المسلمون الأويغور: تحرك الجميع وصمت أردوغان | | صحيفة العرب

  • 8/18/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في وقت تقود فيه دول عديدة حملة تنديد بالانتهاكات الصينية في حق المسلمين الأويغور وصلت إلى حد التهديد بفرض عقوبات على بكين التي تحبس الأقلية التركية في معسكرات اعتقال، لازم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي دائما ما يقدم نفسه على أنه حامي المسلمين حول العالم، الصمت المطبق وكأن شيئا لم يحدث. فالدفاع عن الأقليات التركية حول العالم تضبطه نواميس السياسة وحسابات الاقتصاد بامتياز، فما الداعي من إثارة غضب بكين التي يعول عليها الرئيس التركي لإنعاش اقتصاد بلاده المتعثر ومواجهة الضغوط الأميركية المتصاعدة. أنقرة – تخضع دبلوماسية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا بصرامة إلى مقاييس الربح والخسارة حتى وإن تعلق الأمر بحقوق الإنسان الكونية والانتصار للمضطهدين حول العالم على اختلاف دينهم وعرقهم ولغتهم فكيف إن كان الأمر يتعلق ببني جلدته، المسلمين الأويغور. وفي وقت شنت فيه عدة دول حملات تنديد واسعة النطاق ضد انتهاكات الصين لحقوق أقلية الأويغور التركية في إقليم شينغيانغ ، نأى أردوغان بنفسه عن حملات التنديد، ما يفضح متاجرته بقضايا المسلمين. ويرى مراقبون أن قضية الأويغور بالنسبة إلى أردوغان ورقة للتسويق السياسي لنظامه، إذ سعى لتقديم نفسه في المنطقة خليفة للمسلمين، مدافعا عنهم أينما كانوا، إلا أن هذه الصورة هدمت مع أول ضغط صيني. ففي 2009 وصف أردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك، وضع الأويغور بأنه “نوع من الإبادة الجماعية”، لكنه في 2019 عاد ليقول إن الأويغور يعيشون بـ”سعادة” وذلك في ذروة الانتقادات الدولية لانتهاكات الحزب الشيوعي الصيني. ينظر الأتراك إلى الأويغور على أنهم إخوانهم بسبب الروابط اللغوية، ومع ذلك أظهرت حكومة أردوغان دعما ضئيلا لهم قبل أن تنقلب عليهم ونقلت وكالة أنباء شينخوا عن أردوغان بعد لقائه الرئيس الصيني شي جين بينغ آنذاك قوله “المقيمون من مختلف الإثنيات في الصين يعيشون بسعادة في منطقة شينغيانغ بمن فيهم الأويغور”، ما مثل انقلابا في المواقف بـ360 درجة. والأويغور الذين تحتجزهم الصين في معسكرات مسلمون تعود أصولهم إلى الشعوب التركية (التركستان)، ويعدون أنفسهم أقرب عرقيا وثقافيا إلى أمم آسيا الوسطى، كما يشكلون نحو 45 في المئة من سكان شينغيانغ. ويتهم الغرب الصين باحتجاز نحو مليون شخص في شينغيانغ في معسكرات إعادة تأهيل، فيما تنفي بكين هذا الرقم، وتقول إن هذه المعسكرات هي “مراكز للتأهيل المهني” لمكافحة التطرف الإسلامي. وقبل أيام أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على مسؤولين صينيين تتهمهم بالمسؤولية عن انتهاكات لحقوق الإنسان بحق المسلمين الأويغور في إقليم شينغيانغ، حيث استهدفت العقوبات مصالح اقتصادية صينية في الولايات المتحدة يمتلكها الحزب الشيوعي الصيني. كما طالب 44 نائبا في بريطانيا وزارة الداخلية بمنح صفة “لاجئ تلقائي” لأتراك الأويغور الذين يتقدمون بطلب استنادا إلى أدلة حول تعرضهم لـ”إبادة جماعية” على يد الصين، فيما نددت فرنسا إضافة إلى 27 دولة أخرى بالممارسات الصينية. المصالح الاقتصادية أولا التحسن في العلاقات التركية – الصينية على حساب اللاجئين الأويغور التحسن في العلاقات التركية – الصينية على حساب اللاجئين الأويغور ينظر القوميون الأتراك، حلفاء أردوغان في الحكم، إلى الأويغور على أنهم إخوانهم المسلمون الترك بسبب الروابط اللغوية والدينية. ومنذ أن شنت بكين حملتها القمعية في شينغيانغ في 2019، استقبلت تركيا حوالي 20 ألفا من الأويغور اللاجئين، أكثر من أي دولة أخرى. ومع ذلك أعربت حكومة أردوغان عن دعم ضئيل لقضية الأويغور قبل أن تنقلب عليهم بشكل كامل. ودفع اعتماد تركيا الاقتصادي المتزايد على