لماذا لا تفضل البنوك الأميركية التواجد في المنطقة العربية | محمد حماد | صحيفة العرب

  • 8/17/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يكشف غياب البنوك الأميركية عن الساحة الاقتصادية العربية إستراتيجية مدرسة وول ستريت ذات الطبيعة الخاصة التي لا تفضل التواجد مباشرة في الدول النامية، وتقتنص الاستثمارات عبر أذرعها عن بُعد، بغض النظر عن المقاصد المباشرة لرؤوس الأموال والشركات الأميركية. القاهرة - لا يتسق حضور قطاع البنوك الأميركية في المنطقة العربية مع فورة الاستثمارات في المنطقة، في قطاع البترول والغاز، أو في مجالات حيوية مثل الدواء والشحن واللوجستيات، فضلا عن الصناعات الغذائية. كشفت الصفقة المرتقبة لصندوق الاستثمار الأميركي “تي.بي.جي” للاستحواذ على بنك المصرف المتحد الذي يمتلكه البنك المركزي المصري بنسبة 99.9 في المئة، عن استخدام المصارف الأميركية لأذرعها الاستثمارية لقنص الفرص الاستثمارية، بعيدا عن الدخول بشكل مباشر في قطاع البنوك بالساحة العربية. تأسس الصندوق الأمريكي عام 1992، ويمتلك محفظة أصول تبلغ قيمتها 104 مليارات دولار، موزعة على عدد كبير من الشركات العالمية والبنوك، من بينها “إيفيربنك” الأميركي. تعد هذه الخطوة ضمن صفقات إدارة واستغلال الأصول دون الدخول مباشرة في الأسواق وطرح التكنولوجيا المالية والأوعية الاستثمارية التي تستخدم في البنوك الأميركية. وترفض البنوك الأميركية التواجد في أسواق الدول النامية، رغم حرص الاستثمارات على استهداف هذه الأسواق التي تعج بثروات وفرص تضاعف حجم رؤوس الأموال الأميركية. ياسر عمارة: تسوية المعاملات تتم في مانهاتن والحي المالي يحرك الصفقات ياسر عمارة: تسوية المعاملات تتم في مانهاتن والحي المالي يحرك الصفقات وتمتلك مدرسة وول ستريت المصرفية أدوات مالية متقدمة، وسرعة كبيرة في معدلات منح القروض وقد تصل في بعض الأحيان لساعات، وتحتاج هذه السرعة والدقة شبكات متكاملة تستطيع كشف الملاءة المالية لطالب القرض، وغالبا لا تتوافر أو تتكامل شبكات المعلومات في الدول النامية، الأمر الذي يخرجها من دائرة الاهتمام مصرفيا. ويعني ذلك أنها لا تتكبد مشقة وتكلفة فتح فروع لبنوكها في المنطقة العربية، لكنها عبر صناديق الاستثمار التي تدشنها تستطيع الحصول على الفرص الواعدة من خلال الدخول في رؤوس أموال الاستثمارات عالية الربحية بهذه الدول خاصة قطاعات الصحة، ثم التخارج عندما تحقق طموحاتها المالية. كانت هناك تجربة فريدة للبنوك الأميركية في مصر خلال سبعينات القرن الماضي، عندما افتتح بنك “تشيس مانهاتن” فرعا له في القاهرة، واستمر حتى منتصف الثمانينات، ورغم أنه ساهم في بناء قواعد صناعة البنوك، إلا أنه تخارج ولم يواصل نشاطه. وقال مصرفيون إن “تشيس مانهاتن” دخل بناء على طلب شخصي من الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات الذي طلب خلال زيارته لأميركا من عائلة “روكفلر” التي أسست البنك دخول مصر، مع بداية الانفتاح الاقتصادي بعد عقود من الاشتراكية. ورغم الفترة القصيرة لبنك “تشيس مانهاتن”، إلا أنه أسس لصناعة البنوك الحديثة وأرسى قواعد الائتمان، وبات مصدرا للخبرات المصرفية في البنوك المصرية، وصدرها للدول العربية حتى استحوذ علية البنك التجاري الدولي– مصر، في منتصف الثمانينات. وبعد خطوة “تشيس مانهاتن”، قامت مجموعة “سيتي غروب”، بافتتاح مجموعة فروع لها في مصر حملت مسمى “سيتي بنك”، وأعلنت تخارجها من أنشطة التجزئة المصرفية