ثلاثة ملفات في العدد 67 من مجلة "الجديد" | عواد علي | صحيفة العرب

  • 8/7/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تواصل مجلة “الجديد” الشهرية الثقافية كشوفاتها الأدبية والفكرية والثقافية والفنية، في رصد لأهم المتغيرات التي يشهدها العالم والتي يتصدى لها المثقفون والكتاب العرب والعالميون بالتحليل والنقاش. وخصصت المجلة في عددها الأخير منبرها للحديث حول قضية الذات والعالم ولشعراء من ووهان الصينية تفاعلوا مع واقع الوباء الجديد، كما تناولت تجربة الشاعر الجزائري محمد ديب، إضافة إلى مقالات متنوعة. تميّز العدد الممتاز 67 لشهر أغسطس 2020 من مجلة “الجديد” الشهرية الثقافية، التي تصدر في لندن، بثلاثة ملفات: الأول “الفرد والقطيع/الذات والعالم: في البحث عن الذات الضائعة”، والثاني “الإقامة فــي اللامعقول: مختارات مــن شعر محمد ديب”، والثالث “القصيدة المحاربة في رداء أبيض: قصائد لشاعرات وشعراء صينيين من ووهان”. كما تضمن العدد مقالات، وكتابات إبداعية، ودراسات في الفن والأدب والفكر، وسجالات، ويوميات، وشهادات، ومراجعات للكتب ورسائل ثقافية، وحوارا أدبيا. حوار وملفان كتب رئيس التحرير الشاعر نوري الجراح، في افتتاحية العدد، عن “طبائع المعذَّبين ومَصارع الموهومين” بصيغة حوار افتراضي مع المفكر الحلبي/ السوري عبدالرحمن الكواكبي، صاحب الكتاب الشهير “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، بحيث جاءت جميع الأجوبة بالنص الحرفي من هذا الكتاب المكتوب في حلب والمنشور سنة 1900، هادفة إلى الاستئناس بأفكاره في الإضاءة على ما آلت إليه أحوالنا في دنيا العرب؟ في إجابة الكواكبي على سؤال “كيف للأمة أن تغادر هذه الحال وتتجاوز هذا المحال؟” يقول “بالتربية. والتربية المطلوبة هي التربية المرتبة على إعداد العقل للتمييز، ثم على حسن التفهيم والإقناع، ثم على تقوية الهمة والعزيمة، ثم على التمرين والتعويد، ثم على حسن القدوة والمثال، ثم على المواظبة والإتقان، ثم على التوسط والاعتدال. والوسيلة الوحيدة الفعّالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقّي الأمة في الإدراك والإحساس، وهذا لا يتأتّى إلا بالتعليم والتحميس. ثم إن اقتناع الفكر العام وإذعانه إلى غير مألوفه، لا يتأتى إلا في زمن طويل”. أما جوهر المشكلة فيكمن، حسب رأي الكواكبي، في أنّ “الأمة إذا ضربت عليها الذلة والمسكنة وتوالت على ذلك القرون والبطون، تصير تلك الأمة سافلة الطباع حتى إنها تصير كالبهائم، أو دون البهائم، لا تسأل عن الحرية، ولا تلتمس العدالة، ولا تعرف للاستقلال قيمة أو للنظام مزية، ولا ترى لها في الحياة وظيفة غير التابعية للغالب عليها، أحسن أو أساء على حد سواء، وقد تنقم على المستبد نادرا ولكن طلبا للانتقام من شخصه لا طلبا للخلاص من الاستبداد. فلا تستفيد شيئا إنما تستبدل مرضا بمرض كمغص بصداع”. شارك في ملف “الفرد والقطيع/ الذات والعالم: في البحث عن الذات الضائعة”، الذي أعدّه كاتب هذه السطور ويسرى أركيلة، 14 كاتبة وكاتبا، من فلسطين، العراق، لبنان، مصر، الأردن، المغـرب، سوريا، والجزائر. هم حسب تسلسل مقالاتهم: أحمد برقاوي “الأنا والنظام