تونس- الجزائر – تعمل السعودية على بلورة موقف عربي موحد تجاه الحل السياسي في ليبيا، وتذويب الخلافات التفصيلية بين دول الجوار الليبي، لاسيما بعد ظهور تضارب في المواقف والمبادرات بين تلك الدول ورغبة كل منها في الترويج لمبادرتها. ولتحقيق هذا الهدف أرسلت السعودية وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان إلى كل من مصر والجزائر وتونس، في خطوة تنطوي على رغبة في تسريع التفاهم العربي بشأن آليات التحرك لمواجهة التمدد التركي في ليبيا والمتوسط عموما. وخلال زيارته، الثلاثاء، للجزائر عبّر الأمير فيصل بن فرحان، في تصريح أدلى به لوسائل إعلام محلية، عقب خروجه من اللقاء الذي جمعه بالرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، عن “التزام بلاده بالتنسيق مع الجزائر بغية التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة في ليبيا، وتمكين هذا البلد من استعادة أمنه واستقراره”. وشدد الوزير السعودي على أهمية دور دول الجوار في هذه القضية، بالقول “لدول الجوار دور مهم في الوصول إلى حل ينهي الصراع في ليبيا، بغية حماية هذا البلد الشقيق من الارهاب والتدخلات الخارجية”. ولفت إلى أن السعوديين ملتزمون بالتنسيق مع الجزائر، وسوف نسعى بجهودنا المشتركة مع دول الجوار كافة، للوصول إلى تسوية تحمي هذا البلد وتعيد له استقراره. وحملت مفردات الأمير فيصل بن فرحان، تلميحات إلى قواسم مشتركة بين موقف السعودية تجاه الأزمة الليبية، وبين موقفي كل من مصر والجزائر، فيما يتعلق بالمخاوف من تمدد نشاط التنظيمات الإرهابية ورفض التدخل الخارجي في ليبيا، وهي رسالة واضحة للطرفين بإمكانية ردم الفجوة التي ظهرت مؤخرا بين القاهرة والجزائر حول مسألة تسليح القبائل الليبية. وكانت الجزائر، التي تتبنّى مبادرة لحل الأزمة الليبية عن طريق التسوية السياسية والحوار بين أطراف النزاع، قد أظهرت انزعاجها من توجه مصر إلى تسليح القبائل الليبية. وتعد زيارة وزير الخارجية السعودي، الثانية من نوعها للجزائر، منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، كما سبق له تبادل عدة اتصالات مع نظيره الجزائري صبري بوقادوم، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الليبية والقضايا ذات الاهتمام المشترك. ومن الجزائر، توجه وزير الخارجية السعودي إلى تونس والتقى الرئيس التونسي قيس سعيد، استكمالا للمشاورات التي أجراها قبل ذلك مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، بشأن الملف الليبي. وقبل مغادرته العاصمة المصرية باتجاه الجزائر، أعلن وزير الخارجية السعودي دعم بلاده الكامل لموقف مصر تجاه الملف الليبي، ولإعلان القاهرة لحل الأزمة الليبية. وتم خلال زيارة مصر التوافق على أن مسارات الحلول السياسية هي الأساس لحل الأزمة الليبية، وهو توافق تُشاطره غالبية الدول العربية، وخاصة منها الجزائر وتونس اللتين تؤكدان على ضرورة إيجاد حل سياسي سلمي يضمن سلامة ليبيا ووحدتها بعيدا عن التدخلات الخارجية. وتزامنت زيارة الأمير فيصل بن فرحان إلى الجزائر مع الإعلان عن اتصال هاتفي بين محمد سيالة، وزير الخارجية بحكومة الوفاق الليبية مع نظيره الجزائري صبري بوقادوم، تم خلاله تناول تطورات الملف الليبي، وآليات التنسيق من أجل العودة إلى مسار الحوار السياسي في ليبيا. غير أن هذا التأكيد على أهمية العملية السياسية، اصطدم بتصريحات لافتة لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج، اعتبر فيها أن المسار العسكري هو “المحك وعلى ضوء نتائجه يتحرك أو يقف المساران الآخران السياسي والاقتصادي”. وفرض هذا الربط بين المسارين العسكري والسياسي إيقاعه على تسارع التحركات السياسية لترتيب الأولويات في علاقة بالاستحقاقات القادمة، حتى أن المراقبين لم يترددوا في القول إن التحرك السعودي على مستوى دول الجوار الليبي لا يخرج عن دائرة هذه التطورات. واعتبر الباحث السياسي الليبي عبدالحكيم فنوش أن التحرك السعودي يأتي مساندة للدور المصري وتشجيعا لموقف الرئيس التونسي في مواجهة حركة النهضة وأتباعها، ومحاولة لتقريب الموقف الجزائري من المبادرة المطروحة في القاهرة لخلق تصور مشترك لمواجهة تغول أردوغان في المنطقة. وقال فنوش في اتصال هاتفي مع “العرب” من العاصمة الفرنسية باريس إن “التحرك السعودي يأتي تمشيا مع تحرك دول غربية منها فرنسا، التي يبدو أن تحركاتها، وخاصة منها تلك التي تستهدف سحب الشرعية الدولية من حكومة الوفاق، قد أقلقت تركيا وأربكت حساباتها. وتُجمع القراءات السياسية على أن التحرك السعودي في هذا التوقيت بالذات يحمل بين ثناياه رسائل تتجاوز تفاصيل الوضع الراهن في ليبيا، إلى محاولة بلورة استراتيجية عربية على قاعدة “العزل والمواجهة”، أي عزل الخطر التركي ومحاصرته في المنطقة ومُواجهته بخطوات حاسمة. ودفع هذا الإجماع، عبدالله بليحق، الناطق باسم مجلس النواب (البرلمان) الليبي، برئاسة عقيلة صالح إلى التأكيد على أن الدور السعودي والمصري والعربي بشكل عام مهم لدعم الاستقرار في ليبيا ولدعم المؤسسات الشرعية الممثلة لإرادة الشعب الليبي “مجلس النواب” للتصدي للأخطار التي تحيط بليبيا والتدخلات الخارجية الداعمة للإرهاب.
مشاركة :