شظايا انفجار بيروت تلاحق أقطاب السلطة في لبنان | | صحيفة العرب

  • 8/7/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

انفجار بيروت الدامي ما بعده لن يكون كما قبله، وتذكر أجواؤه بما أعقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005 من غضب شعبي وتصعيد سياسي يستهدف القابضين على مفاصل السلطة. بيروت – طالب الزعيم الدرزي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الخميس بتشكيل لجنة تحقيق دولية لكشف حقيقة ما حصل في مرفأ بيروت، مشددا على أن لا ثقة له بالمطلق في “العصابة الحاكمة” في البلاد، داعيا إلى رحيلها. وعاش لبنان أشبه ما يكون بزلزال الثلاثاء بانفجار في أحد المستودعات بمرفأ بيروت يحوي منذ ست سنوات حوالي 2750 طنا من نيترات الأمونيوم، ما تسبب في مقتل أكثر من 37 شخصا وإصابة 5000 آخرين بجروح، فيما أصبح ما يصل إلى ربع مليون شخص بلا مأوى يصلح للإقامة في بلد لا يزال يئن تحت وطأة انهيار اقتصادي وانتشار حالات الإصابة بفايروس كورونا. ويقول محللون إن الانفجار الذي جد ستكون له ارتدادات خطيرة على الوضعين الاجتماعي والسياسي في لبنان، مع تحول الصدمة إلى حالة من الغضب قد تفجر موجة احتجاجات جديدة ضد السلطة الحاكمة. وشهد لبنان احتجاجات ضخمة غير مسبوقة في 17 أكتوبر الماضي استمرت أشهرا عدة، طالبت برحيل الطبقة السياسية الحاكمة مجتمعة المتهمة بالفساد والهدر والعجز عن إيجاد حلول للأزمات المتعاقبة. وهدأت تلك التظاهرات تدريجيا بعد تشكيل حسان دياب لحكومته، ثم بدء انتشار فايروس كورونا المستجد، من دون أن تتوقف التحركات المطلبية الرمزية أمام مؤسسات الدولة ومصرف لبنان، آخرها محاولة متظاهرين قبل أيام اقتحام وزارة الطاقة احتجاجا على انقطاع الكهرباء لساعات طويلة. ومن غير المستبعد أن يؤدي انفجار بيروت إلى إشعال فتيل الحراك مجددا، مع تزايد الدعوات إلى رحيل الممسكين بزمام السلطة في البلاد، في ظل شبهات عدة تحوم حول الانفجار الذي جرى قبل ثلاثة أيام فقط من إعلان المحكمة الدولية الخاصة بالنظر في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عن قرارها حيال المتهمين وهم أربعة عناصر من حزب الله. وكانت المحكمة التي مقرها لاهاي قد قررت تأجيل النطق بالحكم إلى 18 أغسطس الجاري، على خلفية فاجعة بيروت. وقال وليد جنبلاط في مؤتمر صحافي “لا نؤمن بأي لجنة تحقيق محلية، ونطالب بلجنة تحقيق دولية لنكشف الحقيقة ولنعرف كيف وقع انفجار بيروت، ولا ثقة بهذه الحكومة أنها قادرة على كشف الحقيقة”. وسأل جنبلاط “هل هي صدفة أم مؤامرة؟ التحقيق سيكشف ذلك”، وأضاف “من المعلومات الضئيلة التي أملكها، هذه الكمية الهائلة التي أتت من الأمونيوم إلى مرفأ بيروت وبقيت تقريبا 6 سنوات، لا تنفجر حتى لو كانت سامة أو متفجرة لوحدها، إنها بحاجة لصاعق. وعندما نرى كيف أن ذخائر أو مفرقعات معينة بدأت تنفجر تمهيدا للانفجار الكبير هذا هو الصاعق”. وقال إن “الحكومة الحالية معادية ولا بد من حكومة حيادية تخرجنا من المحاور ويجب السيطرة على المعابر والمرافئ”، مشددا على أن “لا ثقة بالمطلق بهذه العصابة الحاكمة”. وذكر جنبلاط أن “هناك تقصيرا فادحا من القضاء والأجهزة الأمنية، وكل الرسائل والرسائل المضادة تذكرني بما حدث بعد جريمة اغتيال رفيق الحريري حين حاولوا في اللحظات الأولى طمس الدلائل، واليوم يحاولون التملص من خلال القول إن لا علاقة لهم وأنهم قدموا بلاغات بشأن مادة الأمونيا في المرفأ”. وأعلن الزعيم الدرزي أن اللقاء الديمقراطي قرر البقاء في المجلس النيابي، داعيا إلى انتخابات جديدة على أساس قانون غير طائفي ودائرة