انفلات أسعار الذهب عالميا يقود الطلب في المنطقة العربية | محمد حماد | صحيفة العرب

  • 8/7/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عكس انفلات أسعار الذهب مكامن المخاطرة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، وتغير خارطة تحركات رؤوس الأموال إقليميا في ظل حالة عدم اليقين، بسبب وباء كورونا والتوترات الجيوسياسية في عدد كبير من مناطق الصراع بالمنطقة. القاهرة - تواصل أسعار الذهب تسجيل مستويات صعودها القياسي عالميا، مدفوعة بارتفاع مخاطر وباء كورونا الذي دفع الكثير من الاقتصاديات للتهاوي. وعززت هذه المخاطر الاتجاه نحو الذهب بوصفه من الملاذات الآمنة لحفظ الثروات من التآكل، فضلا عن تراجع وضع الدولار الأميركي في أسواق صرف العملات، الأمر الذي وجه بوصلة الاستثمار بقوة نحو المعدن الأصفر. وأرخت الفورة السعرية بظلالها الوخيمة على تجارة المشغولات الذهبية في المنطقة العربية، للفورة السعرية في المعدن النفيس، ورصدت مؤشرات مجلس الذهب العالمي تراجع الطلب على المشغولات الذهبية بنحو 86 في المئة في الإمارات و80 في المئة في السعودية و70 في المئة في مصر و35 في المئة في الكويت. ويتجه الأفراد للاحتفاظ بالمشغولات الذهبية كمخزن للقيمة والزينة في نفس الوقت، إلا أن المؤسسات المالية والمستثمرين يفضلون السبائك الذهبية. وقفزت مستويات الأسعار فوق حاجز 2057 دولارا للأوقية خلال تعاملات الخميس، لعقود ديسمبر 2020، وهو مستوى تاريخي جديد يعكس حجم المخاطر التي تنتظر الاقتصاد العالمي. وبلغ حجم المشغولات الذهبية في الإمارات خلال الربع الثاني من العام الحالي نحو 1.3 مليون طن، بينما سجلت السعودية 1.9 مليون طن، وسجلت مصر 1.7 مليون طن، بينما استحوذت الكويت على 2.5 مليون طن. وتوقع بنك “كومرز” الألماني مواصلة صعود أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة، مع استمرار كورونا تدمير الاقتصاد العالمي، وزيادة حالة الضبابية وعدم اليقين. ولا يتوقع خبراء تجارة وتداول المعدن الأصفر حدوث حركة تصحيح كبيرة في الأسعار في المستقبل القريب، بعد موجات الارتفاع الحادة الحالية. ورفع بنك “غولدمان ساكس” توقعاته لمستويات الأسعار إلى 2300 دولار للأوقية، على مدى الاثني عشر شهرا المقبلة، بدعم توقعات استمرار خفض أسعار الفائدة الحقيقية للاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وأرجع الفورة السعرية في أسعار الذهب بتحول محتمل للمجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي نحو سياسات تؤدي لزيادة التضخم مراعاة للتوترات السياسية وتوقعات ارتفاع معدلات الإصابة بفايروس كورونا. ودفعت زيادة عمليات الشراء في الملاذات الآمنة أسعار الذهب في التعاملات الفورية للصعود بنحو 42 في المئة منذ بداية العام. وسجلت الصين والهند وكوريا الجنوبية وأميركا وإندونيسيا أكثر الدول طلبا على المشغولات الذهبية. ويتمسك “غولدمان ساكس” بتوقعاته لفترة طويلة لأن الذهب هو عملة الملاذ الأخير في مثل الأوضاع الحالية، حيث تقوم الحكومات بتخفيض عملاتها وتدفع أسعار الفائدة الحقيقية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. وقال إيهاب واصف نائب رئيس شعبة الذهب بغرفة القاهرة التجارية، إن المعدن الأصفر يواصل ارتفاعاته بسبب الإجراءات التحفيزية التي تتخذها الدول الكبرى لإنعاش اقتصاداتها، ما دفع الكثير من المستثمرين للبحث عن ملاذ آمن لرؤوس أموالهم، فضلا عن فورة الاستثمارات التي رصدتها صناديق الذهب العالمية والتي سجلت نحو 2.6 مليار دولار خلال أسبوع واحد. وأضاف لـ”العرب”، أن استمرار تراجع الدولار يعزز الاستثمار في الذهب، تزامنا مع ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي وتباطؤ الاقتصاد الأميركي. ومنذ اختراق الذهب لحاجز المقاومة السعرية عند 1900 دولار لأعلى، شهدت أسعاره انطلاقة كبيرة لمستويات لم يسجلها من قبل. وتوقع استمرار موجة الصعود لكنها لن تكون نفس الوتيرة التي شهدتها الأيام الماضية. وذهب صندوق التحوط الإسباني “كوادريغا إجنيو” لأبعد التوقعات ورسم سيناريو قويا