عيد بطعم القهوة المرة - فاضل العماني

  • 7/19/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن الكتابة عن العيد، لم تعد قضية تستحق الاهتمام، ولم تعد تُحرض على الحب والبهجة والسعادة، ولم تعد تُمارس الابتسام على شفاه الفرح. العيد أصبح من ذكريات الزمن الجميل الذي كان يلبس ثوب الألق الجديد، وينشد أغاني الحب على أنغام الفرح، ويُعانق خلجات القلوب العطشى لفيض المشاعر الجميلة، ويسكب شلالات الطهر على الأرواح لتنسج حكايات الأمل. العيد لم يعد بوصلة الفرح التي ثبّتها عشاق الدهشة، بل أصبح مجرد ورقة صفراء في روزنامة الحزن والألم والحسرة. لقد اختلطت مشاعر الوجع بالفرح، وتماهت أسئلة اللقاء مع أجوبة الفقد، ولم تعد نكهات الشوق والشغف بإطلالة العيد كما كانت، ولم تعد كل التفاصيل الجميلة التي ينثرها العيد رائعة كما كانت. منذ سنوات، والعيد مجرد يوم فقد عنوان البهجة والمتعة والدهشة، وأصبح ألبوم صور يضم الحزن والخيبة والتعاسة في كل تلك الصور والمشاهد والذكريات التي غادرها الفرح. حينما كنا صغاراً، كانت ليلة العيد طويلة جداً، وتنام السعادة في أجفاننا التي أتعبها طول السهر، وتعلو الضحكات والأمنيات والأحلام التي قد رسمها القدر، وننتظر الفجر الذي يحمل معه تباشير "العيدية" التي ستحقق لنا كل أحلامنا التي تحملها قلوبنا البريئة. ها هو العيد "السعيد" يمر باهتاً وخجولاً، بعد أن فقد ألقه وسحره ودهشته، واختزل في عبارات التهاني والتبريكات الجاهزة التي نتداولها فيما بيننا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وكأننا نعيش في جزر متباعدة. لم أكن أرغب في كتابة هذه "البكائية" الطويلة في مناسبة "سعيدة" كعيد الفطر المبارك، خاصة في مثل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها عالمنا العربي من محيطه لخليجه، والتي تتطلب ضخ جرعة زائدة من التفاؤل والثقة والأمل. حقيقة، لم أكن أرغب في ذلك، ولكن الواقع المر الذي حوّل أمتنا العربية المجيدة إلى ما يُشبه السفينة المتحطمة والتي تتقاذفها الأمواج المتلاطمة من كل جهة، دفعني لذلك. منذ عدة سنوات، وعالمنا العربي يموج بالثورات والاحتقانات والصراعات والخلافات، وسقطت بعض أقطاره في دائرة العنف والاقتتال والاحتراب والتصفية والتوحش. هذا الواقع العربي المؤلم حد الوجع، والذي جعل العديد من الساحات العربية مسرحاً لعرض البشاعة والخراب والدمار، وساحة لتصفية الحسابات والأجندات والأهداف المشبوهة التي تقف خلفها الكثير من النظم والدوائر والجماعات. لقد تحولت هذه المنطقة العربية المضطربة أصلاً إلى بقعة ملتهبة تقع على فوهة بركان قابل للانفجار في أية لحظة. لقد أصبحت الأمة العربية التي كانت خير أمة، ساحة حرب عبثية يتقاتل فيها الأخوة والأصدقاء، ويروح ضحيتها الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ، وتُدمر فيها المدن والمباني والمدارس والمستشفيات والآثار. في مثل هذه المرحلة الحرجة من عمر العالم العربي الذي يمر بأسوأ الظروف والأحداث والتداعيات، تحولت بعض البلدان العربية إلى منطقة صراعات مفتوحة على كل الصعد والمستويات والاتجاهات، بل وأصبحت عرضة للانقسام والضياع والزوال. ومهما كانت الأمنيات والأحلام والتطلعات التي يحملها العيد بكل بهجته ودهشته وسحره، فهي لن تُغير من الواقع شيئاً. يأتي العيد وسط شلالات من الدم وسقوط الأبرياء، وتنامي الفتن والمحن، وتراجع الدور العربي، فأي عيد نحتفل به وسط هذه الساحات المليئة بالفوضى والدمار وتصفية الحسابات. هذا العيد الذي يحمل معه الحزن والألم والحسرة، هو عيد بلا حلوى، بل هو عيدٌ بطعم القهوة العربية السوداء المرة.

مشاركة :