الظهور في دور كوميدي ليس مفاجأة حسن رجب الوحيدة هذا العام، ففي جعبته دوماً الكثير، ويبدو أنه يعشق السباحة ضد التيار الفني بجسارة لايجرؤ عليها كثيرون. بخبرة مسرحية عميقة، يحتشد حديثه بالانفعالات، يصعد الحوار ويهبط، لكنه في كل مرة متمسك بقول مايراه حقاً. تحدثه عن شخصية أبو سليمان ومسلسل القياضة في جزئه الثاني، فيوسع زاوية الكاميرا ليرسم مشهداً عاماً للدراما الإماراتية التي يراها، ربما على خلاف كثيرين، تتراجع. ليس هذا فحسب، فهو يجاهر بالقول: إن البحث عن أدوار لدى المنتجين، وهم في الأصل زملاء فنانون، يتطلب أساليب لاعلاقة لها بالفن. هذا التشخيص العام للحالة الفنية بمنظار حسن رجب يتفرع إلى تفاصيل أخرى تبدأ من دور أبو سليمان وخلافته لسيف الغانم في الدور والمقارنة بينهما، والمفاضلة بين الكوميديا والتراجيديا على النحو التالي: * كان ظهورك في دور تراجيدي مفاجئاً بالنسبة للمشاهدين، وحتى زملائك الفنانين الذين اعتادوا أن يروك في الكوميديا، ما تعليقك على الأمر؟ لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أقدم فيها دوراً بعيداً عن الكوميديا، إذ شاركت في مسلسل عندما تغني الزهور قبل سنوات، وكانت الشخصية التي قدمتها غليظة جداً ومزعجة، لكن لا شك أني أفضل الكوميديا وأرى أنها أصعب. * كيف تعاملت مع إكمال شخصية أبو سليمان التي قدمها الفنان سيف الغانم في الجزء الأول؟ لا أحد يكمل دور أحد، بالنسبة لي كان الموضوع والقصة جديدين، خاصة أنني لم أشاهد الجزء الأول من العمل، وهذا كان من حسن حظي حتى لا أتأثر فتعاملت مع الدور على أنه جديد كلياً. ولاشك في أن سيف فنان جميل و له بصمته، ولكن بحق العمل كان جديداً بالفعل، فمعظم نجوم الجزء الأول تغيروا، والقصة والمحاور أخذت منحى مختلفاً، فالشخصيات جديدة والطرح جديد، وهذا جعل منه عملاً مختلفاً على ما أعتقد. * كيف انتقل دور أبو سليمان من الفنان سيف الغانم إليك؟ * ما حدث أن الفنان سيف الغانم اعتذر عن عدم المشاركة في الجزء الثاني لظروف خاصة، فطلب مني محمد سعيد الظنحاني وجمال آدم، وهما صديقان قديمان، أن أقوم بالدور. وكان هذا قبل البدء بالتصوير بأسبوع واحد فقط، فاتصلت بالفنان سيف الغانم، وهو صديقي أيضاً، واستأذنته، وأكد لي وقتها أن لديه ظروفاً تمنعه من تتمة دوره، وبارك الفكرة متمنياً لي التوفيق. * ماذا عن أجواء التصوير؟ * بالنسبة لي، لم تكن هناك متعة في التصوير، فالعمل تراجيدي كله موت ودموع، وبالإماراتي (بتروح تعور قلبك وترجع)، والوقت يمر ثقيلاً في هذا النوع من الأعمال، عكس المسلسلات الكوميدية التي يمر الوقت فيها بسرعة، ففيها إضافات ومتعة، ولكن تبقى التراجيديا أسهل بكثير. * كيف تعاملت مع شخصية أبوسليمان؟ * أبوسليمان هو كبير القرية الذي يرى أنه يجب أن يتحمل أكثر من غيره، ويكبت مشاكله الخاصة، فيتظاهر بالصلابة ويبدّي مشاكل المجتمع على مشاكله العائلية، فهو يكره أن يظهر بثوب الضعف، ويرى أن الشخص القائد لايجب أن يكون مهزوزاً، وفي الوقت نفسه نرى شخصية مختلفة داخل البيت، فهو يحتاج إلى الموازنة بين الداخل والخارج، كونه يعاني في البيت وعليه أن يتظاهر بالقوة أمام المجتمع، وحاولت أن أضيف هذه التوليفة للشخصية، فأردت أن أقدمها بشكل هادئ ومتوازن وحكيم. * أي جزء كان الأصعب بالنسبة لك؟ * الجزء الأصعب كان الماكياج، وهو الذي كنت أفكر فيه كل يوم وأنا متجه إلى موقع التصوير، لأنه كان يحتاج إلى الكثير من الوقت، خاصة زراعة اللحية التي كانت تستغرق حوالي ساعة ونصف الساعة، وعند إزالتها كنا نحتاج إلى نصف ساعة إضافية، وهذا مرهق، لكن النتيجة كانت تستحق هذا التعب، فالماكياج كان متقناً جداً، والشخصية وصلت للناس بصورة ممتازة، وعموماً الماكياج في الأعمال التراثية يحتاج إلى الكثير من العمل. * لماذا لم تعتمد على لحية حقيقية؟ * لم يكن الوقت كافياً، فقد وقع الاختيار قبل بدء التصوير بأسبوع، بالإضافة إلى أن اللحية تحتاج إلى وقت طويل جداً لتصبح بهذا الطول. * هل كانت هناك مقارنات من المشاهدين بينك وبين سيف الغانم؟ * لا يوجد شيء اسمه مقارنة، مادمت جسدت الشخصية واستطعت أن أقنع المشاهد، سيندمج بالدور الذي أؤديه من دون التفكير في المقارنات، وأعتقد أيضاً أن الفارق الزمني مابين الجزءين خدمني. * كيف وجدت آراء الناس في شخصية أبو سليمان؟ * جاءني الكثير من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تعكس إعجاب الناس بالشخصية، و جاءتني تعليقات أخرى تشتكي من الغم والحزن في العمل، وهذا حقهم، ولكن يوجد جمهور يحب الدموع، وبعضهم يرسلون لي الصور التي التقطوها من الشاشة ليعبروا عن إعجابهم بهذه اللقطة. * ذكرت في أحد اللقاءات الصحفية أنك لست صديقاً للمنتجين، ولهذا لا نراك كثيراً على الشاشة، هل توضح لنا الأمر؟ * المنتجون في الإمارات هم زملاؤنا الفنانون، وما يحصل أنهم اعتادوا أن يتملقهم الكثير من الفنانين ليحصلوا على دور، فإن مرض أحدهم يغضب إذا لم أتصل لأسأل، أو إذا لم أبارك له في مناسبة ما، وهذا جعلني أشعر بالحرج عندما أتصل بهم، وكأنني أشحذ منهم دوراً. ولا أخفيكم أن لدينا الكثير من الفنانين الذي يفعلون أي شيء ليحصلوا على أدوار زملائهم، وقد يتنازلون عن جزء كبير من أجورهم في سبيل الظهور على الشاشة. ومن الأمور المضحكة أيضاً أن البعض من الزملاء الفنانين تجاوز سن الشباب ومازال يصر على أداء دور (الحبيّب)، وهذا ينطبق على الرجال والنساء. بالإضافة إلى هذا لاننسى أن المنتجين معظمهم يعملون كمنتجين منفذين للتلفزيونات، وجميعهم يفرض عليهم التلفزيون الفنانين الذين يؤدون أدوار البطولة، التي تحددها الشركات المعلنة مسبقاً. الفن صار تجارة لضمان نسبة المشاهدة المتعلقة باسم النجم، وهذا لا ينطبق على الجميع، فالمنتج محمد سعيد الضنحاني يعمل لحسابه، ولا يفرض عليه أحد الفنانين الذين يريدهم. * ما الأعمال التي تابعتها هذا العام؟ *معروف عني أني لا أحبذ متابعة التلفزيون في رمضان، فأنا أحب أن أعيش طقوس هذا الشهر الفضيل وأستمتع بها، لكني مررت ببعض الأعمال لآخذ فكرة وأطلع عليها، ولاحظت أن الحب مازال هو المحور الرئيسي في كل الأعمال، وكأن المشاكل تلاشت في مجتمعنا وأصبح الصراع لأجل الحب هو المحور الرئيسي الذي يشغلنا. ولست أمانع في تناول الحب، لكن المقصود هو أن يكون هو المحور الرئيسي للعمل، لتكون مشاكلنا الرئيسية هي غيرة النساء وكيدهن، وما إلى ذلك. الكتّاب أصبحوا يهربون إلى الكتابة عن الحب حتى يعفوا أنفسهم من الدخول في المشاكل الحقيقية والصعبة، لكن المشاهد ليس غبياً، وعلى الكاتب أن يتعامل معه بذكاء، ولدينا مثال الأفلام الأجنبية التي يستطيع صناعها الخروج بفكرة مميزة حتى من أسخف المواضيع، فالمهم هو الفكرة. * هل ترى أن القياضة 2 استثناء؟ * لست أدعي كمال العمل، ولدي ملاحظات على النص، فهناك نقص على مستويي القصة والجملة الحوارية، فهي محتاجة إلى أن تكون أغنى وأقوى، لكن بصفة عامة العمل ضخم إنتاجياً ولا يمكن أن ننكر هذا، وفيه اهتمام، أقصد أنه لم يقدم المشاهد المجانية ليملأ بها الساعات، وهناك تفاصيل تشي باحترام المشاهد، مثل اختيار مواقع التصوير، والصورة والملابس، والحرص على أدق التفاصيل المتعلقة بالبيئة، وبالمجمل أرى أن المشاهد سيعجبه في هذا العمل الإخراج والإنتاج. * كيف تحكم على المسلسلات من دون أن تتابعها كاملة؟ * المكتوب يبدو من عنوانه، ومن خلال متابعة خمس دقائق أستطيع أن أعرف القصة، فلا ننسى أن القصص مكررة، والعملية أصبحت تجارة وضحك على اللحى في معظم الأعمال، وفيها سذاجة في الشكل والمضمون. ولعل الدراما تنسى أن المشاهد اليوم ذكي ومنفتح على العالم، يستطيع أن يرى عبر حاسوبه كل المسلسلات والأفلام العربية والعالمية، وليس مضطراً لمتابعة هذه الأعمال إن لم تنهض بنفسها. ويؤسفني أن المسؤولين عن المحطات يقيسون حب الناس لعمل ما بعدد من الاتصالات لا يجاوز العشرين غالباً، وغالباً هذه الاتصالات من أهالي الفنانين وأصدقائهم، ولا يمكن أن يكون هذا مقياساً لأي عمل، ولا يخفى علينا أيضاً أن المقاييس التي يتحدثون عنها أصبحت تُشترى. * ألست تقسو على الدراما الإماراتية بهذا الحديث؟ * هذا رأيي ورأي أغلب الفنانين الصادقين، فمادام الاهتمام بالشكليات يطغى على الاهتمام بالمضمون سوف نستمر بالتراجع، ومازالت ترتيب الاسم في الشارة، وكيفية كتابته هما هَم الفنانين، ومازال المنتجون يسمحون لأنفسهم في استغلال النجوم الكبار في أدوار الكومبارس تحت مسمى ضيوف الشرف، ومازال القلم ضعيفاً وعاجزاً عن معالجة قضايانا الحقيقية. * ماذا عن الأعمال الكوميدية؟ * ما نراه اليوم عموماً ليس كوميديا، إنه تهريج وكوميديا أطفال، فهي تعوض خفة الكلمة بالحركة، وهذا ناتج في الأساس عن شح النصوص الكوميدية المشغولة بحرفية، لأن الكتابة للكوميديا صعبة، ويجب أن تستند إلى موقف حقيقي و تحمل معنى عميقاً، لتسقط الأحداث على الموضوع الذي تتناوله، فهي سلاح صعب، وما أراه اليوم أن المواضيع السطحية تسخف الكوميديا للأسف. * ما السبب برأيك؟ * المشكلة ليست محصورة في الكوميديا وحدها، فهي قائمة لدى جميع الكتّاب، وإذا تكلمنا عن أعمال رمضان لهذا العام، علينا أن نعترف بأن الدراما تتراجع للأسف، وأنها لم ترتق خطوة واحدة. والسبب في رأيي هو اختلاط أشياء كثيرة، واحتار الكتاب لمن سيتوجهون بكتاباتهم، وبأفكارهم المشوشة. ورأيي أن الكاتب الشاطر يمكنه أن يهرب من هذه الإشكالية بالإسقاطات على المادة التراثية مثلاً.
مشاركة :