لمكاسب الذهب خلال السنوات القليلة المقبلة، خاصة وأن العقد المقبل سوف يتسم بالتضخم الذي تعجز البنوك المركزية عن السيطرة عليه. ويرى أن أسعار الذهب تقفز إلى ما بين 3000 دولار أو 5000 دولار للأوقية في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، وربح الصندوق البالغ قيمته نحو 450 مليون دولار عائدا بنسبة 47 في المئة منذ بداية العام الحالي من خلال المراهنة على الذهب وسندات الخزانة. وعلى غرار الصندوق الإسباني قام عدد كبير من صناديق التحوط في العالم بزيادة رهاناتها على الذهب، في ظل توقعات تفيد بأن استجابات البنوك المركزية غير المسبوقة لأزمة فايروس كورونا سوف تؤدي إلى انخفاض قيمة العملات الرئيسية. وفي سبيل بناء مراكز مالية بلغ مخزون الذهب في الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نحو 8133.5 طن في يناير الماضي، وعربيا احتفظ المركزي السعودي بنحو 323.1 طن ومصر بنحو 79.6 طن والعراق بنحو 102 طن والكويت 79 طنا. وكشف تقرير لمجلس الذهب العالمي عن احتياطي لبنان من الذهب بلغ 286.8 طن، وليبيا بنحو 116.6 طن، أما الجزائر فسجلت 173.6 طن. وربح صندوق “دايمون آسيا” نحو 36 في المئة بفضل رهاناته على المعدن النفيس، وحقق صندوق “كاكستون”، وهو واحد من أقدم صناديق التحوط الكلية في العالم بلندن، أرباحا كبيرة من رهانات الذهب، وارتفع صندوق “غلوبال” بنسبة 15 في المئة وصندوق “ماكرو” بنحو 17 في المئة. وأفاد مجلس الذهب العالمي أن مشتريات صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب ساهمت بشكل رئيسي في القفزات السعرية لأسعار المعدن النفيس بعد أن وصل مخزون صناديق المؤشرات إلى 3185 طنا في الربع الأول من العام الحالي. وفي تلك الأثناء أصبح الذهب ملاذ الأموال الذكية، بعد أن خفضت الصناديق السيادية خلال الربع الأول من العام الحالي استثماراتها في الأسهم لأدنى مستوى منذ 2014، في الوقت الذي يخطط أكثر من ثلث صناديق الثروة السيادية خفض ممتلكاتها في الأسهم في العام المقبل، ويعتزم 18 في المئة منها خفضها بنسبة 5 في المئة أو أكثر. وأعلن الملياردير المصري نجيب ساويرس أنه سيحول نصف ثروته للاستثمار في الذهب بعد أن ارتفعت ثروته بأكثر من 300 مليون دولار خلال العام الماضي، بفضل استثماراته في الذهب وكان ساويرس أول من تنبأ بصعود الذهب فوق 1800 دولار للأوقية العام الماضي. وتصدر ساويرس وهو رئيس شركة أوراسكوم للاستثمار القابضة المركز الثاني ضمن قائمة أغنى 4 مليارديرات في العالم امتلاكا لمناجم ذهب أو لحصص كبيرة فيها والذين زادت ثرواتهم بحوالي 1.8 مليار دولار منذ بداية 2019 وحتى الآن مع انتعاش أسعار الذهب بفضل سياسات التوسع النقدي التي تطبقها البنوك المركزية الكبرى حول العالم ووسط التوترات التي تجعل المستثمرين يتجهون للملاذات الآمنة وعلى رأسها المعادن النفيسة مثل الذهب. ويرأس ساويرس مجموعة مناجم لامانشا ريسورسيز لاستخراج الذهب ولها استثمارات في شركة إنديفور للتعدين ومقرها تورونتو بكندا، فيما يملك أيضا استثمارات بشركة إيفوليوشن للتعدين الأسترالية وشركة غولدن ستار ريسورسز التي تتركز أعمالها في غانا. وقال نادي نجيب، عضو شعبة الذهب بالغرفة التجارية للقاهرة، إن أسعار الذهب لن تهدأ طالما أن الأوضاع الاقتصادية العالمية لا تشهد استقرارا ولم تعد الحياة إلى طبيعتها بسبب أزمة فايروس كورونا وإغلاق الحدود بين الدول وعدم فتح حركة الطيران الدولي بالكامل. وأشار لـ”العرب” إلى أن هناك إقبالا على شراء الذهب الخام في مصر والمنطقة العربية، ما تسبب في الارتفاعات الكبرى الحالية بجانب المشتريات الأجنبية بالأسواق العالمية. وما يزيد أسعار الذهب سخونة تحرك عائدات السندات الأميركية تجاه الصفر أو نحو المنطقة السلبية، ففي الأوقات الطبيعية تخدم السندات كأداة تحوط ضد تراجع أسعار الأسهم، لأن قيمتها عادة ترتفع عندما تتراجع الأسهم في فترات الركود الاقتصادي، ولكن هذه العلاقة تبدأ في التفكك عندما تظل عائدات السندات الحكومية منخفضة لفترة، عندما يكون الانخفاض نتيجة لسياسة البنوك المركزية.

مشاركة :