المتعالي”، نادية هناوي “الذات التائهة وغواية المركز”، سمية عزام “شقاء أبديّ وسعادة معلّقة”، ياسين النصير “عسر ولادة الفرد”، ناهد راحيل “الثقافة ووهم التفرد”، إبراهيم غرايبة “وعي الذات في ثورة الفردانية”، محمد صابر عبيد “التوأمة الاجتماعيّة”، عبدالله إبراهيم “اختلاف الأفراد ومطابقة الجماعة”، نصيرة تختوخ “الذات والعالم”، فارس الذهبي “الفرد الناشز والفردية والفردانية”، موسى برهومة “الفرد المهمَّش”، بهاء إيعالي “سؤال الذات”، العربي رمضاني “تحرير الذات”، وزهير دارداني “الذات من الأشكلة إلى “التفكيكية” وصولا إلى الأسلبة”. وقد قارب هؤلاء الكاتبات والكتّاب الأسئلة الشائكة المتعلقة بطبيعة حضور الفرد في النسيج المجتمعي وفي الفاعلية الثقافية، وبغياب الـذات وتماهيها في الجموع مغيبة الذوات فــي ظل مجتمعات محكومة مــن نخب وقوى مستبدة، فــي إطار علاقات إخضاع وهيمنة لأدوات القمع وعسكرة المجتمعات، عطلت القوى المبدعة في الأفراد، وأجهزت على التطور الطبيعي للاجتماع، وعلى كل محاولات الأفـراد لتحقيق ذواتهم كماهيات حرة ومسـتقلة، وعلى كل ما يتعلــق، تاليا، بحياة االجموع التي تحولت، في ظل سيادة ثقافة الاستبداد، إلى قطعان في مجتمعات تحولت بدورها إلى حظائر. وتضمّن ملف “الإقامة فــي اللامعقول: مختارات مــن شعر محمد ديب”، قصائد الشاعر والروائي الجزائري محمد ديب مــن أوراقه غير المنشورة، ترجمها وقدّم لها حكيم ميلود. وجاء الملف احتفاء بمرور 100 عام على ولادة الشاعر والكاتب بالفرنسية. يقول المترجم، في تقديمه للملف، إن محمد ديب “يقارب العالم بالدهشة، يختبر الأشياء بالنظر، تتحوّل عنده المرئيات باختلاف المنظور والزاوية، وكل ذلك يتم بألق موشور يُعَدِّد أقواس قزح، ويمنح في كل خطفة ابتهاجا للبصيرة. يحوّل اللامرئي إلى مرئي، ويلتقط عبر ثراء التفاصيل الهشاشة التي تقيم في كل صنيع إنساني. شعره بصري بامتياز، يعتمد على الحواس، ويذهب في عملية تشويش خلاقة لها”. أما ملف “القصيدة المحاربة في رداء أبيض”، فيحتوي على قصائد لمجموعة من الشاعرات والشعراء الصينيين من ووهان (بينهم شعراء أطفال)، ترجمتها وقدّمت لها ميرا أحمد، وهي قصائد كُتبت فــي ظل الكفاح اليومي في مواجهة جائحة الفايروس القاتل كوفيد – 19. وترى المترجمة، في تقديمها قصائد الأطفال، “أن أفكارها وموضوعاتها تتنوع، وتتباين صورها البلاغية، لكنها تجمع على شيء واحد هو الحزن المقيم، الذي تسلّل من قلوب هؤلاء الصغار، وسكن كلماتهم، وانساب في جرسها الموسيقي وكأنه لحنٌ جنائزي. ورغم الحزن فإن الإرادة والثقة في النصر، والتغلب على الوباء ظهرت جلية في القصائد. كم غريب.. إنه شعر الأمل وسط لحظات اليأس، يبث العزيمة عندما تخور القوى، ويعمر كيان الإنسان بالإيمان.. الإيمان بالنصر والتغلب على المحنة الطارئة، بل وأن تعود النفوس أقوى مما كانت. الأبطال الحقيقيون هم من يتصدّون للمحن بمنتهى الشجاعة وقد آمنوا بالفوز”. يكشف حوار العدد مع الشاعر الإيطالي إيمانويل بوتاتسي غريفوني، الذي أجراه رئيس التحرير، وترجمه يوسف وقاص، عن شخصية إنسانية منفتحة على الثقافة العربية، ومعادية للتمركز الأوروبي على الذات. وهو، إضافة إلى كونه