فردية، وقال “بمجرد استقالة 8 نواب يفسح المجال ‘للمحور العوني’ (تيار رئيس الجمهورية) ومحور ‘حزب الله’ بالسيطرة المطلقة على البرلمان”. وسبق أن لوح مروان حمادة أحد نواب كتلة اللقاء الديمقراطي التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي بتقديم استقالته من مجلس النواب عقب الانفجار. ويرى متابعون أن ما يشهده لبنان اليوم هو أشبه ما يكون بما حصل عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، وسط ترجيحات بإعادة إحياء تحالف 14 آذار، لمواجهة الائتلاف الحاكم الذي يقوده حزب الله. وانضم المفتي عبداللطيف دريان ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لجنبلاط في الدعوة للجنة تقصي دولية في ما حصل بالمرفأ، وذهب جعجع حد المطالبة بـ”محاكمة السلطة السياسية الحاكمة”. وقال جعجع في وقت لاحق الخميس إن “السلطة في موقع الاتهام، ونطالب بلجنة تقصي حقائق دولية”، كما “ندعو مجلس النواب لعقد جلسة طارئة لاستجواب الحكومة بشأن الانفجار”. وأبصرت حكومة الرئيس حسان دياب النور مطلع العام الحالي، بوصفها تضمّ اختصاصيين، لكن سرعان ما تبيّن نفوذ الأحزاب داخلها خصوصا حزب الله، المدعوم من طهران وحليفه التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون. ولم يتأخر بعض حلفائه بالتهديد بسحب وزرائهم عند التباين حول إدارة بعض الملفات. ويثير أداء الحكومة التي لم تنجح بعد في تحقيق إصلاحات ملحة يشترط المجتمع الدولي وصندوق النقد إجراءها مقابل الحصول على دعم خارجي، امتعاضا شعبيا. وتقدم وزير الخارجية ناصيف حتي الدبلوماسي المخضرم الأسبوع الحالي باستقالته لتعذّر قيامه بواجباته وغياب إرادة حقيقية للإصلاح، وفق قوله. حتى أنه ألمح إلى وجود مرجعيات عدة داخل الحكومة تتحكم بأدائها. وشكلت الاستقالة ضربة جديدة للحكومة برئاسة حسان دياب. إلا أنّ فاجعة الانفجار أسهمت نوعا ما في كسر عزلة الحكومة الدبلوماسية التي لم يزر رئيسها أي دولة منذ تعيينه كما جرت العادة، وقد أدت هذه الفاجعة إلى تدفّق مساعدات خارجية للمساهمة في تجاوز محنة الانفجار. وسارع وزير الخارجية الجديد شربل وهبي إلى التأكيد لقناة الجديد المحلية الخميس أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت تعني أن “لبنان مازال يحظى بتضامن وعطف الدول”. وتقول مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهي يحيى “في أي بلد آخر، كانت الحكومة لتستقيل” عقب انفجار تداعياته كارثية إلى هذا الحد، مضيفة “مجرّد وجود كمية بهذا الحجم من نيترات الأمونيوم مخزّنة في مرفأ بيروت من دون إجراءات احترازية يشكّل إهمالا جرميا”. وفي ظل الاستقطاب السياسي الحاد والصراع الدائر في الشرق الأوسط خصوصا بين الولايات المتحدة وإيران، فإن عرابي الحكومة اللبنانية سيعملون على الأرجح لضمان عدم سقوطها، مهما كلّف الأمر. ويقول الباحث والأستاذ الجامعي كريم بيطار “رغم الغضب العام ليس مرجّحا أن نرى استقالة فورية للحكومة في هذه المرحلة، طالما أنه ما من بديل واضح”، خصوصا أنّ خصوم الحكومة في مرمى اتهامات المتظاهرين ولا يحظون بثقتهم على الإطلاق. وكتب الباحث فيصل عيتاني في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أن “الكارثة، بشدتها الاستثنائية، هي كالعادة في لبنان نتيجة أعمال تجارية”. وأضاف أن “ثقافة الإهمال والفساد وتبادل اللوم متجذرة في البيروقراطية اللبنانية بإشراف طبقة سياسية معروفة بعدم كفاءتها وتحقيرها للصالح العام”. وأعرب عيتاني عن اعتقاده بأن “اللبنانيين سيكونون اليوم أكثر تصميما على محاسبة الطبقة السياسية، الفاسدة حتى النخاع”.

مشاركة :