الخرطوم – أعلنت الحركة الشعبية شمال جناح عبدالعزيز الحلو التي تقاتل الحكومة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الخميس انسحابها من المفاوضات الجارية مع الحكومة في جوبا، اعتراضا على ترؤس نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو الوفد الحكومي. جاء ذلك في الوقت الذي كثفت فيه الخرطوم جهودها لتثبيت موعد التوقيع على اتفاق سلام مبدئي مع الجبهة الثورية، أعلنت جنوب السودان حدوثه في 28 أغسطس الجاري. وتجاهد السلطة السودانية لتحقيق انتصار معنوي تستطيع من خلاله مجابهة الأزمات الداخلية المتفاقمة، ووقف تزايد الغضب الشعبي ضدها، وتخفيف الضغوط الخارجية عليها، متمنية أن تفضي خطوة السلام إلى رفع اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب التي لها انعكاسات مباشرة على الأوضاع الاقتصادية. أوضح المحلل السياسي الفاتح وديدي أن السلطة الانتقالية بحاجة ماسة إلى إنجاز ملف السلام، وأضحت على قناعة بأن استهلاك الوقت لن يكون في صالحها، لأن الحركات تتمادى في مطالبها، مستغلة تكبيل يدي الحكومة بهذا الملف منذ أن تولت عملها. وأضاف لـ“العرب” أن الحكومة تبحث عن إنجاز ملف السلام أو إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لتحسين علاقتها مع الشارع، وإدراكها الكامل بأن تنفيذ بنود العملية السلمية سيكون أصعب كثيرا من المفاوضات المتعثرة، لأن مشكلة النخب السودانية أنها تنقض وعودها، ويظهر الشيطان في تفاصيل تنفيذ الاتفاق. وتوالى سفر الوفود السودانية إلى جوبا منذ بداية الشهر الجاري، وبدأت بوصول وزير الدفاع اللواء ياسين إبراهيم، وشارك في اجتماعات الترتيبات الأمنية ونجح في توقيع اتفاق مبدئي مع الحركة الشعبية شمال – جناح مالك عقار قبل أيام، ولحقه وفد آخر برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول حميدتي، بجانب وفد ثالث ضم عددا من قيادات تحالف قوى الحرية والتغيير. الحركة المتمردة تتهم قائد قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات الحركة المتمردة تتهم قائد قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات وأكد مصدر سوداني تواصلت معه “العرب”، في جوبا، أن انسحاب حركة الحلو جاء تكتيكيا وليس نهائيا، وغرضه الحصول على مكاسب كبيرة مقارنة بما حققه الجناح الآخر بقيادة مالك عقار. ولم يستبعد المصدر وجود ضغوط مارستها أطراف خارجية (لم يسمها) تسببت في انسحاب الحركة المفاجئ، بينما كانت الأجواء قبل بدء الاجتماع “هادئة ورحبت الحركة باستئناف المفاوضات مجددا”. وأوضح المصدر ذاته، رفض ذكر اسمه لحساسية موقعه في الجبهة الثورية، أن استمرار مفاوضات الخرطوم مع كل من حركتي عقار والحلو في نفس المكان والتوقيت خلق نوعا من المنافسة بينهما، والتي لن تكون في صالح ملف السلام بالمرة، لأن كل طرف يحاول الحصول على أكبر مكاسب ممكنة ليبدو أمام أنصاره منتصرا، متوقعا أن يعود وفد الحلو إلى المفاوضات مجددا، الجمعة. بالتوازي مع تلك الجلسة شهدت جوبا اجتماعات مكثفة الخميس في مسارات مختلفة، وبدت الرغبة في السباق مع الزمن واضحة من الجميع، حيث استمرت المباحثات حول ملف الترتيبات الأمنية لمسار دارفور، وناقش مسار المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) القضايا السياسية العالقة مع الحركة الشعبية بقيادة عقار. وأشار رئيس الجبهة الثورية السودانية الهادي إدريس إلى أن الحركات المتمثلة في مسار دارفور، بما فيها حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، عملت على توحيد رؤيتها التفاوضية وقدمت ورقة موحدة إلى وفد الخرطوم بشأن الترتيبات الأمنية، وأن المفاوضات تسير بشكل متعاون من الأطراف كافة. ضغوظ خارجية وراء انسحاب الحركة المفاجئ ضغوظ خارجية وراء انسحاب الحركة المسلحة المفاجئ ويتوقع مراقبون إنجاز السلام قريبا بعد أن توافقت جميع المسارات على القضايا السياسية التي تشكل أولوية قصوى لقادة الحركات الساعين للمشاركة في السلطة، وبقيت بعض الخلافات، مثل رغبة الحركات في حصول قياداتها على مناصب مهمة داخل الأجهزة الأمنية، والقوات المسلحة، وكيفية الدمج، ودفع تعويضات مادية لعناصر الفصائل المسلحة غير الراغبة في الاتفاق. وتواجه السلطة السودانية صعوبات عميقة في ملف السلام لا تختلف كثيرا عن باقي الأزمات السياسية والاقتصادية التي تجابهها منذ أن بدأت مهام عملها قبل عام تقريبا. وتسبب تعدد مسارات التفاوض واختلاف أجندات الحركات المتفاوضة في تأجيل التوقيع على الاتفاق لأكثر من ستة أشهر، وقد يكون الأمر قابلا للتأجيل مرة أخرى في حال عدم وجود توافق حول ملف الترتيبات الأمنية. من المتوقع أن يصل رئيس الحكومة عبدالله حمدوك إلى جوبا بعد أيام، إذا أحدثت المفاوضات تقدما في ملف الترتيبات الأمنية، للمشاركة في صياغة بنود الاتفاق. ويعقب التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام منح مهلة زمنية لا تتجاوز 45 يوما، لتوقيع اتفاق السلام النهائي، على أن تبدأ خلال تلك المدة المفاوضات بشأن توحيد جميع الاتفاقيات التي وقعت على المسارات المختلفة في اتفاق واحد. ويتفق متابعون على أن الرغبة في إنجاز ملف السلام تتوافر بشكل أكبر لدى المكون العسكري بمجلس السيادة، باعتبار أن هذا الملف أصبح مطلبا سودانيا ودوليا.
مشاركة :