حسب تقديرات الدوائر الاقتصادية في بيروت، فإن لبنان فقد 70 في المئة من قدرته الاقتصادية المتردية، وأن الخسارة الأكبر هي في التدمير الكلّي الذي تعرّض له مرفأ بيروت، الذي يمثل 70 في المئة من حركة التجارة والمبادلات من وإلى البلاد. فهو يشكّل أكبر نقطة شحن وتخليص بحرية في لبنان ويرتبط ارتباطاً مباشراً بنحو 56 مرفأ في العالم ويتعامل مع نحو 300 مرفأ. والملاحظ حتى الآن، غياب التقديرات الرسمية لحجم الخسائر في المرفق الحيوي بانتظار انتهاء أعمال التقييم، علماً أن المبنى الذي يعود إلى القرن الثامن عشر قد دُمَّر بالكامل، فإنه إضافةً إلى الخسائر الناجمة عن الأضرار المادية، سيؤدي توقّف المرفأ عن العمل إلى شلّ حركة الاستيراد والتصدير وحركة رسو السفن والترانزيت، فضلاً عن توقّف الإيرادات من الرسوم الجمركية لخزينة الدولة.اقتصاد على «شفا جُرُف هارٍ» في «بيت عنكبوت» ويرى الخبير الاقتصادي اللبناني، ذو الفقار قبيسي، أن «اقتصاد لبنان على شفا جرف هار» ، وأن الحجم الضخم للانفجار في مرفأ بيروت، أدخل الحدث المروّع في جملة المخاطر «الموسمية» والطارئة في تاريخ لبنان: التدخلات الخارجية (١٨٤٠ و١٨٦٠)، المجاعة الكبرى (١٩١٤)، الحروب والنزاعات الداخلية (١٩٥٨ – ١٩٧٥) والزلازل والكوارث الطبيعية (١٩٥٦) أضيف إليها خلال نصف القرن الماضي مخاطر طارئة مثل أزمة انترا (١٩٦٦) والعاصفة المصرفية الأخيرة وجائحة كورونا (٢٠١٩- ٢٠٢٠) وانفجار بيروت المروّع (٢٠٢٠). · والدرس الذي لم تتعلمه الدولة اللبنانية من كل هذه المخاطر ضرورة تحييد العامل الاقتصادي عن العوامل السياسية الداخلية والخارجية بحيث يمكن لاقتصاد قوي أن يستوعب الضربة أيا كانت ويحد من مخاطرها وأضرارها. الآثار والأضرار ويشير الخبير الاقتصادي، إلى أن النفقات ستزداد في معالجة تداعيات الانفجار وتكلفة الأضرار الناتجة عنه، كما أن غياب الثقة في أداء الحكم والحكومة، ودوره في التحوط ومنع الأزمات بواسطة الأجهزة الادارية والرقابية، سيؤدي الى المزيد من الركود الاقتصادي، وبالتالي تراجع العائدات الضريببة للدولة التي تتراجع أصلا – قبل الانفجار وقبل الكورونا – الى أكثر من ٥٠% الآن، وبما يزيد من اقتراب البلد الى «شفير الانهيار» على حد الوصف الذي أعطاه وزير الخارجية الفرنسي للمسؤولين اللبنانيين. وبما قد «يسلح» الدولار بالمزيد من أدوات الارتفاع على حساب الليرة اللبنانية والقوة الشرائية لمجموع اللبنانيين. وعلى صعيد أوضاع مرفأ بيروت المتدهورة أصلا في غالبية المؤشرات، شهدت آخر الاحصاءات، تراجعا في شهر واحد بين ابريل/ نيسان، ومايو/ آيار ٢٠٢٠ بمعدل ٥٥% في عدد الحاويات ومن ١٢٤ باخرة الى ١١٦ باخرة ومن 8,6 مليون دولار الى 8,4 مليون دولار في حجم الواردات. ويضيف «قبيسي»: وعلى صعيد الموجودات والبضائع المخزنة في المرفأ فالتقديرات الأولية تشير الى خسائر هائلة في المدى القريب والبعيد بما قد يصل الى مئات ملايين الدولارات، الأمر الذي قد يعيد تدوير العلاقة مع صندوق النقد الدولي سلبا من الوجهة النقدية والمالية، وربما ايجابا من الوجهة «الانسانية» كما عبرت عنها ردود الفعل الدولية والعربية تضامنا مع لبنان في محنته الجديدة التي أضيفت الى أزمات وراء أزمات. لقد ارتفع الدين العام من 91,6 مليار دولار نهاية ٢٠١٩ الـى 92,9 مليار دولار حتى ابريل/ نيسان ٢٠٢٠ فيما الناتج المحلي السنوي انخفض من ٥٠ مليار دولار الى ٣٥ مليار دولار وحتى الى أقل، مع توسع وباء الكورونا، وكارثة الانفجار الذي تسبب في سقوط ضحايا بآلاف الشهداء والمفقودين والجرحى والمتضررين. والمشكلة الأبرز التي سيواجهها لبنان على الصعيد المالي والمصرفي تكمن في نقص السيولة والشحّ الناجم عن عدم توفّر الدولار، ما سيؤدي إلى تعطّل عملية إعادة البناء في المرفأ، التي ستستغرق سنوات أساساً، أو إصلاح الأضرار في المباني السكنية والمكاتب والمؤسسات التجارية والسياحية التي تعرّضت لأضرار هائلة. ويجري التحضير الآن للاستعاضة عن مرفأ بيروت بمرفأي طرابلس وصيدا. وقد كشف رئيسا المرفقين عن جهوزيتهما لتأمين حركة الاستيراد والتصدير، علماً أنه ليست لديهما قدرات استيعابية كافية. ويبدو لبنان مفتوحاً على أفق مجهول اقتصادياً ومالياً ونقدياً بعد دخوله نفقاً سياسياً أمنياً خطيراً جداً ، بحسب تعبير الخبير الاقتصادي ذوالفقار قبيسي، مما يهدد البلاد بالذهاب نحو الفوضى والمجهول..وتعوّل الأوساط الاقتصادية على التعاطف العربي والدولي الذي حظي به الشعب اللبناني غداة الانفجار، بما يعطي بعض الأمل بأن البلاد لن تكون متروكة للعزلة التي فرضتها السلطة على نفسها بفعل أدائها. ومن المرتقب عقد مؤتمر دعم دولي ترعاه فرنسا بالتعاون مع الأمم المتحدة وتتولى من خلاله الدولة الفرنسية تأطير وجمع المساعدات الأوروبية والأميركية والدولية والعربية للبنانيين، وسط ترجيح مصادر أوروبية مطلعة أن يتم عقده عبر دائرة فيديو مغلقة الأحد المقبل.
مشاركة :