا يهدد البلدين علاوة على تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة؟ لقد تكالبت الأمم من حولنا علينا نحن العرب؟ فماذا حدث لنا حتى تستهين بنا تلك الدول؟ ألسنا في حاجة ماسة إلى مخاطبة ضميرنا العربي، لنبعث في نفوسنا النخوة العربية المعروفة عنَّا منذ القدم؟ إن هذا الواقع الذي نعايشه وتفاصيله المخيفة كثيرة يحتاج منا أن نتوحّد من أجل المواجهة الحقيقية التي تعيد إلى واقعنا عبق التاريخ العربي حينما كنا موحدين حتى يمكننا إزالة هذا الواقع الأليم. إننا في حاجة إلى موقف عربي حاسم يعيد المارقين من أبناء الأمة إلى الصواب فلا يستمرون في غيِّهم وضلالهم، ويردع أعداء الأمة فلا يتمادون في أحقادهم وأطماعهم، إننا نحتاج إلى جامعة عربية فاعلة تكون لها كلمتها المسموعة التي تقترن بمواقف أكثر فاعلية وقرارات عملية، فالواقع العربي ليس في حاجة لخطب رنانة، أوتوصيات متكررة، فالعالم الذي نعيش فيه يحترم الأقوياء، ويعمل ألف حساب لمن يمتلك عناصر القوة ويوظفها لتثبيت مكانته ومواجهة ما يعترضه من مشكلات. وإننا في أمسِّ الحاجة إلى أن نضع أمام أعيننا توجيهات سيد الخلق رسول الله محمد- صلى الله عليه وسلم- حين قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت». وفق الله بلادنا وأمتنا لما فيه خيرها وحفظها من كل مكروه. ** ** - وكيل الوزارة، بوزارة الثقافة والإعلام سابقًا
مشاركة :