تونس - تتواصل متاعب رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، وسط سياقات صعبة توسعت حوافها خلال اليومين الماضيين لتكشف عن شرخ سياسي عميق في جسم المجلس الرئاسي الذي باتت تلازمه حالة من التوتر والارتباك مُرشحة لأن تتفاقم أكثر فأكثر في ظل تصاعد منسوب الاحتقان الشعبي الذي يسود العاصمة طرابلس، وبقية مدن الغرب الليبي. ولا يبدو أن تلك المتاعب، التي تتداخل فيها العوامل الداخلية مع أخرى خارجية، ستتوقف قريبا؛ خاصة بعد أن اتسعت دائرة خصوم السراج لتشمل نائبه الثاني عبدالسلام كاجمان الذي اصطف إلى جانب نائبه الأول أحمد معيتيق، إلى جانب استمرار صراعه المفتوح على كل الاحتمالات مع وزير داخليته فتحي باشاغا الذي بات يُحاصره من كل جانب. ويكشف سجال المذكرات والرسائل المتبادلة بين السراج ونائبه الأول أحمد معيتيق، بما يحمله من انتقادات واتهامات، عن عمق الأزمة المستفحلة التي تعصف بالمجلس الرئاسي الليبي، لاسيما بعد أن كثف معيتيق من رسائله السياسية التي تتسم في الكثير من جوانبها بتصعيد لافت وفق حسابات ومعادلات ليست معزولة عن الصراع المفتوح حول الصلاحيات والذي تُغذيه الكثير من العوامل الخارجية. وفي تصعيد جديد لم يترك معيتيق فسحة للسراج، الذي يبدو الحلقة الأضعف في هذا الصراع، ليلتقط أنفاسه؛ حيث استغل حالة الاحتقان الشعبي الضاغط الذي بات يُحاصره من كل جانب، ليُخاطب مباشرة خصمه وزير الداخلية فتحي باشاغا، في رسالة شدد فيها على أن التظاهر من حق المواطنين. وانتقد في هذه الرسالة التي وجهها الخميس الماضي إلى باشاغا، ما وصفه بـ”احتكار سلطة الفرد المطلقة التي تسببت في الفساد واتخاذ قرارات أدت إلى تدني مستوى الخدمات الأساسية”، لافتا في الوقت نفسه إلى أن “أحد أساسات بناء دولة المؤسسات والقانون هو الخروج للتظاهر السلمي تعبيرا عن الرأي وفق القانون المعمول به”. وعكس مضمون هذه الرسالة تناغما بين معيتيق والقيادي بمدينة مصراتة، حسن عبدالله علي شابه، الذي دعا في وقت سابق إلى التظاهر والخروج إلى الميادين ضد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، الذي اتهمه بالفساد وتدمير الخدمات والمرافق. وقال حسن شابه، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، “يا أيها الليبيون أنتم مدعوون للخروج على ظلمة أفسدوا البلاد وأضاعوا العباد لا صحة ولا كهرباء ولا ماء فإنهم نهبوا وسرقوا،… ليسقط الرئاسي فإن رائحته عفنة ولا بد من تطهير البلاد، حان الوقت، فلا تتهاون ولا تتأخر عن الحضور،… لقد بلغ السيل الزبى”. وفي سياق هذا التناغم، دعا معيتيق في رسالته، الشعب الليبي إلى التعبير عن رأيه بكل وضوح، والمطالبة بفتح “تحقيق في الأموال التي صرفت وأين صرفت وأوجه صرفها”، موضحا أن “خروج المواطن للتعبير عن غضبه ضد حكومته أمر منطقي حتى يخرج كل المسؤولين لتوضيح الجوانب في الملفات التي يتولونها وما هي أسباب التقصير بشفافية”. وقبل ذلك بثلاثة أيام، كان معيتيق أكد في مذكرة وجهها إلى مجلس رئاسة مجلس الوزراء بحكومة الوفاق، أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج “لا يملك صفة رئيس مجلس الوزراء، وأن هذه الصفة تؤول لمجلس يتشكل من رئيس مجلس الرئاسة ونوابه ووزيري دولة”. وأضاف أنه “وفقا لاتفاق الصخيرات فإن رئاسة الوزراء تتمثل في مجلس رئاسة الوزراء، وأن هذا المجلس يتشكل من رئيس مجلس الرئاسة ونوابه ووزيري دولة، مع العلم بأن الرئيس وفق اتفاق الصخيرات هو رئيس مجلس الرئاسة ولا يملك شخص الرئيس صفة رئيس مجلس الوزراء”. وتأتي هذه المذكرة في أعقاب خلافات مع السراج حول آليات اتخاذ القرار بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ومجلس الوزراء، والتي كان آخرها دعوة السراج لمجلس أمناء المؤسسة الليبية للاستثمار إلى الاجتماع، وذلك بقرار منفرد عارضه معيتيق، وكذلك أيضا النائب الثاني عبدالسلام كاجمان. وتزامنت هذه المذكرة مع تصريحات لفتحي باشاغا حول الفساد قال فيها “لدينا مشكلة كبيرة هي مشكلة منظومة الفساد، الذي استشرى في كل مكان وأصبح موجودا في كل المؤسسات وله عصابات، وهناك فساد قهري وفساد طوعي، وتحاول الوزارة ملاحقته والحد منه”. ويرى مراقبون أن هذه التطورات، التي تأتي في وقت يأخذ فيه التسخين في مواقف أركان المجلس الرئاسي الليبي حده الأقصى، من شأنها تعميق أزمة السراج، الذي أصبح وضعه هشا ومُضطربا، بما يُهيئ لمناخ داخلي قد يفرض واقعا جديدا تتعدد فيه الرهانات في ظل تزايد الدعوات إلى التظاهر وسط طرابلس رفضا لسياسات السراج وحكومته. وفي هذا السياق كتب سعيد امغيب، عضو مجلس النواب الليبي، في تدوينة نشرها في صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن السراج “وصل إلى السلطة غصبا عن إرادة الشعب، ولا حاضنة شعبية له وليس له قبول عند الشعب الليبي بعد الجرائم التي ارتكبها بحق الليبيين”. واعتبر أن أبناء القبائل في الغرب الليبي تقع عليهم مسؤولية إنقاذ البلاد، قائلا “لم يعد هناك سبب واحد يمنع المواطن من الخروج للمطالبة بتحسين أوضاعه المعيشية ورفض الاحتلال التركي … أبناء القبائل الليبية في الغرب الليبي تقع على عاتقهم مسؤولية إنقاذ البلاد من حكومة فايز السراج وطرد مرتزقة أردوغان بعد أن تبين لهم كذب وخداع وأطماع الإثنين”. وتؤشر هذه التطورات وما رافقها من صراع مكشوف، على أن الوضع في العاصمة طرابلس دخل مرحلة ترتيب أولويات جديدة في علاقة بالمجلس الرئاسي تأخذ بعين الاعتبار حسابات الواقع السياسي وما يلحق به من توازنات ليست معزولة عن مُخططات الجانب التركي الذي بات يتحكم في خيوط اللعبة السياسية في غرب ليبيا.
مشاركة :