باريس- حذرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) الخميس من أن 640 من الأبنية التراثية تضررت جراء الانفجار الذي ضرب بيروت مطلع أغسطس و60 منها معرضة للانهيار، مؤكدة أنها ستقود التحرك الدولي لإعادة إعمار تراث العاصمة اللبنانية. وأتى الانفجار على تاريخ عريق حافظت عليه أبنية تراثية بجدرانها المزخرفة ونوافذها الملونة وقناطرها العالية قبل أن تتحول مجرد واجهات تخترقها فجوات ضخمة. ونالت منطقة الجميّزة المواجِهة لمرفأ بيروت، الحصة الأكبر من الضرر الذي أصاب بيروت نتيجة الانفجار الذي أسفر عن خسائر واسعة في الأرواح وأضرار بالغة في المنازل والمنشآت. ولعل أكثر ما يميّز هذه المنطقة، بيوتها التراثية القديمة، التي شهدت على حروب كثيرة مرّت على لبنان، فأتى الانفجار ليلحق أضرارا كبيرة في معظمها. اليونسكو تقدر أن 640 من الأبنية التراثية مهددة بالانهيار في بيروت معلنة أنها ستقود التحرك الدولي لإعادة الإعمار ويخشى متخصصون من أن تضيع تلك البيوت العتيقة في الازدحام من خلال إهمال ترميمها أو معاملتها معاملة المباني العادية دون “حس تراثي” يراعي تاريخها وخصوصيتها. ويتطلب إصلاح وترميم منازل بيروت التراثية تقنيات خاصة، فحسب عضو التجمع للحفاظ على التراث اللبناني، رجا نجيم “لا يوجد شيء لا يمكن إصلاحه”، مشيرا إلى أن “ترميم هذه المباني يعتمد على تمويلات منظمات دولية وعالمية، ويقام بإدارة خارجية”. وعبّر نجم عن استيائه من موقف السلطة المحلية تجاه التراث قي لبنان، فقال “ينقص الإدارة المحلية الحس التراثي، لا ثقة بالدولة أو الحكومة أو ببلدية بيروت في هذا السياق”. وأعلنت اليونسكو في بيان أنها حصلت على هذه الأرقام من تقييم قام به سركيس خوري مدير عام الآثار في وزارة الثقافة في لبنان. وقال خوري “تضرر ما لا يقل عن ثمانية آلاف مبنى” معظمها في أحياء الجميزة ومار ميخايل القديمة، داعيا إلى أعمال “عاجلة” تفاديا لتفاقم الأضرار مع الأمطار في فصل الخريف. وأضاف البيان أن الانفجار “ألحق أيضا أضرارا بمتاحف عديدة كالمتحف الوطني ومتحف سرسق ومتحف الجامعة الأميركية في بيروت والمواقع الثقافية والدينية وصالات العرض”. أبنية تراثية بجدرانها المزخرفة ونوافذها الملونة تحولت إلى واجهات تخترقها فجوات ضخمة أبنية تراثية بجدرانها المزخرفة ونوافذها الملونة تحولت إلى واجهات تخترقها فجوات ضخمة وفي القصر الذي بنته عائلة سرسق البيروتية الأرستقراطية في القرن الثامن عشر، وصمد بوجه حروب عدة مرّت على لبنان، سقطت ألواح زجاجية ملونة أرضا، وتكسرت أجزاء من أبواب حُفرت عليها كتابات بالأحرف العربية، ولم تبق واجهة زجاجية على حالها. وفي إحدى الزوايا، يتكدّس ما تبقى من أرائك محطمة وطاولات لم يبق منها سوى قطع خشبية مبعثرة. تمسك وريثة القصر تانيا إنجا ما تبقى من لوحة ممزّقة تماما تصور والد جدها، مرددة “سأحافظ عليها من أجل الذكرى”. وتقول إنجا (في الخمسينات من عمرها) “ما حصل أشبه بعملية اغتصاب”، مضيفة “بات هناك الآن شرخ بين الماضي والحاضر. قُطعت أوصال الذاكرة بالنسبة للمكان وللعائلة ولجزء لا يتجزأ من تاريخ بيروت”. أما المبنى المجاور، فهو قصر سرسق الشهير الذي بنته العائلة ذاتها في العام 1912، وحولته لاحقا إلى متحف ومساحة عرض للفنانين اللبنانيين والأجانب. وبات القصر اليوم يروي قصة مدينة منكوبة بعدما شهد على تاريخ لبنان بأكمله منذ نشأته مع إعلان دولة لبنان الكبير مطلع سبتمبر 1920 حتى هذه اللحظة. وإلى جانب لافتة كُتب عليها “أهلا وسهلا في متحف سرسق”، رميت ألواح معدنية ملتوية فوق بعضها البعض بعدما أخرجت من المنزل. يتفقد المهندس جاك أبوخالد القصر الذي أشرف على ترميمه قبل 20 عاما. ويُطمئن أن أساسيات القصر مازالت ثابتة، أما كل شيء آخر فقد تضرّر، كالجدران التي استُحدثت من أجل تعليق لوحات المعارض. ويقول أبوخالد (68 عاما) “لأنه مبنى مغلق، حصل انهيار في كل زاوية. لم أتوقع أن أرى دمارا بهذا الحجم”، متوقّعا أن تستغرق عملية إعادة الترميم أكثر من عام حتى يعود إلى سابق عهده، على أن تبلغ التكلفة الملايين من الدولارات. ويقول “أنا متمسك جدا بهذا المبنى، أشعر وكأنه منزلي”. أكثر ما يميّز هذه المنطقة، بيوتها التراثية القديمة، التي شهدت على حروب كثيرة مرّت على لبنان، فأتى الانفجار ليلحق أضرارا كبيرة في معظمها في العام 1961، فتح متحف سرسق أبوابه للمرة الأولى نزولا عند رغبة مالك المبنى نقولا سرسق الذي أوصى بتحويل بيته إلى متحف بعد وفاته. وشهد المتحف معارض كثيرة وبقيت أبوابه مفتوحة خلال غالبية سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، ثمّ أغلق أبوابه ثماني سنوات من أجل ترميمه، ليعود ويفتح أبوابه مجددا في أكتوبر 2015، ويستقبل عوضا عن الفنانين ومعارضهم، أعراس الراغبين بأن يحتفلوا في قصر يُشكل جزءا من ذاكرة بيروت. وتضرّر جراء الانفجار والزجاج المتطاير ما بين 20 و30 عملا فنيا، بينها لوحة لنقولا سرسق تعود إلى الثلاثينات ورسمها الفنان الهولندي الفرنسي كيس فان دونغن. وقدّر مرتضى تكلفة إصلاح المباني الأثرية بـ”مئات الملايين من الدولارات”، منبّها إلى ضرورة بدء العمل سريعا قبل حلول فصل الشتاء. ويعمل فريق في وزارة السياحة حاليا على تقدير الخسائر، على أمل الحصول على مساعدة خارجية خصوصا من فرنسا. ويقول مرتضى “الكثير من العمل ينتظرنا.. إذا حلّ فصل الشتاء من دون أن نفعل شيئا، سنكون أمام خطر كبير”. وأعلنت اليونسكو أنها ستقود التحرك الدولي لاستعادة وإعادة إعمار تراث بيروت. وأكدت أنها تستعين بمنظمات ثقافية وخبراء من الطراز الأول في لبنان والخارج.
مشاركة :