الخرطوم - أبدت الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات سياسية موافقة مشروطة على تعيين ولاة مدنيين مؤقتين إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام نهائي مع الحكومة السودانية، وذلك في خطوة تستهدف كسر جمود الترتيبات الأمنية التي أرجأت التوقيع على مسودة اتفاق السلام أكثر من مرة. ووجهت الجبهة الثورية خطابا، الأحد، إلى الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو، ورئيس الحكومة عبدالله حمدوك، ورئيس وفد الوساطة توت قلواك، أكدت فيه استجابتها لرغبة الشعب السوداني في تعيين الولاة على أن يتم إشراك جماهير الولايات في عملية الاختيار. ووضعت الجبهة التي تخوض مفاوضات عسيرة مع الحكومة منذ عام شروطا للتعيين، أبرزها، اختيار الولاة الجدد من الأقاليم بدلا من إرسالهم من المركز إلى الهامش، وتمثيل النساء بصورة عادلة ومنصفة، والتمتع بالرؤية الكافية تجاه الولايات التي تشهد النزاعات والحروب والانقسامات الاجتماعية، ويكونون من ذوي النزاهة والكفاءة، والابتعاد عن المحاصصات السياسية للأحزاب. وخشيت الجبهة الثورية من خسارة شعبيتها داخل بعض الولايات التي شهدت فوضى أمنية في الفترة الماضية، فيما كانت أصابع الاتهام موجهة بشكل رئيسي لعدم تعامل الولاة العسكريين بحسم مع بعض الاشتباكات القبلية وتركها لتتحول إلى كرة لهب سريعة الاشتعال، إلى جانب أنها دفعت باتجاه تهدئة الاضطرابات السياسية التي نشبت بينها وبين قوى الحرية والتغيير التي اتهمتها بعرقلة تعيين ولاة جدد. ورحبت قيادات محسوبة على قوى الحرية والتغيير بهذه الخطوة واعتبرت أنها تعطي الحكومة دفعة إلى الأمام في إطار سياسيات الإصلاح المطلوبة، وأن مسألة التكليف المؤقت ليست محل خلاف لأن قوى التغيير أكدت أن الولاة مؤقتين، والثقة أضحت متوفرة بين جميع الأطراف بما ينعكس إيجابا على إنجاز السلام قريبا. واستضافت جوبا، الأحد، جلستين عقدتهما لجنة الوساطة بين الحركات المسلحة والحكومة، ودخلت حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، التي ابتعدت عن الجبهة الثورية في مباحثات مباشرة حول ملف الترتيبات الأمنية مع الحكومة، وينتظر مناوي أن يتلقى ردا على ورقته التي تقدم بها. وتركزت الجلسة الثانية، بين الجبهة الثورية والحكومة، عبر تقنية فيديو كونفرانس على ترتيب أوضاع الحركات المسلحة داخل مؤسسات الحكم الانتقالي بعد توافق الطرفين على ملف السلطة ضمن القضايا القومية التي جرى التوافق بشأنها في الخرطوم منذ نحو أسبوعين. وأكد رئيس الجبهة الثورية، الهادي إدريس يحيى، أن الحركات المسلحة تفاعلت مع حركة الشارع المطالبة بتعيين الولاة المدنيين للتخلص من بقايا النظام السابق الذين ما زالوا يسيطرون على مفاصل الدولة، وبذلك نتجاوز مسألة الولاة وفقا للاشتراطات التي وضعتها الجبهة لحلحلة الجمود الذي أحاط بالكثير من الملفات في الفترة الانتقالية. وأضاف في تصريح خاص لـ”العرب”، أن الجبهة لمست تجاوبا واسعا من قبل الحكومة بشأن مطالب الحركات المسلحة التي ذهبت بها إلى الخرطوم، ووجدت رغبة حقيقية في الوصول إلى السلام، ما ساهم في اتخاذ القرار إلى حين التوصل إلى تشكيل حكومات جديدة للولايات والأقاليم. ويرى مراقبون، أن الحركات المسلحة أدركت أنه لا وصول إلى سلام طالما هناك ولاة من المحسوبين على النظام البائد في الولايات التي شهدت أعمال عنف، وتسببت في عرقلة التوصل إلى سلام. وقدمت الحكومة العديد من التنازلات وقبلت بشروط الحركات المسلحة في ملفي السلطة والثروة وسمحت بتمثيل واسع لحركات دارفور في إدارة الإقليم، إلى جانب منحها حكما ذاتيا فيدراليا للمنطقتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان)، ورضوخها لطلب الحركات المسلحة ببدء مرحلة انتقالية جديدة منذ تاريخ التوقيع على اتفاق السلام. وتسعى وساطة جنوب السودان إلى استثمار التوافق لتوسيع دائرة السلام، ومن المقرر أن تدعو وفدي الحكومة، والحركة الشعبية – شمال برئاسة عبدالعزيز الحلو لجولة مفاوضات مباشرة خلال أيام للاتفاق على إعلان مبادئ، وسط توقعات بوصول الحلو إلى جوبا مطلع الأسبوع المقبل، في محاولة لتضمينه اتفاق السلام النهائي. وقال المحلل السياسي، عصام دكين، أن الفوضى الأمنية التي وقعت في فتابرنو بولاية شمال دارفور وعرقلة التوقيع على مسودة النهائية دفعتا جميع الأطراف إلى إعادة النظر في خطوات السلام، بعد أن أدركت أن هناك فراغا أمنيا وسياسيا خطيرا في الهامش قد يكون مانعا للوصول إلى اتفاق بين الأطراف المتفاوضة في جوبا. وأوضح لـ”العرب”، أن وجود الولاة العسكريين مهم في الفترة الحالية للتعامل مع الفوضى الأمنية، ويوفر تعيين ولاة جدد من أبناء الولايات لحل مشكلات المواطنين، ويعطي المزيد من الثقة بين المركز والهامش. واعتبر دكين، استمرار مفاوضات السلام دون أن تضم فصيلين رئيسيين، هما الحركة الشعبية شمال – جناج الحلو، وجيش تحرير السودان – جناح عبدالواحد نور، لن تؤدي إلى استقرار الولايات مثلما تطمح الحكومة والشارع، لأنهما يتمتعان بثقل عسكري وشعبي كبير في الولايات التي تشهد مشكلات متفاقمة.
مشاركة :