شاعرا من طراز خاص، رقيقا ونزقا، سريع البديهة، أكاديميا يهتم بثقافة العلوم التقنية. كتَبَ ونَشَر في الفلسفة الاجتماعية وعلم الاجتماع، والذكاء الاصطناعي، ويتعاون مع دار النشر العربية “المتوسط” في ميلانو، وتركّزت اهتماماته في السنوات الأخيرة على الأدب والفلسفة السياسية للأدب. ويتعرف القارئ في هذا الحوار معه على ملامح إنسانية معادية للمنتج الفكري والسلوكيات الثقافية الصادرة عن نظريات المركزية الغربية في صيغها الحديثة، التي أخفت وجهها العنصري وراء أقنعة القسمة بين أقوياء الشمال وضعفاء الجنوب، ناهبين ومنهوبين، هاربين من الدكتاتوريات وحراس حدود، أسواق تطحن جميع الأعراق وتجد ترجماتها الحديثة في التعقيد التكنولوجي للرأسمالية المتوحشة. أما بقية مواد العدد، وهي مجموعة مقالات ودراسات ويوميات وشهادات ومراجعات الكتب ورسائل، فقد كتبها: مازن أكثم سليمان “الأخطاء الشّائعة في الأفكار الذّائِعة”، كنان حسين “الجمال العنصري”، ممدوح فراج النابي “إنسان ما قبل العالم الشبحي: عن إمكانية استعادة الزمن الهارب”، زاهر الغافري “شذرات ما بعد الطوفان”، عبدالرحمن الآنسي “الإنساني قبل الديني”، شرف الدين ماجدولين “تعبيرية رمزية وتشخيص ساخر”، أحمد سعيد نجم “المذاق المرّ”، جمعة بوكليب “مناكفات الربع الأخير”، زياد محافظة “شخصيات يهودية تحت سقف روائي واحد”، فاطمة واياو “كافكا في طنجة: رواية أولى لكاتب مغربي”، لولوة المنصوري “دين الشجرة”، صبري مسلم حمادي “التفكير الأسطوري”، بهاء درويش “رسالة القاهرة”، أبوبكر العيادي “رسالة باريس”، وكمال البستاني “مختصرات الكتب”. الكتاب قاربوا الأسئلة الشائكة المتعلقة بطبيعة حضور الفرد في النسيج المجتمعي وفي الفاعلية الثقافية وغيرها من القضايا وفي باب سجال مع ملف العدد السابق “القصيدة والمعيار” كتب الشاعر راشد عيسى “حصان الشعر وبريّة القراءة”، وأيمن باي “في انتظار الشاعر المستقبلي”. وختم العدد مؤسس المجلة وناشرها هيثم الزبيدي بمقال عنوانه “سؤال الذات والجموع: أين العيد في مثل هذا الحشر؟”، استهله بقوله “إن توصيف ‘حشر مع الناس عيد’ مخيف لانعدام الخيارات والمعالم الشخصية. الإنسان بمركزيته الغريزية مجبول ضد هذا التوصيف”. وعبّر الزبيدي عن شكه في “أن الإنسان الطبيعي يتقبل أن يجري عليه ما يجري على الآخرين. كل يوم نرى أنواعا من التأكيد على عدم الخضوع لهذا التوصيف. كل مهاجر يعبر الحدود أو يلقي بنفسه في البحر للوصول إلى ضفة أفضل، هو عمليا يسجل احتجاجه على “حشره” مع آخرين لأسباب جغرافية أو وطنية أو اجتماعية. كل كاتب يكتب خارج نسق التغريد التقليدي للأسراب السياسية والدينية هو شخص محتج. كل مثقف يفكر بحثا عن خيارات خارج هذا الحشر الافتراضي إنما يؤكد أن الخيارات تبقى مفتوحة مهما كان الواقع سوداويا. كل سياسي يعاند الواقع في بلده أو في إقليمه ليدفع نحو البديل والتغيير هو ضد استلاب المجموع”. ورجّح الزبيدي في نهاية المقال أن “العجز عن العثور على أجوبة الآن… هو التوصيف الأصح لما يحدث. ولعل المفكرين سيردون بالقول إن اللاجواب هو التشخيص المنطقي لأن الأجوبة تحيلنا إلى مشهد التناقضات الذي نعيشه ونقف عاجزين عن فهمه”.

مشاركة :