بكين، لاسيما في ما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق، إلى تخليها عن “حماية” الأويغور. وبدلا من ترحيل الأويغور إلى الصين، الأمر الذي ستواجه حكومة أردوغان بسببه انتقادات كبيرة من قاعدتها المحافظة، يبدو أن الحكومة التركية ترسلهم سرا إلى دول ثالثة. وتعمد تركيا لترحيل الأويغور إلى التحايل عبر إصدار وثائق طاجيكية، فترحلهم إلى طاجكستان التي ترحلهم بدورها إلى الصين حتى لا يقال “تركيا ترحل الأويغور إلى الصين”. ويرى متابعون أن تواطؤ الأتراك يرجع إلى أسباب اقتصادية، وحرص حكومة أردوغان على ضمان استمرار الاستثمار الصيني في تركيا. ويشير هؤلاء إلى أن الأزمات الاقتصادية المتكررة والشقاق الأوروبي – التركي، بسبب سياسات أردوغان، دفعا تركيا إلى الاستثمار في صداقات أخرى وخاصة الصين، حيث استثمرت الشركات الصينية ، كجزء من استراتيجية بكين للحزام والطريق، المليارات في تطوير البنية التحتية التركية، فيما تهدف بكين إلى مضاعفة الاستثمارات إلى أكثر من 6 مليارات دولار على المدى القصير. وجاء هذا التحسن في العلاقات التركية – الصينية على حساب اللاجئين الأويغور، حيث انعكس الاستثمار الصيني المتزايد في تركيا على أوضاع اللاجئين الأويغور في أنقرة، لتأتي قضيتهم ثانية عقب الاستثمارات بالنسبة إلى المسؤولين الأتراك. الاعتماد على الاستثمارات الصينية انعكس على أوضاع الأويغور وقضيتهم ليكونوا في مرتبة ثانية بعد الاستثمارات بالنسبة إلى المسؤولين الأتراك وتقول مجلة آسيا ريفيو إن بكين تستخدم مع أردوغان سياسة العصا والجزرة، ففي مارس 2019، هاجم دينغ لي، السفير الصيني بأنقرة، في تصريحات لوكالة رويترز، انتقادات تركيا العلنية للصين بشأن الأويغور، وقال “إذا اخترتم سبيلا غير بنّاء، فسوف يؤثر سلبا في الثقة والتفاهم المتبادل، وسينعكس ذلك على العلاقات التجارية والاقتصادية”. وبنهاية الشهر نفسه، قال دينغ للإعلام التركي، إن الصين “ترغب في مضاعفة استثماراتها بتركيا إلى ستة مليارات دولار، وكذلك عدد السياح الصينيين إلى 800 ألف بحلول عام 2021”. وعلى الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كان صمت تركيا عن قمع الصين للأويغور وتعاونها معها في ترحيلهم إليها سيساعدانها على تأمين استثمارات صينية مفيدة، فإن أردوغان يبدو أن لديه مهلة لاختبار سياسة الصمت التي ينتهجها. وتعكس أوضاع الأويغور أن تركيا بقيادة أردوغان قد أعادت في السنوات الأخيرة النظر في قيمها الجوهرية، لتقترب من دول ذات نظم أكثر تسلطا كروسيا والصين وإيران، وهي الأكثر أهمية لمصالحها الحيوية. ومع تعكر علاقات تركيا مع الحلفاء التقليديين الأوروبيين والأميركيين، ارتمى أردوغان في أحضان الصين وروسيا حتى لو كان هذان البلدان يسيئان معاملة المجموعات الإثنية التركية مثل الأويغور أو التتر في القرم، حيث طغى العامل الاقتصادي على العامل الإنساني والهوياتي. الأقليات في خدمة الأطماع قضية الأويغور بالنسبة إلى أردوغان ورقة للتسويق السياسي لنظامه قضية الأويغور بالنسبة إلى أردوغان ورقة للتسويق السياسي لنظامه على خلاف الصمت الذي ينتهجه الرئيس التركي في علاقته بالأويغور، الذين لا توفر مساندتهم أي منافع اقتصادية أو سياسية، أطلق أردوغان جعجعة تجاه ما يعتبره اضطهادا في حق الأقلية التركية المسلمة في مدينة تراقيا الغربية اليونانية بينما يشحن الكراغلة الأتراك في مدينة مصراتة لتأليب شريحة واسعة من الليبيين ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ويدعم لوجستيا وماليا تركمان لبنان. فالحديث عن الأقلية التركية في تراقيا يخدم أجندة صراعه مع الجارة اليونان بشأن ثروات المتوسط التي يطمح للاستيلاء عليها وتجييش الكراغلة في مدينة مصراتة يقوي شوكة حلفائه الإسلاميين ويؤمن له في ما بعد وضع يده على ثروات ومقدرات الشعب الليبي. أما تركمان لبنان فهم في خدمة أجنداته في الشمال اللبناني. والأسبوع الماضي، عاد أردوغان للحديث عن “الانتهاكات” التي تتعرض لها الأقلية التركية في مدينة تراقيا اليونانية منذ أكثر من 25 سنة على حد قوله، تزامنا مع تصدي أثينا لأطماعه الاقتصادية والتوسعية في شرق المتوسط. وقال أردوغان في تصريحات إعلامية “تم الاعتداء على مقابر أبناء جلدتنا وتدنيسها في تراقيا الغربية باليونان”.