للأفراد، واكتفت بخدمات الشركات الكبرى والمؤسسات المالية، والشركات متعددة الجنسيات والجهات الاستثمارية العالمية النشيطة على أرض مصر. يعكس ذلك تفضيل المصارف الأميركية نظام العمل على النطاق الضخم الذي يحقق عوائد كبيرة، بعيدا عن التعامل المرهق من الأفراد في أسواق الدول النامية. وأكد منير الزاهد رئيس بنك القاهرة السابق، وعمل مديرا في فترات سابقة في تشيس مانهاتن مصر، أن السوق الأميركية تستحوذ وحدها على نحو 35 في المئة من حجم التجزئة المصرفية في العالم. وأضاف لـ”العرب” أن هذه النسبة كبيرة جدا وبالتالي فهى ليست في حاجة للتوسع في هذه الأنشطة في الأسواق الخارجية، ولا ينال عدم تواجد البنوك الأميركية من أسواق المنطقة العربية، فاستراتيجيات البنوك الأميركية مختلفة في الربحية وخطط الاستثمار، حيث تضع لنفسها مستهدفات مالية وعند تحقيقها تتخارج من الأسواق. وأتاح غياب هذه البنوك عن الساحة العربية الفرص أمام البنوك الأوروبية، وتوسعت بجميع الدول بشكل كبير وباتت لاعبا رئيسا وتوطنت في المنطقة. محمد رضا: انتشار البنوك الأميركية ضعيف نتيجة تحفظات الاحتياطي الفيدرالي محمد رضا: انتشار البنوك الأميركية ضعيف نتيجة تحفظات الاحتياطي الفيدرالي واكتفت البنوك الأميركية بفتح مكاتب تمثيل لها في المنطقة، فيما أن مكاتب التمثيل لا تقوم بممارسة الأنشطة المصرفية، لكنها تستطيع عمل دراسات الجدوى عن القطاعات الاستثمارية المرتقبة في هذه الأسواق. وأوضح ياسر عمارة الخبير المصرفي السابق في بنك مصر إيران للتنمية “ميدبنك”، أن السياسة المصرفية الأميركية تضع معايير افتتاح فروع لبنوكها في الخارج، منها ما هو مرتبط بالناتج المحلي للبلاد والأوضاع الاقتصادية والسياسية، فيما تعتبر تواجدها بالدول النامية بمثابة مخاطر مرتفعة. وأضاف لـ”العرب”، أنه رغم غيابها، إلا أنها تجني أرباحا طائلة من الصناعة المصرفية العربية، حيث أن بنك المقاصة والتسويات الدولية مقره حي مانهاتن المالي في نيويورك. وجميع التسويات العالمية التي تتم عن طريق الشيكات أو المعاملات المالية أو نظم التحويل بنظام “سويفت” تقع تحت سيطرة أميركا وتحصل على عمولات مقابل هذه التسويات، ولا يهمها التواجد في أسواق الدول النامية. وبالتالي لا تخشى أميركا من غيابها عن مختلف الأسواق عالميا، فجميع المعاملات في النهاية تحت سمعها وبصرها عبر عمليات التسويات والمقاصة. قال محمد رضا، الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار سوليد كابيتال، إن انتشار البنوك الأميركية ضعيف لدرجة العدم عربيا، بسبب التحفظات التي يتبعها القطاع المصرفي الأميركي للعمل في الأسواق النامية، وما يكتنفها من مخاطر مرتفعة. وذكر لـ”العرب”، أن هذا الغياب لا يعني ضعف هذه الأسواق استثماريا، لكنها سياسة عامة ينتهجها الاحتياطي الفيدرالي تجاه مصارفه وفروعها وانتشارها عالميا. ورغم التطمينات الكبيرة، غير أن غياب المصارف الأميركية عن الساحة العربية، خلق ضغوطا في أسواق صرف العملة، وشوه الهياكل المالية لموازنات عدد من الدول التي لا يستطيع اقتصادها توليد عملات أجنبية في مقدمتها الدولار. وحذر صندوق النقد الدولي من المخاطر التي تتعرض لها البنوك بسبب نقص إمدادات الدولار، فعندما تشتري شركة طيران من دول عربية طائرة أميركية عليها الدفع بالدولار، ومرجح أن تمول عملية الشراء من بنوكها المحلية ما يوضح الدور الضخم الذي يقوم به الدولار في المعاملات المالية الدولية بين الأطراف المتقابلة.

مشاركة :