وتعد منطقة تراقيا الغربية شمال شرقي اليونان موطنا لأقلية مسلمة تركية يبلغ تعداد سكانها نحو 150 ألف نسمة، كما أن جزر دوديكانيسيا اليونانية، هي موطن لأقلية تركية مسلمة، تضم حوالي 6 آلاف شخص. فبالنسبة للرئيس المغمور فإن أبناء الجلدة ليسوا على قدم المساواة فالأويغور أبناء جلدة من درجة ثالثة أو رابعة وليس لهم ما على الأقليات التركية الأخرى في لبنان واليونان وليبيا. ويطمح الرئيس التركي في وضع يده على الثروات الطبيعية في المتوسط وذلك بعد أن دشن حملة لاستكشاف حقول الغاز في المياه اليونانية والقبرصية ضاربا عرض الحائط بقوانين البحار الدولية، ما دفع أثينا، ومن خلفها فرنسا، إلى تعزيز تواجدها العسكري في المنطقة تحسبا لأي مجازفة تركية. ومن شأن محاولات تأليب الأقلية التركية في اليونان ضد حكومتها المركزية إثارة بلبلة اجتماعية قد توفر لأردوغان غطاء لممارسته المزيد من الضغوط السياسية في إطار انتهاكه لقواعد حسن الجوار والقوانين الدولية البحرية في المنطقة. أما في ليبيا، فيعمل الرئيس التركي من خلال تركيزه على الجماعات التي يسميها بأتراك مصراتة (الكراغلة) إلى زرع الفتن والانقسامات بين أبناء المجتمع الليبي، ونزع الصفة الوطنية عنهم بإرجاعهم إلى الأصول التركية التي يقوم بتضخيمها كي تطغى على الانتماء الوطني الليبي تمهيدا لإلغائه، بما يناسب أطماعه وأجنداته. وتنبش تركيا في الجذور التاريخية للقبائل الليبية، وتقول إن مصراتة التي يسكنها ليبيون من أصل تركي هي سبب رئيسي في منع تقدم الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر تجاه العاصمة طرابلس، وهي تعلم هنا أهمية الدور القبلي كما أهمية الانتماء إلى القبيلة وإلى الوطن. ومنذ توقيع الاتفاق العسكري بين أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، استفاض الحديث عن عشيرة الكراغلة كورقة ضغط عرقية تعتمدها أنقرة لتأليب شريحة واسعة من الليبيين ضد الجيش الوطني الليبي. وعلى عكس بعض الآراء التي تحصر هذه الخطوة في أنها وليدة الدفع التركي لمضاعفة تدخلاتها في الشأن الليبي، يؤكد المراقبون أن هذه الورقة ليست جديدة بل إن النظام التركي بدأ بتوظيفها في ليبيا منذ اندلاع الربيع العربي وتحديدا قبل سقوط نظام العقيد معمر القذافي. وتقول المحللة السياسية سارة رشاد إن السياسيين الليبيين يرون أن دور الكراغلة في أحداث 2011 لم يكن من قبيل الصدفة، وإنما “حشدت تركيا هذه المجموعات من أجل الإطاحة بالقذافي وتنفيذ مشروعها للسيطرة على ليبيا”. وأشارت رشاد إلى وجود جمعية “كول أوغلو” الليبية والتي تأسست عام 2015، وأن هدفها هو إحياء التراث العثماني في شمال أفريقيا، وتقول أيضا “هذه الجمعية قوّضت استقرار المجتمع الليبي، حتى أنها أرادت منح الجنسية التركية لأفراد الكراغلة المقيمين في ليبيا”. وفي لبنان، يعتبر التركمان خاصرة أردوغان الهشة لبسط نفوذه في الشمال اللبناني، إذ تحظى الأقلية التركمانية المسلمة برعاية مالية وثقافية مباشرة من أنقرة التي تمول فتح المساجد والجمعيات الخيرية التي تمثل أدوات للقوة الناعمة التركية في بلد متعدد الطوائف والمذاهب. كما يغازل أردوغان المكون السني في لبنان ويحاول استمالته مستغلا في ذلك الانكفاء العربي وقد نجح في ذلك إلى حد ما، فمع تراجع دعم الدول العربية للمكون السني في لبنان اندفع أردوغان لملء الفراغ وتقديم نفسه على أنه حاميه من التغول الشيعي (حزب الله). وطبعا كل ذلك ضمن أجنداته التوسعية في المنطقة، فلا شيء يقدمه دون منافع شخصية.

مشاركة :